مدريد: اعتقال البرلماني يحيى لا علاقة له بالسياسة

عودة للحديث عن زيارة رئيس وزراء إسبانيا المنتظرة للرباط بعد فشل تحديد مواعيد سابقة لها

TT

عاد الحديث من جديد، في وسائل الإعلام الإسبانية، عن الزيارة التي كان مفترضا أن يقوم بها إلى المغرب، رئيس الوزراء خوصي لويس ثباطيرو، بمجرد مصادقة برلمان بلاده على تثبيته في منصبه، جريا على العادة المتبعة بين البلدين، سبق أن سنها رئيس الوزراء السابق الاشتراكي، فيليبي غونثالث، وسار عليها «الحزب الشعبي» اليميني بزعامة رئيس الوزراء السابق، خوصي ماريا أثنار.

ويقضي التقليد أن يكون المغرب، الجار الجنوبي لإسبانيا، أول وجهة إلى الخارج يقصدها المقيم الجديد في قصر «لامنكلوا».

وفي هذا السياق، ذكرت أمس صحيفة «أ ب ث» اليومية المحافظة، أن أوساط رئاسة الحكومة الإسبانية، تعالج موضوع الزيارة المرتقبة بحذر، بعد فشل المواعيد السابقة، متوقعة أن يتم اتفاق العاصمتين على موعد وشيك، قدرت الجريدة أن يتم ما بين 7 و8 من الشهر الجاري، على اعتبار أن ثباطيرو مرتبط يوم التاسع من نفس الشهر، بزيارة رسمية إلى اليونان.

وإذا تعذر الأمر، حسب الصحيفة الإسبانية، فإن الموعد قد يغير إلى آخر الشهر، بالنظر إلى كثافة أجندة والتزامات رئيس الوزراء الإسباني خلال تلك الفترة.

وتتمنى الأوساط الرسمية في مدريد أن يلتقي العاهل المغربي الملك محمد السادس، ولويس ثباطيرو، قبل عطلة أغسطس (آب) المقبل، وهي تشعر بصعوبة المراهنة على موعد ومكان للزيارة، يناسبان العاهل المغربي، خاصة أن قضايا عالقة مهمة بين البلدين تتطلب مباحثات ومشاورات على أعلى مستوى قيادي بينهما.

وتباينت آراء المحللين حول أسباب التأجيل المتكرر لزيارة بروتوكولية يفترض أن لا تأخذ وقتا طويلا، كما حدث في المرات السابقة حيث لا يتعدى مقام رئيس الوزراء الإسباني يوما واحدا من دون مبيت في المغرب. وترى طائفة من المحللين أن الآثار السلبية للزيارة غير المسبوقة التي قام بها العام الماضي، الملك خوان كارلوس، إلى سبتة ومليلية المدينتين المغربيتين المحتلتين، لم تمح بعد من أذهان المغاربة وفي طليعتهم الملك محمد السادس، الذي ربما أحس بخذلان جاره الشمالي، في وقت تركز سائر جهود الدبلوماسية المغربية نحو ملف الصحراء الذي دخل طورا جديدا، مع إجراء مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع برعاية الأمم المتحدة، فإذا بمدريد لا تكتفي بعدم إظهار الحماس للمسلسل التفاوضي، بل تفتح وبشكل مباغت تلك الثغرة العميقة في العلاقات الثنائية مع المغرب، علما أن الرباط من جانبها لم تحرك ملف سبتة ومليلية وباقي الثغور المحتلة، تاركة الزمن يفعل فعله في المشكلة، ما دام التعايش بين البلدين الجارين حتمية تاريخية وجغرافية واقتصادية وإنسانية.

ويوجد سبب ثان ظاهر، ضاعف من قلق المغاربة، ويتعلق بالهجرة الشرعية، إذ تتجه السياسات الأوروبية، نحو الاستغناء التدريجي عن العمال المهاجرين وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، ما سيشكل عبئا إنسانيا واقتصاديا على بلدان المنشأ، في ظل بوادر الأزمة الاقتصادية المقبلة، مع الإشارة إلى أن البلدان الأوروبية، تخطط لسياساتها بخصوص الهجرة، بكيفية انفرادية، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار مواقف ومطالب الأطراف المعنية الأخرى.

ولا يستبعد أن تتناول محادثات الملك محمد السادس، وضيفه الإسباني المحتمل، مسألة عودة المهاجرين التي وافقت عليها مدريد. وارتباطا بهذا الموضوع، ستأتي الزيارة المؤجلة، بعد تكرر حوادث تسلل المهاجرين الأفارقة السريين في الأيام الأخيرة من المنفذ الحدودي الرابط بين مليلية المحتلة والأراضي المغربية. وباستثناء حملات التشكيك في موقف الرباط، التي تروجها السلطات المحلية الحاكمة في سبتة ومليلية، باتهامها المغرب بالتراخي في التصدي للمهاجرين الأفارقة، فإن الحكومة الوطنية في مدريد، على لسان وزير داخليتها، ألفريدو روبالكابا، وكذا مندوبها في مليلية، أشادت بالتعاون المثمر مع المغرب في مجال التصدي للهجرة السرية، وأثنت على الصرامة التي أبدتها السلطات المغربية حيال المهاجرين اللاقانونيين الذين باتوا يشكلون عبئا إنسانيا واجتماعيا عليه، ما يضطره إلى التعامل معهم أحيانا، بصرامة وحزم، وذلك بإعادتهم إلى الحدود الشرقية التي تسللوا منها، ليعاودوا الكر من جديد نحو المغرب، مستفيدين من شساعة الحدود المغربية ـ الجزائرية.

ومن علامات الود الإسباني الأخرى، حيال المغرب، الإعلان أخيرا عن صفقة رمزية تقضي تزويد القوات البحرية المغربية، بستة زوارق طوربيد ذات رؤوس حربية، استغنى عنها سلاح البحرية الإسباني بعد أن استبدل بها معدات متطورة، وصارت «الطوربيدات القديمة مجرد خردة مكلفة من ناحية الصيانة. وإذا كانت صحافة جارة المغرب الشمالية متعودة على الخوض في ملف العلاقات بين البلدين، انطلاقا من زوايا نظر متفاوتة في حدة انتقادها للجانب المغربي، فإن الرباط تعودت أن تراقب الحملات الصحافية بما يشبه الإحساس بالعجز عن التصدي لآلة إعلامية قوية، متمكنة من الرأي العام في بلدها.

وفي هذا الصدد، يعتبر موقف وزارة الخارجية المغربية الأخير، بالتضامن مع يحيى يحيى، عضو مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) خروجا عن المألوف، خاصة أن بيان وزارة الخارجية أعرب عن انشغال بمصير البرلماني يحيى، الذي اعتقلته قوات الأمن في مليلية يوم الجمعة الماضي، وأودعه قضاء المدينة السجن لحين حلول موعد محاكمته يوم السابع عشر من الجاري على خلفية تهمة غامضة، إذ يدعي أمن المدينة المحتلة أن المستشار المغربي رفض الامتثال لقوات الأمن، وأنه تبادل عبارات الشتائم معها. وتلك واقعة، في حالة صحتها، لا تستلزم بالضرورة ذلك الإجراء الصارم الذي لجأ إليه أمن وقضاء المدينة التي يعتبرها يحيى جزءا مغتصبا من بلاده. وبالتالي، فإن «محاكمته هي عقاب له على طول لسانه، لا أقل ولا أكثر».

الى ذلك، ردت أمس وزارة الخارجية الإسبانية، على احتجاج المغرب جراء اعتقال المستشار يحيى يحيى، العضو بالغرفة الثانية في البرلمان المغربي، يوم الجمعة الماضي، فور دخوله إلى مدينة مليلية المحتلة التي يسكن بها. وذكر ناطق باسم الخارجية الإسبانية أن الاعتقال يندرج ضمن الصلاحيات المخولة للسلطة القضائية في المدينة، ولا علاقة له البتة بموضوع السياسة، في إشارة ضمنية إلى عدم ربطه بالمواقف السياسية التي طالما جاهر بها المستشار البرلماني المعتقل دائما بخصوص مغربية سبتة ومليلية.

وأشارت وكالة «أوروبا برس» الإسبانية، إلى التضامن الذي عبرت عنه أحزاب وهيئات حقوقية مغربية مع المستشار يحيى، ونشرت أصداءه عدة صحف مغربية، سجلت بدورها عدم تناسب المخالفة المرتكبة مع إجراء الاعتقال وقرار مثول المستشار أمام قضاء مليلية الذي سبق له أن رفض الإذعان إليه على اعتبار أنه قضاء تابع لسلطة الاحتلال.

1