اعتراف ياباني مفاجئ بشعب انقرض

طوكيو تعترف بـ«الأينو» باعتبارهم «السكان الأصليين» للمنطقة دون تقديم اعتذار

TT

عاش أبناء شعب الأينو في الجزيرة الواقعة أقصى شمال اليابان لقرون طويلة، وأطلقوا على موطنهم «أينو موسير»، أو أرض البشر. وعاشوا في الجزيرة على صيد الأسماك والحيوانات البرية، وعبدوا الطبيعة وأقاموا ثقافة خاصة بهم تمخضت عن «يوكار»، وهي قصيدة شفهية في حجم قصائد الشاعر الإغريقي هوميروس. ومثلما حدث مع توسع أميركا غرباً، تحرك اليابانيون باتجاه الشمال في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك في أولى المؤشرات على أطماعهم الامبريالية. وقتل المستوطنون اليابانيون الجزء الأكبر من أبناء شعب الأينو وسيطروا على أراضيهم التي باتت تعرف الآن باسم هوكايدو. بيد أنه منذ أسابيع قليلة سابقة، أقدمت الحكومة اليابانية أخيراً، وفي خطوة غير متوقعة، على الاعتراف بالأينو باعتبارهم «السكان الأصليين» للمنطقة. ومرر البرلمان سريعاً قرارا ينص على أن الأينو يتمتعون بـ«لغة وديانة وثقافة مختلفة»، الأمر الذي قضى كلية على الاعتقاد الذي يروج له المحافظون منذ أمد بعيد بأن اليابان تمثل أمة متجانسة عرقياً. وجاء هذا الاعتراف بعد عقود من المعارضة من قبل الحكومة لخوفها من التعرض لمطالب بالتعويضات. ويبدو توقيته متزامناً مع مؤتمر الشعوب الأصلية الذي تستضيفه اليابان الأسبوع الجاري في هوكايدو. ولا شك أن عدم الاعتراف بالأينو كان من الممكن أن يشكل مصدر حرج بالغ للحكومة اليابانية، خاصة أن المؤتمر ينعقد في وقت قريب من انعقاد مؤتمر قمة مجموعة الثماني في هوكايدو الأسبوع المقبل.

أما داخل هوكايدو، وتحديداً مدن مثل نيبوتاني تتميز بتركز أعداد كبيرة من الأينو بها، أثار الاعتراف الرسمي مشاعر قوية متضاربة تنوعت بين الارتياح والشك في أن التزام طوكيو حيال الأينو لن يدوم لما بعد اجتماع القمة.

وفي هذا الصدد، علق «تاداشي كاتو»، رئيس «اتحاد أينو هوكايدو»، وهو أكبر منظمة للأينو على مستوى البلاد، بقوله: «لقد تأثرنا بشدة من القرار. وخالجني الشعور بأن البهجة لم تعم أعضاء مجتمعنا فحسب، بل أجدادنا أيضاً، رغم أنهم بطبيعة الحال لا يستطيعون الحديث. ولم نتمكن من التغلب على دموعنا». وأضاف «كاتو»، 69 عاماً، أن: «بعض الناس يقولون إن هذا الأمر بلا مغزى حقيقي، لكن هذه ليست النقطة الرئيسة. إن موافقة البرلمان على هذا القرار خطوة كبيرة ـ لكنها الخطوة الأولى». إلا أنه لم يفصح عن ماهية الخطوة التالية. وما يزيد الأمور تعقيداً الغموض الذي اكتنف بيان اعتراف الحكومة بالأينو باعتبارهم سكانا أصليين، فحتى هذه اللحظة، لم تحدد الحكومة ما إذا كان الاعتراف سيترتب عليه حقوق معينة، علاوة على إشارتها إلى أن تعريفها لـ «سكان أصليين» سيأتي أضيق نطاقاً عن التعريف الذي أقرته الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة العام السابق في إعلان حقوق الشعوب الأصلية. يذكر أن اليابان صوتت لصالح هذا الإعلان غير الملزم، بينما عارضته الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا على أساس أنه تمادى بصورة مفرطة في منح الشعوب الأصلية حقوقاً فيما يخص الأراضي والتشريعات. ومع ذلك، أعلنت كندا وأستراليا خلال الشهور الأخيرة اعتذارها عن إساءة معاملة الشعوب الأصلية لديها في الماضي، بينما نقلت نيوزيلندا ريع قرابة 435.000 أكر من الغابات إلى سبعة من قبائل الماوري.

من جهته، أعرب «شيرو كايانو»، مدير متحف نيبوتاني للأينو، عن اعتقاده بأن الحكومة يتعين عليها الاحتذاء بحذو الحكومات الأخرى وتقديم اعتذار للأينو، لكنه أبدى عدم تفاؤله إزاء إمكانية حدوث ذلك. وقال «كايانو»، 50 عاماً، أنه: «في الدول الأخرى، درست الحكومات واعتذرت عن سياساتها الماضية الخاطئة، لكن الحكومة اليابانية لن تقدم على ذلك قط». جدير بالذكر أن «كايانو» نجل الراحل «شيجيرو كايانو»، أول أينو يتم انتخابه في البرلمان الوطني، والوحيد حتى هذه اللحظة. ويحتل المتحف الذي يشرف عليه «كايانو» موقعاً مركزياً بمدينة نيبوتاني التي قامت 64 عائلة بها، من إجمالي 190 عائلة، بتسجيل نفسها باعتبارها أينو. وعلى أطراف المدينة، بالقرب من النهر ومدخل الغابة، تدير «ياسوكو يامامتشي» مدرسة تدرس لغة الأينو، وقد وصفت الاعتراف الرسمي بأنه «يخلو من قيمة حقيقية». كما أعلنت رغبتها في تقديم الحكومة اعتذار للأينو، لكن مثلما الحال مع الأينو الآخرين الذين التقينا بهم، أبدت ترددها إزاء المطالبة باستعادة الأراض التاريخية للأينو. من ناحية أخرى، وطبقاً لدراسة صادرة عن حكومة إقليم هوكايدو عام 2006، فإن ما يقل قليلاً عن 24000 شخص أعلنوا انتماءهم إلى الأينو. وينتمي غالبية هؤلاء الأشخاص إلى عروق مختلطة ويفتقرون إلى البشرة الشقراء أو الشعر المجعد الذي ميز الأينو الأقدم عن اليابانيين. إلا أنه من غير المعروف عدد الأينو الذي يعيشون خارج هوكايدو، نظراً لأن الحكومة اليابانية لم تجر قط إحصاءً حول عدد الأينو على مستوى البلاد. وتوصلت الدراسة إلى أن 3.8% من الأينو يتلقون إعانات، مقارنة بـ2.5 من غير الأينو الذي يعيشون بالمنطقة ذاتها. كما كشفت أن 17.4% فقط من الأينو تخرجوا في الجامعة، ما يعادل أقل من نصف النسبة بين باقي سكان اليابان والبالغة 38.5%. وعلق «تيروكي تسونيموتو»، أستاذ القانون ومدير مركز دراسات الأينو والشعوب الأصلية بجامعة هوكايدو، على الأمر بقوله: «هناك بالتأكيد فجوة بين الأينو والسكان عامة، لكنها أقل بكثير عن تلك المرتبطة بالهنود الحمر والإنويت على سبيل المثال». إلا أن «تسونيموتو» استطرد موضحاً أن الجانب السلبي في ما يتعلق بالأينو أنهم يتمتعون بعدد ضئيل من الحقوق الخاصة التي يحظى بها السكان الأصليون في دول أخرى، خاصة أنهم باتوا يشكلون أقلية تم امتصاصها داخل الثقافة الأوسع. وقال: «في حالة اليابان، نجحت سياسات الدمج التي تم انتهاجها منذ عصر الميجي لدرجة أنه لم يعد يتبقى أي شيء تقريباً من أسلوب الحياة التقليدية الخاص بالأينو». * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»