خطة الرئيس الروسي الجديد لمحاربة الفساد تصطدم بنمط حياة متجذر في البلاد

الرشاوى تنهش جسد روسيا ولكل معاملة سعرها

TT

في بداية العام الحالي، عندما أوشكت الامتحانات على البدء، استدعى أستاذ بإحدى الجامعات الفنية بموسكو الطالب ألكسندر، ومعه عشرة من زملائه. لم يكن هؤلاء الطلاب قد حضروا جزءا من الدورة الدراسية اللازمة لاستكمال دراستهم، وكان يعني ذلك أنهم قد لا يمكنهم دخول امتحان نهاية العام. يقول ألكسندر، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه كاملا، «سأل الأستاذ عن مقترحات لحل هذا الوضع، اقترح أحدهم أن نتقابل في منزله، وقال إنه سيوفر سيارة للأستاذ بينما نستقل نحن المترو». ويضيف ألكسندر، الذي يبلغ من العمر 22 عاما «في الطريق إلى الشقة، اتفق الأستاذ مع الطالب على الشروط الخاصة بكل شخص، حيث سيقوم كل طالب بدفع 500 روبل، (22 دولارا تقريبا) مقابل كل درس غابوا عنه، بالإضافة إلى 170 دولارا». وانتهى الأمر بألكسندر أن دفع 280 دولارا. يكشف هذا الحادث، وأحداث أخرى كثيرة مماثلة، الفساد الذي يعيث في روسيا، لدرجة أن الرئيس الجديد المنتخب ديمتري ميدفيديف قال عن هذه الظاهرة إنها أصبحت نمط حياة عدد كبير من المواطنين. وفي قطاع التعليم في روسيا وحدها، يتم دفع نحو مليار دولار كل عام في صورة رشاوى من أجل دخول الامتحانات واجتيازها، حسب ما قال مارك ليفين، وهو أستاذ بكلية الاقتصاد العليا بموسكو. وقدَّر ليفين، الذي قام بدراسة هذه الظاهرة، أن الطلاب غير المؤهلين، بناء على سمعة المدرسة، يدفعون ما بين 500 دولار و20.000 دولار للالتحاق بالجامعات. ومعظم هؤلاء الطلاب يدفعون رشاوى لاجتياز الامتحانات والحصول على اجازة الدبلوم. وقد تعهد الرئيس ميدفيديف بتقديم تشريع لمحاربة الفساد بحلول أكتوبر (تشرين الاول) وأن يكون جزءا من حملة يسعى خلالها لتقليل الرشاوى. وقد تسببت الثروات الجديدة في روسيا والتي تأتي بصورة كبيرة من عوائد البترول والغاز الطبيعي في تزايد معدلات الكسب غير المشروع بصورة كبيرة، والذي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وفي استبيان حول الفساد قامت به منظمة «ترانسبيرنسي إنترناشونال» احتلت روسيا المركز 143 من 180 دولة تمثل الدول الأكثر فسادا في العالم. وتقول ايلينا بانفيلوفا، رئيسة مكتب المنظمة في روسيا: «هناك الكثيرون في روسيا ممن كانوا يعملون في وظائف عامة، وما لديهم لا يتناسب مع دخلهم المتواضع للغاية. لدى هؤلاء أسهم في أنشطة تجارية وعقارات في لندن أو باريس أو مدريد أو المالديف، ويدرس أبناؤهم في مدارس بإنجلترا. ويقولون إن أي قانون يجبرهم على الكشف عن الأصول الخاصة بهم يعد انتهاكا لحقوقهم». ويكسب مسؤولون حكوميون من الرشاوى ما يقدر بـ120 مليار دولار كل عام، حسب ما قال محقق روسي بارز. وقال فاسيلي بيسكاريوف، وهو مسؤول بارز في لجنة التحقيقات بمكتب النائب العام، الشهر الماضي: «يشير الخبراء إلى أن عوائد الموظفين الحكوميين من الأنشطة الفاسدة تقدر بثلث الميزانية القومية».

وتعتقد بعض المنظمات أن الأمر أكبر من ذلك، حيث تقدر مؤسسة «إنديم» أن المواطنين الروس يدفعون 319 مليار دولار كل عام في صورة رشاوى. ويضيف جورجاي ستروف، وهو رئيس مؤسسة «إنديم» والمستشار السابق للرئيس الراحل بوريس يلتسن: «إنها (الرشاوى) دائما معنا، في كل مناحي الحياة». ويفيد المواطنون الروس ممن يرغبون في التحدث عن الرشاوى التي دفعوها شخصيا ـ ولكن بشرط عدم ذكر أسمائهم ـ بأن لكل شيء ثمنه. تقول يولي، التي وضعت طفلا لها أخيرا، إنها أعطت طبيبها في موسكو 1500 دولار لتضمن الرعاية المثلى أثناء فترة الحمل، على الرغم من أنها مسجلة في التأمين الطبي الحكومي. وتضيف أن الطبيب ما كان ليتابعها من دون أن يأخذ هذا المال. وتقول نينا، وهي جدة في مدينة بينزا التي تبعد 400 ميل جنوب موسكو، إنها دفعت 150 دولارا إلى موظف محلي كي يسمح لحفيدها بأن يدخل روضة أطفال حكومية من المفترض أنها مجانية. ويقول ساشا، وهو خريج حديث من الجامعة، إنه دفع 3000 دولار هذا العام كي يتجنب الخدمة العسكرية، مشيرا الى أن زميلا له هو من قدم المال إلى رئيس مكتب التجنيد، وفي المقابل حصل ساشا على إعفاء طبي. وتقول أوكسانا، التي اشترت أخيرا شقة في موسكو، إنها دفعت 4.000 دولار للحصول على وثائق تثبت أنها تمتلك العقار، وكان المسؤولون بالمدينة قد طلبوا في البداية 10.000 دولار. وتتساءل «ماذا يمكن أن تفعل؟ بامكانك أن تواجههم ولكن هذا سيأخذ فترة طويلة، ويمكن أن يسببوا لك ضررا». ويقول يوري، الذي يدير نشاطا تجاريا صغيرا، إنه دفع 1.200 دولار عندما أوقفته الشرطة لأنه كان يقود السيارة ثملا. وتعد شرطة المرور من أكثر الجهات التي تحصل على رشاوى في موسكو. اتصل يوري بزميل له أحضر له النقود في المكان الذي أوقف فيه. ويقول رجل أعمال رفض ذكر اسمه، إنه يدفع 900 دولار شهريا لبعض المفتشين ورجال الشرطة، ويقول إنه إذا رفض الدفع يقومون بتعليق نشاطه تحت أي دعوى مثل وجود مخالفات متعلقة بالنظام الصحي أو الحرائق أو الضرائب. ويمكن شراء التحقيقات التي تجريها الشرطة أو مؤسسات الدولة لوضع معوقات أمام المنافسين في الأنشطة التجارية مقابل عشرات الآلاف من الدولارات. من جانبهما قام معهد المشروعات العامة، ومعهد الأبحاث الاجتماعية المقارنة، أخيرا، بصياغة قائمة للرشاوى الكبيرة بعد أن تم إجراء مقابلات مع رجال أعمال وسياسيين وموظفين حكوميين وخبراء آخرين: عقد حكومي إلى شركة حكومية: عمولة خفية قيمتها 20 في المائة من العقد. عقد حكومي إلى شركة خاصة: عمولة خفية قيمتها 33% من العقد. ترخيص حكومي لشركة خاصة كبيرة: مليون دولار إلى 5 ملايين دولار. منحة خيرية: 20 ـ 30% من قيمة المنحة. ويشير المعهدان إلى أن الشخص قد يتكلف مليونين إلى 5 ملايين دولار إذا أراد أن يدرج على قائمة المرشحين لأحد الأحزاب للانتخابات البرلمانية. لم يعط ميدفيديف الكثير من التفاصيل حول الخطة المقترحة لمحاربة الفساد، ويعتقد بعض النقاد أن اهتمامه بتأسيس حكم القانون يأتي من رغبته في إجازة العقارات التي استحوذ عليها أعضاء بالكرملين خلال فترة الرئيس بوتين. ويقول ستروف: «إنهم يخشون من أن يأخذها منهم من يأتي مكانهم». ولكن، تقول بانفيلوفا إنها تتحفظ في الحكم على مبادرة ميدفيديف، التي من الممكن أن تكون في إطار استراتيجية أكبر لتعزيز موقعه السياسي الذي ما زالت تحيط به الكثير من الشكوك. وتضيف: «إذا ما أضيفت إلى الخطة وسائل حقيقية لمراقبة الدخل والعقارات التي يحصل عليها الموظفون الحكوميون، فإن ذلك سيعني أنه جاد في محاربة الفساد.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»