اليوم الثاني لمؤتمر الحوار العالمي: مطالبات بتطوير آليات الحوار وإنشاء مجلس عالمي لحوار الأديان

زعيم طائفة هندية يتساءل عن غياب النصف الآخر.. وابن حميد يرد: هل توجد في العالم بالأساس زعامات نسائية دينية؟

الشيخ صالح السدلان وبجانبه رجل دين مسيحي خلال جلسات اليوم الثاني لمؤتمر الحوار العالمي (واس)
TT

تواصلت أمس في مدريد أعمال المؤتمر العالمي للحوار، من خلال الجلستين الثانية والثالثة، من خلال عدة محاور طرحت للنقاش، حيث شهدت الجلسة الثانية مطالبات بنقل وتطوير آلية الحوار من جانبها النظري إلى التطبيق على أرض الواقع، معتبرين انعقاد المؤتمر في إسبانيا بما تحمله من أرث تاريخي والدعم السعودي فرصة ذهبية لتحقيق هذا الطموح، إضافة إلى مطالبة أحد المتحدثين في الجلسة الأمم المتحدة بإنشاء مجلس عالمي لحوار الأديان.

وتحت عنوان «الحوار وأهميته في المجتمع الإنساني» جاءت مداخلة استفهامية لشنكر سرسوتي زعيم فرقة سناتن دهرم (الفئة النبيلة) الأبرز في أعمال الجلسة الثانية: «لماذا لا أرى النصف الآخر للرجل من ضمن المتحدثين؟!» بيد أن سرعة بديهة الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودي، والذي ترأس الجلسة الصباحية، كانت حاضرة، عندما أجاب قائلاً على الزعيم الهندي سرسوتي «حين توجد زعامات دينية نسائية في العالم، ستصبح هناك متحدثات».

وتم خلال الجلسة من أعمال المؤتمر العالمي في العاصمة الإسبانية مدريد، استعراض أربعة بحوث كان أولها للدكتور نيتشكو نيوانو رئيس لجنة اليابان في مجلس البرلمان العالمي للدين والسلام، حيث قدم ملخصاً لورقته المقدمة بعنوان (الحوار وتواصل الحضارات والثقافات).

وأكد الدكتور نيوانو فيها ضرورة تقليص الهوة التي تفصل بين الشعوب المختلفة، حتى لا تقع فريسة ردود الأفعال والغضب والعنف والكراهية، وبين أن الحوار الفاعل هو الذي يقوم على احترام خصوصيات الآخرين، مؤكداً وجوداً مشتركاً كبيراً بين هذه الديانات والفلسفات، وأشاد بكلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها ـ حفظه الله ـ في المؤتمر الإسلامي العالمي الذي رعاه في مكة المكرمة، كما أشاد بكلمته في المؤتمر العالمي للحوار في مدريد ودعا إلى الاستفادة من وثائق مؤتمر مكة المكرمة لأنها ركيزة مهمة في إدارة الحوار. بينما تركزت ورقة عمل الدكتور عبد الهادي التازي عضو الأكاديمية المغربية بعنوان «الحوار وأثره في العلاقات الدولية» في تقديم عرض تاريخي للحوار، مستشهدا بقصة الملك الفونسو العاشر في إرساء السلام وإخماد الفتنة التي وقعت في إسبانيا خلال القرون الماضية.

وبدأ خوسيه دفنيشيا رئيس البرلمان الفلبيني الأسبق ورقة عمله الثالثة في الجلسة الثانية، والتي حملت عنوان «أثر الأديان في إشاعة الأخلاق في العالم»، بمقولة العالم الألماني هانز كونغ «لا سلام بلا حوار من أجل الأديان». وطالب رئيس البرلمان الفلبيني السابق الأمم المتحدة بالموافقة على إقامة مجلس للأديان آملاً في خادم الحرمين الشريفين والملك خوان كارلوس وكافة المهتمين بمستقبل الإنسان والعمل على إنشاء هذا المجلس للمساهمة في حل المشكلات العالمية. وقال خوسيه، في ورقة عمله، إن «العالم يجتاحه الفساد والإفساد، ومن الضروري الاستعانة بالدين للقيام بدوره في إصلاح المجتمع، ودعا أتباع الديانات المختلفة للتعاون على إرساء القيم الفاضلة». واختتمت الجلسة أعمالها بحديث الدكتور رضوان السيد رئيس المعهد العالمي للدراسات الإسلامية في لبنان، بورقة عمل «الحوار في مواجهة دعوات الصراع ونهاية التاريخ». ووصف الدكتور السيد نظريتي فوكوياما وهنتجتون اللتين تتحدثان عن صدام الحضارات، وخاصة مع الإسلام والكونفوشسية كون أتباعهما يرفضون الهيمنة الغربية، بأنها أصبحت فعلا ماضيا في التاريخ، وذلك بعد أن رفض العقلاء في العالم قبولها. ونبه إلى خطورة هذه الفكرة الاستعلائية التي تحولت إلى سياسات دولية في هرم النظام الدولي، وأضاف قائلاً «أدعو عقلاء العالم إلى الحوار والتحالف بين الحضارات وأن الصراع الدولي سياسي استعماري في حقيقته، وقد أقحم الدين والثقافة فيه».

وطالب الدكتور رضوان السيد، في ختام ورقته، القائمين على المؤتمر بإصدار وثيقة تأسيسية تنص على إنشاء سكرتارية تجمع فرق عمل للتأثير الإيجابي على النظام العالمي من خلال المشترك الإنساني الذي يتفق عليه الجميع.

فيما حدد المشاركون في أعمال المؤتمر العالمي للحوار خلال الجلسة الثالثة التي حملت عنوان «المشترك الإنساني في مجالات الحوار» قضايا البشرية المعاصرة في مواضيع الأسرة والبيئة والانحلال الأخلاقي وتفشي الجرائم، إضافة إلى أزمات العالم كالفقر والمرض والجوع. ورأى المتحدثون خلال نقاشات المحور الثالث أن صلاح حال البشرية لن يتم إلا بعودة الشعوب إلى دياناتها، كما استعرضوا علامات الاتفاق بين الديانات السماوية في مواضيع الأسرة والبيئة وكل ما يصب في طريق الحفاظ على القيم الأخلاقية. وعقدت الجلسة الثالثة برئاسة الدكتور وليم فندلي الأمين العام للمؤتمر العالمي للدين من أجل السلام في الولايات المتحدة الأميركية، والتي انطلقت بورقة عمل للقس ميكائيل أنجل رئيس المعهد البابوي للدراسات العربية في الفاتيكان بعنوان «حماية البيئة واجب إنساني مشترك».

واستعرض القس ميكائيل في ورقة عمله العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في الحفاظ على بعض القيم، مشيراً إلى أن الطرفين «يلتقيان في معرفة أن الإنسان خليفة لله في الأرض، وأن مسؤولية إعمار الأرض والسلام فيها مسؤولية الناس جميعاً».

وبين رئيس المعهد البابوي أن أحاديث رسول الإسلام النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام تحث على الحفاظ على البيئة، مشيراً إلى قوله صلى الله عليه وسلم (إذا قامت الساعة وفي يدي أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها ؛ فليغرسها). وقال «إن مبادئنا متشابهة وهي تتلاقى من أجل حماية كوكب الأرض، ونحن نسعد لأن دياناتنا التقت في هذا المجال، وأرى أن التقيد بتعاليم الدين يساعد في الحفاظ على البيئة وعلى الإنسان، ودعا شعوب العالم ودوله ومنظماته لاستلهام المبادئ الدينية في حماية البيئة». وفي موضوع الأسرة، تحدث شنكر أجاريا عن ما قدمته الأديان لحماية الإنسان وصيانة الأسرة، مبيناً أن «التمسك بالأديان سيقرب الناس إلى بعضهم، وإلى تماسك الأسرة وحمايتها واستقرار المجتمع».

وأضاف «أن تقيّد مجتمعنا بذلك سينقل هذا الاهتمام إلى الأجيال القادمة، ولا بد من التميز بين المبادئ والسلوك، وأهمية تطابقها لتسهم في تحقيق واجبات الأسرة على أحسن وجه يترعرع في ظله الأبناء وفق قواعد تربوية صحيحة، بعيداً عن السلوكيات الضارة كتعاطي المخدرات والعبث بالأمن والسلام».

ولفتت مداخلة الدكتور نهاد عوض المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، التي تعرف باسم «كير»، انتباها للحاضرين، عند قوله «هناك 13 مليون رقيق تتم المتاجرة بهم في العالم»، وذلك خلال ورقة عمله التي حملت عنوان «الواقع الأخلاقي في المجتمع الإنساني المعاصر».

وبين الدكتور عوض أن المفاهيم الأخلاقية تختلف من مجتمع لآخر لكنها مفاهيم متشابهة في الأديان بصرف النظر عن عادات الناس وسلوكهم، مضيفاً «إن المفاهيم الأخلاقية قيم عالمية نجدها في الإسلام وغيره من الأديان، وقد زخر القرآن الكريم بالحث على التمسك بقيم الأخلاق الفاضلة».

وأشار عوض إلى أن الحريات المفرطة أدت إلى أمراض مثل الإيدز وهذه سلوكيات يمكن ضبطها وتبديلها من خلال تعميم القيم الدينية، وبمثل ذلك يمكن أن تتم حماية المجتمع الإنساني من خطر المخدرات، وحذر من خطر المتاجرة بالبشر التي شاعت في العالم.

كما حذر المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية من المشاكل الأخلاقية التي تجتاح العالم، موضحا أنه تنفق ملايين الدولارات من الشعوب لممارسة ألعاب كالقمار والميسر والدعارة «التي أصبحت تستخدم في هذا العصر التقنيات الحديثة كالإنترنت وأشرطة الفيديو مما يضاعف خطورة هذه المفاسد على الإنسان، وهذا كله يخالف قرارات الأمم المتحدة، بينما تحرمه الأديان، مما يوجب على زعماء الأديان التعاون مع المؤسسات الدولية للحفاظ على الجنس البشري ومكافحة الفساد وذلك من خلال القيم الدينية والقوانين الدولية».

ثم تحدث الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، فلفت الأنظار إلى أهمية دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار والنداء الذي أصدره المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في مكة المكرمة الذي ركز على التفاهم على القضايا والقيم المشتركة، واستعرض فضيلته بحثه وعنوانه «أهمية الدين والقيم في مكافحة الجرائم والمخدرات والفساد». وشدد تسخيري على أن الإنسان هو أداة التغيير الأولى من أجل صيانة المجتمع وصيانة الحاضر والمستقبل نحو التغيير إلى الأفضل، مؤكدا أن ذلك يحتاج إلى الاعتماد على قواعد وقيم ثابتة، لا يمكن أن تكون صالحة لحماية المجتمع إلا إذا استمدت مفاهيمها من رسالات الله.

وتطرق الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب إلى حقوق الإنسان وحمايته من المفاسد، وأضاف «ومن هنا فإنه يتوجب على الشعوب والدول العمل المشترك لحماية الإنسان ومواجهة آفات الفساد والطغيان والعدوان على الناس».