مسؤول إيراني: طهران تضع استراتيجيتها بمعزل عما ستقوم به سورية مع إسرائيل.. والملف النووي «مفتاح» العلاقات مع أميركا

مباحثات هادلي ـ متقي في أنقرة: حوار مباشر بين أميركا وإيران.. وكونسورتيوم دولي في طهران لتخصيب اليورانيوم

مستشار الامن القومي الأميركي ستيفن هادلي يتحدث بعد لقائه وزير الخارجية التركي علي باباجان في انقرة أمس (أ.ف.ب)
TT

بينما بحث وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ووزير خارجيته وليد المعلم تطورات الملف النووي الإيراني ومباحثات سورية مع اسرائيل وتطورات الشرق الأوسط، تتجه أعين متقي الى أنقرة ليس فقط لان مستشار الامن القومي الاميركي ستيفن هادلي توجه اليها امس حيث عقد مباحثات مع كبار المسؤولين الأتراك على رأسهم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية علي باباجان قالت أنقرة انها دارت حول الملف النووي الإيراني، بل لان متقي نفسه سيزور تركيا اليوم، بعد انتهاء مباحثاته في دمشق. وفيما تبدو تطورات الملف النووي الإيراني هي العنوان البارز في زيارة متقي الى دمشق، ومباحثات هادلي ومتقي في أنقرة، إلا أن هناك قضايا أخرى ستكون على قمة جدول مباحثات متقي في أنقرة، ومنها العلاقات الاميركية ـ الإيرانية، ومسار المباحثات بين اسرائيل وسورية، خصوصا في ظل تسريبات مسؤولين اسرائيليين أن علاقة سورية بحزب الله وترسانة الحزب العسكرية كانت على طاولة مفاوضات سورية وإسرائيل برعاية تركيا خلال جولة المباحثات الأخيرة. وكان متقي لدى وصوله دمشق صباح امس قد قال للصحافيين تعليقا على مباحثاته مع الأسد: «سنناقش آخر تطورات الأحداث في الشرق الأوسط» مع الرئيس السوري. فيما قالت السلطات السورية ان الأسد سينقل الى طهران وجهة نظر فرنسا من تطورات الملف النووي الإيراني وطلبها باريس من دمشق التوسط لدى طهران لطمأنة دول العالم أنها لا تتطور سرا أسلحة نووية. كما تطرقت مباحثات متقي في دمشق الى تطورات لبنان وحكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت. وقالت وكالة الانباء السورية الرسمية «سانا» ان متقي رحب بأي دور يمكن أن تقوم به سورية لإزالة التوتر بين الغرب وإيران بشأن الملف النووي الإيراني. لكن مسؤولا إيرانيا قال لـ«الشرق الأوسط» أنه لا دور لسورية يمكن ان تقوم به في الملف النووي، موضحا أن طهران «باتت أكثر وأكثر على قناعة بأن الحوار المباشر، ثماره أفضل». وقال المسؤول الإيراني الذي لا يريد الكشف عن هويته في اتصال هاتفي من لندن ان طهران على قناعة الان ان «حل أزمة الملف النووي. مفتاح حل كل الازمات الأخرى». وتابع: «إيران استنتجت بشكل نهائي ان الملف النووي مفتاح الحل مع اميركا. حل أزمة الملف النووي مفتاح لحل كل الازمات الاخرى بين إيران واميركا والمجتمع الدولي، مشيرا الى ان مساعدة طهران لاميركا في افغانستان والعراق خلال الأشهر السنوات الماضية لم تغير جذريا من موقف واشنطن حيال طهران، وأن القيادة الإيرانية على قناعة الان ان المفتاح لاميركا هو الملف النووي. غير ان المسؤول الإيراني شدد على ان هذا لن يعني ان طهران ستقدم تنازلات حول موضوع تخصيب اليورانيوم، الذي قالت طهران مرارا وتكرارا أنه «خط أحمر»، معربا عن اعتقاده ان مفاوضات هادلي ومتقي في أنقرة مع المسؤولين الأتراك تهدف الى استكشاف نقطتين، الاولى امكانية حوار مباشر بين اميركا وطهران، والثانية، مدى هضم واشنطن لمقترح إيران انشاء كونسرتيوم دولي لتخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، بمشاركة دول عربية وغربية وإشراف وكالة الطاقة الذرية، موضحا ان هذا بالنسبة لطهران حل يطمئن المجتمع الدولي حول نواياها النووية، دون ان تضطر لوقف التخصيب. وتابع: «هناك اعتقاد ان اميركا قد تقبل بهذا، خاصة بعد أن وصلت معلومات لاميركا ان إيران اكتشفت منجم يورانيوم في منطقة سمبرم بالقرب من أصفهان يحتوي على 28 مليون طن من اليورانيوم. اميركا باتت تعتقد بضرورة الحوار مع إيران حول الملف النووي، وهذا سيؤدي الى انفراجات في علاقة طهران وواشنطن». وكان حسين شريعتمداري مستشار المرشد الاعلى لإيران آية الله علي خامنئي قد قال لـ«الشرق الأوسط» حول موضوع الوساطة السورية ان طهران لا تحتاج الى وساطة بينها وبين الغرب في الملف النووي، موضحا ان قنوات الاتصال المباشر بين طهران والغرب مفتوحة، مشيرا الى أنه «إذا أراد الرئيس السوري ان يكرر مواقف إيران المعروفة، فلا مانع». وحول زيارة ستيفن هادلي الى أنقرة، قال وزير الخارجية التركي علي باباجان أمس ان هادلي اجرى مباحثات مع عدد من المسؤولين الأتراك بينهم رئيس الوزراء التركي اردوغان حول إيران. وجاء الاعلان متزامنا مع اعلان أنقرة ان متقي سيزورها اليوم بعد انتهاء مباحثاته مع المسؤولين السوريين في دمشق. وقال باباجان ان تركيا ستكون هذا الأسبوع محطة لجهود دبلوماسية تتعلق بالملف النووي الإيراني. ودعا باباجان بعد لقائه هادلي الى تشجيع الحوار من اجل حل الخلافات بين طهران والمجتمع الدولي حول ملفها النووي. وتابع في مؤتمر صحافي بعد مباحثاته مع هادلي أمس: «نريد لهذا الموضوع، الملف النووي، ان يعالج عبر الحوار». الى ذلك، وفيما نفى المسؤول الإيراني أن تكون مفاوضات سورية مع إسرائيل برعاية تركيا «من اجل استعادة الجولان» بحد ذاتها مصدر قلق لإيران على اساس ان طهران تدعم حق دمشق في استعادة اراضيها المحتلة، أشار الى ان ما يقلق شرائح من النخبة الحاكمة في إيران هو امتداد المفاوضات السورية مع اسرائيل الى قضايا أخرى منها سلاح حزب الله وعلاقات طهران ودمشق. وتابع: «كما ان هناك داخل اسرائيل أشخاصا يرون انه لا فائدة او جدوى من حوار حكومة ايهود اولمرت مع حماس مثلا، هنا في إيران من يرون أنه لا فائدة من حوار دمشق مع النظام الصهيوني غير الشرعي. السؤال المحوري هنا هو: هل ستتجه سورية الى تطبيع مع اسرائيل، بمعنى علاقات استراتيجية اقتصادية وسياسية وأمنية؟ أم أنها ستكون مثل مصر، اي معاهدة سلام تشبه هدنة او تهدئة، بدون ان يترتب عليها تعزيز العلاقات». وتابع المسؤول الإيراني: «عودة الجولان تطور جيد، هذا لن يؤدي الى عرقلة العلاقات السورية ـ الإيرانية، لكن إذا ما كانت القضية لا تنحصر في عودة الجولان وتمتد الى قضايا اخرى مثل حزب الله وسلاحه ولبنان، فإن هذا أمر آخر». معربا عن اعتقاده ان دمشق «ترى ضرورة الحفاظ على علاقتها مع إيران لإدارة علاقتها مع اميركا».

وشدد المصدر الإيراني على ان المفارقة هي أن اسرائيل، تأثرا بالسلام البارد الذي اجرته مع مصر منذ أكثر من ثلاثين عاما، تريد ان تكون تجربتها مع سورية إذا ما وقعت اي اتفاق سلام «مختلفة»، موضحا ان اسرائيل تريد من سورية تعاونا امنيا وسياسيا حقيقا في الكثير من الملفات، غير انه شدد على أن هذا ليس من مصلحة سورية. وأضاف المصدر الإيراني: «الاسرائيليون يريدون وضع شروط اخرى كي يحصدوا ثمارا أكبر للسلام في حال تحققه مع دمشق، لكن هل التعاون الامني السوري وارد حاليا؟ أعتقد ان هذه ستكون سذاجة. حزب الله مهم جدا لسورية، ليس فقط كخط مواجهة مع اسرائيل، بل هو أكثر أهمية فيما يتعلق بالتحالفات داخل لبنان»، ملمحا الى تكتل 14 آذار والأغلبية اللبنانية التي تعارض النفوذ السوري في لبنان.

وكانت مصادر اسرائيلية قد قالت ان سلاح حزب الله وعلاقات سورية مع إيران طرحت خلال اخر جولات الحوار بين دمشق وتل أبيب في تركيا قبل نحو 10أيام، وأوضح مسؤول سوري قريب من مباحثات سورية وإسرائيل بوساطة أنقرة آنذاك لـ»الشرق الأوسط» ان تحالف سورية وإيران لن يختلف «لكن طبيعة العلاقات في المنطقة ستتغير بشكل عام في حالة نزوع المنطقة الى السلام، وبالتالي سوف تتغير كل الظروف».

وتضع إيران أمامها سينايوهات عدة للتحولات في المنطقة خلال السنوات القليلة المقبلة، بدءا من انسحاب اميركا من العراق وحتى توقيع سورية اتفاق سلام مع اسرائيل. وفي هذا الصدد قال المصدر الإيراني أن طهران تضع خياراتها الاستراتيجية الان «بمعزل عما سيحدث بين سورية وإسرائيل»، موضحا: «القيادة الإيرانية عرفت أنه عندما اختارت سورية مبدأ السلام مع اسرائيل، عرفت طهران أن عليها أن تضع خياراتها الاستراتيجية بشكل مستقل وبمعزل عما ستقوم به دمشق. لذلك لا شيء لسورية لتقوم به في مسار المفاوضات بين طهران والغرب حول الملف النووي».