مطاردة المشتبه فيهم بتفجير السفارتين يثير الغضب في كينيا

فضل عبد الله محمد المتهم الرئيسي له 15 اسماً مستعاراً واعتقل مرتين .. وكان يفلت كل مرة

TT

بعد مضي قرابة 10 سنوات على تفجيرات السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، هاجم العشرات من شرطة مكافحة الإرهاب الكينية منزلين في إحدى المدن التي تتسم بالهدوء على المحيط الهندي. وأثارت المداهمتان اللتان قامت بهما قوات الأمن في الصباح الباكر من يوم 3 أغسطس (اب) الجاري، والتي استندت إحداهما إلى معلومات قدمها عملاء المباحث الفيدرالية، غضبا عارما ظهر على العناوين الرئيسة للصحف في الصفحات الأولى منها، في الوقت الذي تباهت السلطات الكينية من جانبها بمثل تلك العمليات، واصفة إياها بأنها دليل على الملاحقة الشديدة من جانبها لكل المتعاطفين مع الإرهاب. إلا أنه من الثابت أن تلك الغارة لم تسفر عن هدفها المنشود، حيث لم يتم العثور على ناشط القاعدة فضل عبد الله محمد ـ والذي يعتبر المنظم الرئيس للهجمات التفجيرية على السفارة وأحد الفنادق القريبة عام 2002. ويُعرف عن محمد أن له 15 اسماً مستعاراً، وأنه تم اعتقاله وسجنه مرتين من قبل السلطات الكينية كما كان هدف الغارات الجوية التي شنتها القوات الأميركية على الحدود الصومالية؛ إلا أنه كان يفلت في كل مرة. وأدت الملاحقة المستمرة لفضل إلى جعل مسلمي كينيا يشعرون بالسخط والحنق الشديدين، فطالما اشتكوا من التحرش بهم ومضايقتهم باستمرار على يد وحدة مكافحة الإرهاب الكينية ذات التمويل الأميركي. أما في الصومال، فقد شن الجيش الأميركي 6 غارات جوية سعياً لاستهدافه. إلا أن الهدف الوحيد الذي تأكد أنه لقي حتفه خلال تلك الغارات فهو عدن هاشي أريو ـ زعيم المتمردين الصوماليين، والذي يصفه المسؤولون الأميركيون بأنه أكبر زعماء القاعدة والذي ساعد بدوره المشتبه فيهم بعملية تفجير السفارة الأميركية. وقد لقي العديد من المدنيين الأبرياء أيضاً مصرعهم في تلك الغارات الجوية، مما أثار الكثير من الانتقادات بأن هذا المخطط مستلهم من المتمردين الإسلاميين الراديكاليين في تلك الدولة الهشة. وفي هذا الصدد يقول علي سعيد مدير مركز السلام والديمقراطية بالعاصمة الصومالية مقديشيو: «إن ملاحقة المشتبه فيهم الأربعة كان له عظيم الأثر على القرن الأفريقي، فهم دائماً ما يقولون لقد عثرنا عليهم في الغالب! إلا أنهم في النهاية لا يعثرون عليهم. وبعد عقد كامل مازالوا يلاحقون المشتبه فيهم، ومازالوا يفجرون الأماكن الخاطئة، ويقتلون الأبقار والجمال والرعاة ويعتقلون الأشخاص الخاطئين.. إن المجتمع بأسره يدفع الثمن».

وقد أثارت تلك الغارات الأخيرة قدرا من الشكوك بين الكينيين بسبب توقيتها، حيث كان التوقيت مقارباً للغاية من الذكرى السنوية لتفجيرات السفارة التي تمت عام 1998، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص في نيروبي و11 في العاصمة التنزانية دار السلام. وأشار الكثيرون من ناشطي حقوق الإنسان وأحد المسؤولين الأميركيين ممن لديه خلفية بمجريات الأمور، إلى أن وحدة مكافحة الإرهاب الكينية ـ والتي وصفوها بأنها غير فعالة ـ عادة ما تشن تلك الغارات ثم تعمد بعد ذلك إلى تسريب البيانات والأخبار الزائفة إلى وسائل الإعلام لتبرير استمرار التمويل الأميركي. ويوضح علي أمين كيماثي ـ رئيس منتدى حقوق الإنسان لمسلمي كينيا والذي يعمل على متابعة أخبار وحدة مكافحة الإرهاب منذ سنوات: «انهم يريدون خلق الانطباع بأن «فضل» لديه شبكة عريضة في كينيا، من أجل أن يستفيدوا من الكثير من الموارد».

وتابع مستفيضاً، أنه بالرغم من اعتقال المئات من الكينيين للاشتباه في أنشطتهم الإرهابية، إلا أن واحداً منهم فقط هو من تمت محاكمته حتى الآن. بينما هناك 85 شخصاً على الأقل من 17 دولة، منهم 15 كينياً، قد تم إرسالهم إلى إثيوبيا بدون أدنى اتهام بالإضافة إلى حرمانهم من حق الاتصال بالمحامين، بينما وردت أنباء بأن الكثير منهم قد تعرض للتعذيب أثناء بقائه قيد الاعتقال لدى السلطات الإثيوبية أو الكينية. وبنهاية العام الماضي، مازال هناك 40 شخصاً على الأقل رهن الاعتقال في إثيوبيا، الحليفة الرئيسة للولايات المتحدة بالمنطقة. بينما تم ترحيل مواطن كيني إلى معتقل غوانتانامو الأميركي في كوبا. على صعيد آخر، تزعم الولايات المتحدة والسلطات الكينية أن عملهما أضعف من عمليات القاعدة في شرق أفريقيا وأن فضل هو الوحيد الذي فر هذه المرة ولكن بشق الأنفس. ويقول رئيس وحدة مكافحة الإرهاب الكينية في هذه المنطقة إليجاح كاريا: «لقد كنا قريبين من الهدف، إلا أنه من المؤكد أنه شعر برياحنا».

ومن جانبهم، أحجم مسؤولو السفارة الأميركية والمباحث الفيدرالية عن التعليق على العملية، إلا أن أحد المسؤولين الأميركيين أوجز موضحاً أن المباحث الفيدرالية كانت تراقب العديد من مقاهي الانترنت بالمنطقة لشهور. وتابع المسؤول الذي لم يرد الكشف عن اسمه، أن العملاء ألقوا بدائرة الضوء على إحدى المقاهي وعلى شخص بعينه هو إبراهيم محفوظ عاشور، وهو شاب يُزعم تعاونه مع فضل. وعلى أساس تلك المعلومات ـ ولكن دون إخبار مسؤولي المباحث الفيدرالية أو السلطات بمدينة مالندي الكينية ـ تحرك عملاء وحدة مكافحة الإرهاب وهجموا على المقهى، حيث عثروا على عاشور واستجوبوه. واشتكوا في أن عائلته تؤوي فضل، إلا أنهم عندما وصلوا إلى منزله، لم يجدوه هناك. حينها اعتقلوا عاشور ووالديه، وصادروا جوازي سفر وجهاز حاسب آلي زعموا أن فضل خلفهما وراءه. وعبر مسؤول أميركي آخر عن خيبة أمله من عدم اشتراك عملاء المباحث الفيدرالية في العملية. ويذكر المسؤول غير المفوض له مناقشة القضية: «لقد كنا نفضل أن نكون معهم عندما هاجموا تلك المنازل، إلا أنهم لم يخطرونا». وفي نفس الوقت، هاجم العشرات من شرطة مكافحة الإرهاب منزل أمينة عدن، وقد فزعت عدن وأطفالها الثلاثة من احتمال سرقتها، وقاموا بالاختباء بغرفة النوم في الدور العلوي، حيث اقتحم الضباط ثلاثة أبواب خشبية وقاموا بالتفتيش في كل متعلقات الأسرة. بعدها صادروا هواتفهم المحمولة وجوازات سفرهم. وأوضحت عدن أنها تعرف عائلة عاشور إلا أنها ليس لديها أدنى فكرة لم تمت الإغارة على منزلها. وتقول ابنتها مومينا فزيني 21 عاماً: «لقد كانوا يبحثون عن شيء يصنعونه من أجل أن يقولوا إنهم يعملون، وأعتقد أنهم فشلوا في ذلك ـ إنهم رديئون في عملهم ويجب محاولة البحث عن عمل آخر».

ولم يعلق كاريا على الغارة إلا أنه أوضح أن العمليات الشرعية غالباً ما يتم تفسيرها على أنها بمثابة إجراءات صارمة متخذة ضد المسلمين. وأضاف، أن اعتقال فضل يعتبر بمثابة «تحد»، نظراً إلى الدعم الذي يتلقاه من الكينيين الذي يعيشون على امتداد الساحل، حيث أكد قائلاً: «إنهم هم المتعاطفون الذين يحمونه من الاعتقال».

ويذكر كيماثي ـ المدافع عن حقوق الإنسان ـ أن وحدة مكافحة الإرهاب الكينية زرعت شبكة من المخبرين الذين يقومون بدورهم بإخبار العملاء بأسماء الأفراد الذين يتضح أنهم من الأعداء والخصوم في العمل، أو الأفراد الذين يحاولون تسوية الديون معهم. ويتقاضى المخبرون رواتب على هذا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»