معرض يقدم تاريخ الـ«إف بي آي» في 100 سنة

يحتضنه متحف الأخبار في واشنطن

«نيوزيوم»... و100 سنة من ذكريات الـ«إف بي آي» («الشرق الأوسط»)
TT

عن قصد أو من دون قصد أسهم تيد كازينسكي، العالم والأكاديمي الذي انتهى به الأمر إلى السجن المؤبد، بعد إطلاقه حملة تفجيرات استهدفت جامعات ومؤسسات تجارية، في الدعاية لمعرض في متحف إعلامي يحمل اسم «نيوزيوم»، ينظم في العاصمة الأميركية واشنطن لمدة سنة كاملة. «دعاية» كازينسكي، الملقب بـ«يونابومبر» للمتحف الإعلامي، جاءت في الاحتجاج الذي أرسله من سجنه في ولاية كولورادو إلى هيئة استئناف قضائية على إقدام مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) على إعارة الكوخ الخشبي الصغير الذي اعتقلته فيه عام 1996 في أرياف ولاية مونتانا بشمال غرب الولايات المتحدة، منهية حملة تفجيراته. ولقد ورد في الاحتجاج المكتوب بخط اليد أنه، أي كازينسكي، تلقى يوم 19 يونيو (حزيران) 2008، خطابا من صديق قديم فيه صفحة من جريدة «واشنطن بوست» تحمل إعلاناً على صفحة كاملة وبالألوان عن معرض كبير يقام في واشنطن تحت مسمى «نيوزيوم» عن تاريخ العلاقة بين الصحافة والشرطة، وتظهر فيه صورة الكوخ معروضة على الجمهور.

وما أثار حفيظة العالم السجين أن الـ«إف بي آي» التي هي مؤسسة حكومية تتحمل مسؤولية مباشرة عن مثل هذا العرض، بدليل ورود إشارة صريحة في إعلان الجريدة، عن أن الصورة جاءت «من محفوظات الإف بي آي»، وهو ما يدخل بالتالي ضمن حقوق الضحايا إزاء مسألة العلنية والسرية في قضية «يونابوم»، التي ربطت حملة كازينسكي بها. سوزان بينيت، نائبة مديرة المتحف، الواقع في جادة بنسلفانيا آفنيو الشهيرة في قلب العاصمة، علّقت على هذه القضية لـ«الشرق الاوسط» بالقول: «ان العلاقة بين الصحافة ورجال الشرطة في الولايات المتحدة، وأيضاً في بلاد كثيرة، تتأرجح بين التعاون والتنافر.

وكان هذا الجانب من أسباب تنظيم معرض عن العلاقة بين الإعلام الاميركي ومكتب التحقيق الفيدرالي». والمعرض افتتح في يونيو الماضي باسم «جي ـ مين آند جورناليستس (شرطة وصحافيون): أهم القضايا التي تناولها الإعلام في تاريخ 100 سنة من عمل الإف بي آي». وحسب المتحف، لن يطرأ أي تغيير على برنامج المعرض، على الرغم من احتجاج كازينسكي.

الجدير بالذكر أن قضية تيد (ثيودور) كازينسكي، التي يغطيها العرض الخاص بتاريخ الـ«إف بي آي» شغلت الولايات المتحدة لمدة تقارب العشرين سنة. وكان هذا العالم الذي يحمل درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة ميشيغان العريقة، وصار أستاذاً مساعداً للمادة في جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي في سن الخامسة والعشرين، قرّر هجر الحياة الأكاديمية واعتزل المجتمع عام 1971 في كوخ خشبي معزول في أرياف ولاية مونتانا. واعتباراً من عام 1978 بدأ مسيرة اعتراض اجتماعي دموية تمثلت بمسلسل عبوات متفجرة، كان يرسلها بالبريد متحدياً أجهزة الأمن إلى جامعات وشركات، منها شركات طيران استمرت حتى عام 1995. وكان كازينسكي يقر بأنه «ارهابي»، ويطلب من الصحف نشر أرائه التي تنم عن عداء واضح للتقدم التكنولوجي، وتدعوة لنشر «يوتوبيا» (بنية مثالية) جديدة في الولايات المتحدة.

ويوم 24 أبريل (نيسان) 1995 أرسل كازينسكي رسالة الى جريدة «نيويورك تايمز»، وعد فيها بإنهاء «إرهابه»، إذا وعدت الجريدة أو جريدة «واشنطن بوست»، بنشر بيان من 35 ألف كلمة أعده بعنوان «المجتمع الصناعي ومستقبله»، وجادل في هذا البيان، الذي نُشر بالفعل ولقب بـ«مانيفستو اليونا بومبر»، بأن ما اعتمده في تفجيراته كان أسلوباً متطرفاً، لكنه ضروري للفت انتباه الناس إلى انحسار الحريات الإنسانية بفعل التقنيات العصرية، التي تتطلب أطراً تنظيمية واسعة. نشر هذا البيان نبّه شقيق كازينسكي إلى هوية صاحبه، وكان هو مَن أبلغ عنه، فاعتقل تيد في كوخه الريفي، بعد ملاحقة كانت من الأعلى تكلفة في تاريخ الـ«إف بي آي». أما لقب «يونا بومبر»، فجاء من الأحرف الثلاثة الأولى من كلمة يونيفرسيتي (جامعة) والحرف الأول من كلمة ايرلاينز (شركة طيران) وبعدها «بومبر» أي النسّاف. وضمن الأرشيف المئوي الغني، وثائق وتقارير وصور مثيرة عن اعتقال جون ديلينغر، الذي يعده كثيرون أخطر لصوص البنوك في تاريخ اميركا. وكان هرب من السجن عام 1934، وأمضى الـ«إف بي آي» أربع سنوات حتى قضى عليه وعلى آخرين تعاونوا معهم. وفي المعرض صور رجال الشرطة الذين قتلهم ديلينغر وجماعته، ومقتطفات من افلام سينمائية عنه، خاصةً أنه صار «بطلاً شعبياً»، ليس حباً لشخصه، بل للاثارة التي احدثها بتحديه للشرطة.

وبمناسبة الكلام عن الافلام السينمائية، هناك قسم كامل في المعرض عن الأفلام السينمائية المنتجة عن الـ«إف بي آي»، أبرزها في عام 1935 الفيلم الأول وهو «جي ـ مين» (رجال الشرطة، وهو عنوان المعرض)، ثم عام 1959 فيلم «قصة الإف بي آي»، وعام 1974 بدء عرض المسلسل التلفزيوني الـ«إف بي آي». ثم عام 1996 المسلسل التلفزيوني «إكس فايلز»، وعام 2000 المسلسل التلفزيوني «سوبرانو» وهو عن عصابة مافيا ايطالية في نيويورك وملاحقة الـ«إف بي آي» لها، مع نهاية السنة الماضية، انتهى المسلسل بهزيمة عائلة سوبرانو.

ولكن المعروضات لا تقتصر على معرض ذكريات الـ«إف بي آي» وسيرة حياة «رجله القوي» إدغار هوفر، الذي اشتهر بجمع اسرار كبار الساسة لإحراجهم أو ابتزازهم، وهو ما أسهم في احتفاظه بمنصبه الخطير طيلة أربعين سنة، بل تشمل العديد من التوثيق الإعلامي القيم والمثير. ففي المتحف على سبيل المثال مجموعة مهمة من صور الضحايا والجرحى واللاجئين من إقليم كوسوفو خلال الحرب التي سبقت انسحاب القوات الصربية، وتدخل الاتحاد الأوروبي، الذي أدى إلى حصول كوسوفو على الاستقلال.

وسيرة جريدة «نيويورك تايمز»، إحدى كبريات صحف أميركا والعالم، بما في ذلك أهم العناوين الرئيسة للجريدة منذ إصدارها عام 1851، وهي تصوِّر بطبيعة الحال، أهم الأحداث الداخلية والخارجية.

أيضاً، لم تفت المتحف هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، بل أن تغطيتها وعناوينها البارزة تشغل جزءاً كبيراً فيه. وثمة صفحات عملاقة لصحف رئيسة صدرت يوم 12 سبتمبر تحمل عناوين تعبر عن حجم الصدمة وأثرها البالغ مثل: عنوان جريدة «يو إس آيه توداي»: «اعلان الحرب». وعنوان جريدة «سولت ليك تربيون»: «حدث ما لم يكن احد يتوقعه». وعنوان جريدة «شيكاغو تريبيون»: «إرهاب!».

بالاضافة الى المعارض التي يشاهدها الزوار، يشتمل المتحف على قاعات مفتوحة أيضاً أمام الزوار يتحولون بداخلها الى صحافيين، ويشاركون في إذاعة خبر ما في إذاعة داخلية، او الظهور على شاشة تلفزيون إخباري داخلي، أو حتى كتابة خبر ينشر في جريدة داخلية. فالقسم الخاص بشبكة «إن بي سي» التلفزيونية الكبرى يعلّم الزائر كيف يختار الخبر ويكتبه ويصوّره، ومن ثم يقدمه في التلفزيون. والهدف هو تعريف كل زائر بأن كل خبر يشاهده في التلفزيون تسبقه استعدادات واتصالات كثيرة.

وقسم جريدة «واشنطن بوست» يفعل الشيء نفسه على صعيد الإعلام المكتوب، وذلك بتوضيح طريقة جمع الصحافيين للأخبار والاتصال بالمصادر ومقارنة أقوال المصادر، ووضع خلفية لكل خبر والتنسيق مع صحافيين آخرين قبل نشر أي خبر في الجريدة.