أبوظبي تستثمر مليارات الدولارات في الغرب لكي تنقل التكنولوجيا إلى الشرق

الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل: المصنع الذي سنبنيه في ألمانيا سنقيم مثله في الإمارات عام 2010

د. سلطان أحمد الجابر الرئيس التنفيذي لشركة ابوظبي لطاقة المستقبل، مع الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي زار معرضا مجسما لمشروع مدينة مصدر، خلال زيارته للإمارات في يناير الماضي (رويترز)
TT

تنتهج حكومة أبوظبي في استثماراتها في قطاع الطاقة والتكنولوجيا النظيفة استراتيجية تقوم على الجذب والتصدير. ففي الوقت الذي يجري العمل في أكبر مبادرة من نوعها في العالم، وهي انشاء «مدينة مصدر»، باستثمارات قيمتها عشرات المليارات من الدولارات تستخدم فيها الطاقة المتجددة والطاقة البديلة والتكنولوجيا النظيفة، تقوم أبوظبي باستثمار مليارات أخرى من الدولارات في أكثر الدول تقدما في قطاع التكنولوجيا، والهدف: تحقيق عائد اقتصادي واكتساب خبرات مضافة.

ووضعت الحكومة أمس من خلال شركة مبادلة الذراع الاستثمارية حجر أساس مصنعها الخاص بإنتاج ألواح الطاقة الكهروضوئية بمدينة إخترشاوسن الألمانية، في خطوة تمثل المرحلة الأولى من الجهود التي تبذلها «مصدر» لريادة قطاع الطاقة البديلة العالمي. يأتي ذلك بعد مضي أقل من 3 أشهر على إعلان «مصدر» عن استثماراتها الاستراتيجية في قطاع الطاقة البديلة.

لكن ما الذي يجعل أبوظبي تقتحم قلاع الدول الصناعية الكبرى لإنشاء مصانع لها، فيما هي تنشئ مدينتها الخالية من الكربون.. أليس الأجدر أن تبنى هذه المشاريع في الامارات نفسها؟ يرد الدكتور سلطان احمد الجابر الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل على سؤال «الشرق الأوسط»، بالقول «سنستثمر في أي مكان نرى أنه الأكثر تطورا للتكنولوجيا.. هدفنا الرئيسي هو اكتساب خبرة عملية نحن في حاجة لها، وبناء عليه نستطيع أن ننقل مثل هذه التكنولوجيا الحديثة تماما من الدول الغربية إلى الوطن العربي، وتحديدا إلى الامارات وبناء مصانع مماثلة في بلادنا.. وأخيرا لا تنسى أن العائد المادي على هذه الاستثمار يعد مشجعا ايضا».

وفي مايو (أيار) الماضي، أعلنت «مصدر»، ومجموعة «سينر الهندسية» الإسبانية، عن تأسيس شركة «توريسول إنرجي» لتصميم وإنشاء وتشغيل محطات الطاقة الشمسية المركزة في مناطق الحزام الشمسي حول العالم. وتهدف «توريسول إنرجي» إلى العمل على توسعة نطاق انتشار محطات الطاقة الشمسية المركزة، على غرار شبكات الكهرباء التقليدية، حيث تمتلك الشركة الإماراتية 40 في المائة من رأسمال الشركة الجديدة، بينما تمتلك المجموعة الإسبانية 60 في المائة منها.

وتمثل المنشأة الألمانية، التي شرعت أبوظبي في الاستثمار فيها، وتبلغ تكلفتها الإجمالية 230 مليون دولار أميركي، المرحلة الأولى من استثمار «مصدر» البالغ 2 مليار دولار في مجال الألواح الكهروضوئية الرقيقة، الذي يعد الأضخم من نوعه على مستوى العالم. وتستهدف هذه المنشأة المزمع أن تصبح قيد التشغيل في الربع الثالث من عام 2009، تحقيق طاقة إنتاجية سنوية تعادل 70 ميغاواط، كما أنها ستوفر أكثر من 180 فرصة عمل متخصصة في قطاع الطاقة النظيفة.

ووفقا للدكتور سلطان الجابر، فإن ابوظبي عازمة على إنشاء مصنع مماثل لهذا المصنع في الإمارات في الربع الرابع من عام 2010، ويقول: «عندها نكون كونا فريقا مكتسبا للخبرة والمعرفة التي تساعده على إنشاء مثل هذه التكنولوجيا الحديثة تماما على المنطقة». وخلال العقد الحالي، اتجه العديد من دول العالم نحو استخدام الطاقة الشمسية، باعتبارها عاملا مساعدا في تلبية نسبة كبيرة من احتياجاتها من الكهرباء، إذ استقطب هذا القطاع الاهتمام مؤخراً، وانتقل من مرحلة المشروعات التجريبية إلى الاستخدام التجاري على نطاق واسع، جنباً إلى جنب مع محطات الطاقة التقليدية.

وسوف يستخدم المشروع الصناعي الجديد تقنيات إنتاج متطورة تتيح إنشاء شبكة طاقة كهربائية شمسية تكافئ شبكة الكهرباء التقليدية، فضلاً عن أنه سيساهم في دعم اقتصادٍ محلي يمتلك سجلاً حافلاً بالإنجازات في مجالي التصنيع والتكنولوجيا.

وسينتج المصنع الجديد أضخم وأقوى ألواح كهروضوئية في العالم (مساحة اللوح 5.7 متر مربع) باستخدام معدات من المزود «أبلايد متيريالز»، الأمر الذي سيساهم في خفض تكاليف الإنتاج وتوفير الطاقة الشمسية بأسعار مناسبة.

واختارت «مصدر» ألمانيا لإقامة منشأتها الأولى نظراً لكونها مركزاً عالمياً للتكنولوجيا الكهروضوئية. وستعمل المنشأة الألمانية بمثابة محطة مرجعية لنقل التقنيات والمعرفة إلى المحطة الكبرى في أبوظبي التي سوف تبلغ طاقتها الإنتاجية 140 ميغاواط، حيث من المفترض أن يبدأ الإنتاج الأولي في نهاية عام 2010. وسيتم تخصيص إنتاج المنشأتين لشركات تركيب الأنظمة الكهروضوئية في أوروبا، وتلبية احتياجات «مدينة مصدر» من الطاقة الشمسية.

ويقول الدكتور سلطان الجابر، إن جغرافية أبوظبي ورؤيتها الرامية إلى أن تصبح أحد رواد الطاقة المتجددة على مستوى العالم، ساهمت في جعل قطاع الألواح الكهروضوئية الشمسية الرقيقة محط اهتمام «مصدر». «ولا شك في أن ألمانيا تعتبر شريكاً مثالياً لاعتبارات عديدة، منها امتلاكها للتقنيات المتطورة والقوى العاملة عالية الكفاءة والمهارة، والبيئة الاستثمارية الجذابة، ناهيك من أنها توفر قناة اتصال مباشر مع السوق الأوروبية. وأود بهذه المناسبة، أن أعرب عن سعادتنا بالعمل معاً على دفع العالم خطوة مهمة باتجاه مستقبل آمن يعتمد على الطاقة النظيفة». وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت إمارة أبوظبي أنها تنوي استثمار 15 مليار دولار لبناء أكبر محطة لإنتاج الطاقة الهيدروجينية في العالم وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. وتصف الامارة المشروع على انه أهم مشروع حكومي من نوعه في العالم. ويشمل المشروع ايضا تطوير مدينة تعتمد على الطاقات المتجددة، تؤوي 50 ألف شخص. وأطلق على هذه المدينة المستقبلية اسم «مدينة مصدر»، وستخلو تماما من الانبعاثات الكربونية والسيارات وستكون أول مدينة على اليابسة خالية من السيارات والشاحنات التي تعمل بالوقود الأحفوري، كما أن المدينة ستكون أول مدينة في العالم خالية من انبعاثات الكربون.