رغم تحسن الوضع الأمني.. الخوف يبقي المهجرين العراقيين مهجرين

بعضهم يفضل بيع داره والعيش وسط سكان من نفس مذهبه

TT

عندما خرج عبد الجبار وهو رجل شيعي عجوز من منزله في شهر يونيو (حزيران) وكان يرغب في معرفة أين ذهب كل أثاث منزله، أوقفته النظرة الحادة في عيني السني الشاب الذي كان يقف في حراسة الشارع الذي يسكن فيه. لم يقل الشاب شيئا، لكن التعبير على وجهه كان يوضح كل شيء: فلم يعد لجبار أي منزل بعد ذلك الوقت. وبعد هدوء زلزال التقسيم العرقي في العراق، أصبحت المناطق التي تحيط به تابعة للسنة. وبعد العودة إلى منزله، فإنه يحاول بيعه والعيش في منزل مؤجر يبعد أقل من ميل واحد عن أقرب منطقة شيعية إليه.

قرار عبد الجبار ليس قرارا غير عادي. فمن بين العائلات التي يزيد عددها على 151.000 عائلة تركت منازلها في بغداد، لم يرجع إليها سوى 7.112 عائلة فقط حتى منتصف شهر يوليو (تموز) حسبما أفادت وزارة الهجرة العراقية. وقد بقي العديد من المشردين في بغداد في مناطق متفرقة. وفي منطقة العامرية غرب بغداد يوجد 8.350 عائلة مشردة وهو عدد يزيد على إجمالي عدد العائلات التي رجعت إلى منازلها في بغداد كلها.

وأسباب ذلك معقدة ترجع في معظمها إلى الخطر الحقيقي والمتخيل. وفي معظم الأحوال، فإن العراقيين يقولون إنهم يشعرون بالأمان تجاه المناطق السكنية التي يعيشون فيها لكنهم غير متأكدين من بعض السكان. ويشعر البعض بالخوف من الحراس الذين يقومون بالحراسة. وفي بعض الحالات القليلة، فإنهم لا يستطيعون مواجهة جيرانهم الذين يعتقدون أنهم كانوا يشاركون في عمليات القتل.

وقد كان عبد الجبار يشعر بالخوف من جيرانه الشباب، ومثله مثل بقية العراقيين الذين قمنا بعمل مقابلات معهم، فإنه لم يفصح إلا عن اسمه الأول فقط. وقد أفاد بأن هؤلاء الشباب قد ألقوا بمنشورات تطالب الشيعة بالمغادرة وإلا فإنهم سوف «يستخدمون السيوف لقطع رقابهم». خلال أيام. وتم إخلاء المناطق على الفور وهربت العائلات بمتعلقاتها التي استطاعت وضعها في السيارات التي تقلهم. وكان عبد الجبار محظوظا لأنه لم يفقد أيا من أفراد أسرته. لكنه يتذكر أولاد عائلة قريبة له فقدوا وكان والدهم يقدم الطعام لجيرانه. وقد تحسنت الأوضاع الأمنية، وفي هذا الربيع، بدأ عبد الجبار في التفكير في الرجوع. وقامت زوجته بزيارة منزلهم مع إحدى صديقاتها. وينظر إلى السيدات على أنهن يشكلن تهديدا أقل ويقمن بأعمال خطرة للأسرة مثل الحصول على الطعام في المناطق الخطرة. لكنها رجعت بأخبار متناقضة. فمن ناحية، كان أثاث منزلهم ما يزال موجودا. لكن أحد الشباب الذين يحرسون المنطقة ويقوم الجيش الأميركي بدفع رواتب لهم لم يجعلها تشعر بالارتياح. وقال لها إنه يعرف أبناءها وسألها كيف ستحميهم. لكن بعد أن قامت الأسرة بزيارة المنزل بعد ذلك بعدة أسابيع، لم يبق شيء فيه غير سيارة قديمة. ولم يكن عبد الجبار يملك دليلا، لكنه كان يشك في الحراس الشباب من السنة. ويقول عبد الجبار: «لقد كان الشارع خاليا إلا منهم. وبعد ذلك بوقت قصير، قتل اثنان من الشيعة على مقربة من منزله. ثم تلقى رجل سني يؤجر منزله لأحد أقاربه تهديدا. وعندما قام بإبلاغ الحراس بهذا التهديد طلبوا منه دليلا على هويته السنية، ثم طلبوا منه تمزيق الخطاب». ويقول عبد الجبار: «منذ هذه اللحظة شعرت أنني لا أستطيع العودة إلى منزلي مرة أخرى».

وفي إشارة على تعقد الموقف في العراق حاليا، فإن الشيخ السني المسؤول عن القوات في هذه المنطقة وهو أبو صالح العقيدي يقول إن الشيعة يرجعون ويغضب بسبب القول بأنه ما زالت هناك أعمال عنف طائفي. ويقول قيس وهو سني متقاعد: «إذا وثقت بجارك فإنك لا تعلم شيئا عن الجار الذي يبعد عنك بخمسة أو ستة منازل».

وقد تحسنت الأوضاع بعض الشيء حيث يتنقل المواطنون بحرية نسبية بين المناطق السكنية ويقودون سياراتهم إلى أعمالهم ويزورون أصدقاءهم ويحصلون على الطعام. ويقول بعض العراقيين إن المشكلات التي تواجه العائلات في سبيل عودتها إلى منازلها ترجع لأسباب اقتصادية وليست طائفية. وقد قامت بعض الأسر السنية الفقيرة من المناطق الزراعية في جنوب بغداد بالانتقال إلى منازل شيعية فاخرة مهجورة في منطقة العامل جنوب بغداد. ويرجع أحد هذه المنازل إلى حازم الذي يبلغ من العمر 37 عاما ويقول: «إذا سألتني عن السبب منذ ستة أشهر فإنني كنت سأقول إنه طائفي. لكنني أقول إن الأمر ليس كذلك الآن. فهم يشعرون بالراحة لعيشهم في منزلنا الكبير».

وحتى السكان من السنة ينظرون إلى هؤلاء نظرة ازدراء. وقد قال أحد أصدقاء حازم من السنة إن هؤلاء «برابرة وقذرون». وشجعه على العودة إلى منزله. حاول حازم الرجوع ثلاث أو أربع مرات، لكن أحد الضباط الذين يتلقون الرشاوى يغض الطرف عن عمليات السلب والنهب ومنعه من العودة إلى منزله. وتقوم القوات الأميركية بدفع أموال لأعضاء قوات الصحوة ومن شأن ذلك أن يزيد دخل الأسر السنية. ويعتقد حازم أن الأميركيين هم الذين حرموه من العودة إلى منزله. وعندما سألته: ماذا سيحدث إذا غادر الأميركيون؟ قال حازم: «كم الساعة الآن؟» فقلت له إنها الساعة الثانية، فقال: «في الساعة الرابعة سوف أكون في منزلي ولن يمنعني أحد ولن يجرؤ أحد على قول كلمة واحدة».

ويجد أولئك الذين يرجعون إلى منازلهم جيرانا مختلفين. ويقول أحد الرجال الشيعة والذي يبلغ من العمر 30 عاما وعاد إلى منزله في العامرية: «70 في المائة من الجيران أفراد جدد، وقد تم نقل السنة من المناطق الشيعية». وقد أفاد أحد الرجال الشيعة بأنه يخشى العودة إلى منزله، كما أن المتشددين من السنة الذين يحكمون العامرية يعلمون الأطفال أغنيات متشددة عن الشيعة. ولهذا الرجل صديق سني مقرب يقوله عنه إنه لا يفصله عنه سوى المسافة الجغرافية فقط.

* خدمة: «نيويورك تايمز» شارك في هذا التقرير: رياض محمد ومحمد حسين وأنور علي وأبو ساجد وأبو زينب وعلي خاتم وأحمد خاتم