الأجواء الحارة في رمضان الحالي تعيد ذكريات معاناة السكان مع شهر الصوم خلال العقود الماضية

حالات إغماء بسبب الإجهاد.. والأزيرة وأحواض النخيل واللزاء تقاوم عطش الصائمين

الأسواق القديمة تختزن ذكريات معاناة السكان مع الأجواء الحارة في رمضان («الشرق الأوسط»)
TT

أعادت الاجواء الحارة لشهر الصوم هذا العام، ذكريات معاناة السكان قبل عقود عندما كان الشهر الفضيل يحل في اجواء شديدة الحرارة وفي ظل امكانات بالغة الصعوبة مع غياب أجهزة التكييف والتبريد وعدم توفر ما يطفئ لهيب العطش بعد ساعات طويلة من الصيام والعمل تحت اشعة الشمس الحارقة، كما حل رمضان لهذا العام في الاجازة المدرسية لأول مرة بعد سنوات كانت المدارس تفتح ابوابها للطلاب خلاله، ومعها عادت ذكريات عن معاناة الاسر والطلاب من الدراسة في شهر الصوم. ويستقبل السعوديون شهر الصوم لهذا العام مع بداية شهر سبتمبر (أيلول)، حيث تتجاوز الحرارة الاربعين درجة مئوية في معظم المدن بعد ان اعتادوا خلال العقدين الماضيين على حلول الشهر في اجواء باردة او معتدلة، وهو ما دعا الاسر الى اعادة ترتيب برامجها خلال شهر الصوم بما يتناسب والطقس السائد، كما اعادوا ضبط الساعة البيولوجية لابنائهم بصورة مغايرة للاعوام الماضية بعد ان سجل رمضان الحالي اول اعوام لن تكون فيها دراسة خلال الموسم وذلك لمدة عشر سنوات، حيث سيخوض الطلاب والطالبات معمعة اختبارات نهاية العام بعد عقد من هذا العام خلال شهر رمضان.

ولا يعلم الجيل الجديد من السعوديين حجم معاناة الآباء والاجداد من وقوع شهر الصوم في فصل الصيف خلال العقود الماضية وقبل سنوات الطفرة وما صاحبها من نقلة كبيرة وتغييرات مفاجئة في اسلوب المعيشة لدى السكان.

ويحمل كبار السن أو ممن تجاوز العقد الخامس من عمره ذكريات عن تلك السنوات ومظاهر رمضان في اجواء مختلفة، كما تختزن المنازل الطينية في المدن والقرى التي هجرها السكان الى مساكن حديثة كنوزا من الذكريات مطمورة فيها وفي ازقتها عن الصوم ومظاهره ومعاناة ساكنيها من قضاء الشهر في ايام الصيف واسلوب التعامل مع هذه الاجواء.

ويشير ع. ف (85 عاما) من سكان محافظة ضرماء الى انه صام رمضان في اجواء مختلفة وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة، حيث كان يعمل في مزرعة الاسرة خلال نهار قائظ، وواجه متاعب كثيرة لدرجة تعرضه لحالة إغماء بسبب العطش والاجهاد، خصوصا في موسم صرام النخيل (انزال التمور من رؤوس النخيل بعد اكتمال نضجها ووصولها الى مرحلة التمر وتعبئتها في صناديق او اكياس).

وقال انه يتذكر جيدا وهو صغير كيف كان والده يعمل في رمضان بهمة ونشاط منذ الفجر وحتى وقت الضحى ليرتاح قليلا عند بركة الماء التي تسقي المزرعة ويؤدي صلاة الظهر في المسجد، ثم العودة للعمل في المزرعة، ولاحظت عليه الاجهاد في حين أن والدتي كانت تعمل في المطبخ لاعداد وجبة الافطار التي لا تتعدى طبق الحساء (الشوربة) المعد من القمح الذي تنتجه المزرعة وطبق جريش او مرقوق يصنعان من المادة نفسها، اضافة الى القهوة والتمر واحيانا تجمل المائدة بكميات من المريس (نقيع التمر) أو الاقط المجروش مضافا اليه الماء، إضافة الى قطع من الاترنج المغموس بالماء لاطفاء لهيب العطش، في حين لا تتعدى وجبة السحور طبقا من الأرز، أو الجريش أو المرقوق أو المطازيز (رقائق من القمح تطهى مع اللحم والبصل والطماطم )، مشيرا الى ان الأسر تتجنب اكثار الملح في كل وجبات السحور أو اعداد أكلات يحتاج من يتناولها الى شرب كميات من الماء كالقرصان مثلا حتى لا يتسبب ذلك في إيجاد متاعب للصائم نهارا.

ويحمل سعد الشويمان (80 عاما) ذكريات عن شهر الصوم قبل أكثر من سبعة عقود، لعل ابرزها تلك الروائح التي تنبعث من مطبخ منزل في مقاطعة الوشم عندما تبدأ والدته الراحلة في اعداد وجبة الافطار مستخدمة السعف والجريد والحطب في ذلك، وهو يتضور جوعا، انتظارا لحلول وقت الافطار، موضحا ان روائح الأطعمة الرمضانية كانت تشم في جميع ارجاء المنزل ان لم يكن في كل أرجاء الحي.

وقال إن القهوة والتمر يمثلان عاملا مشتركا في مائدة الافطار في كل المنازل، في حين ان اللبن مطلب في وجبة السحور، أما الطبق الرئيسي، بل والوحيد فهو المرقوق مع قطع البصل المطبوخة أو قطعة من القرع أو خضار مع أرغفة القرصان الخالية من الملح.

ويتحدث س. الفوزان 70 عاماً من أهالي محافظة الغاط عن معاناة السكان مع الصوم خلال أشهر الصيف، مشيرا الى ان جميع أبناء القرى يعملون اما في الزراعة أو الرعي، لذا فإنهم يعانون من متاعب في النهار بسبب العطش، لدرجة ان البعض منهم يضطر الى النوم اما بجوار القرب (مفرد قربة وهي أداة تبريد الماء مصنوعة من جلد الماشية) أو بالقرب من الأزيرة (أوان فخارية لتبريد الماء ومفردها زير)، كما ان البعض يضطر الى النوم في حوض النخل المبلل بالماء، او رش المياه على الملابس والسباحة في اللزاء (بركة تجميع المياه)، لافتا الى ان هناك حالات اغماء وقف عليها اثناء صومه في مرحلة الشباب بسبب العطش الشديد وعدم وجود أجهزة طاردة للحر باستثناء (المهفة) وهي مروحة يدوية مصنوعة من الخوص ولها مقبض خشبي مصنوع من جريد النخل.

وقال إن الشعثاء (خليط من التمر والأقط والسمن) يتم تناولها في وجبة الافطار وهي منتشرة عند ابناء البادية.

وعلى صعيد الدراسة في رمضان قبل عقود، فقد عانى الطلاب من الدراسة في رمضان خلال أشهر الصيف، وقد أجمع كثير ممن درس في هذه الأجواء على صعوبة ذلك بسبب قلة النوم وتعرضهم للعطش، كما ان تحصيلهم متدن، وفي السنوات الأخيرة سجل حضور الطلاب للمدارس غيابا وصل الى 40 في المائة في كثير من المدارس وهو ما جعل السلطات المسؤولة عن التعليم وفي ظل الأجواء الحارة التي سيكون عليها الشهر الكريم خلال السنوات العشر المقبلة تعتمد تقويما دراسيا يدخل بموجبه رمضان ضمن الاجازة المدرسية.