الأزمة السياسية في لبنان تزداد حدة وعنفا رغم المصالحات

TT

يشبه احد السياسيين الوضع الامني في لبنان بالرداء الرث، ما ان يرقع مزق فيه حتى يظهر آخر. وينطبق هذا التشبيه على الوضع اللبناني منذ العام 2006، واندلاع ازمة سياسية لم يعرف لبنان مثيلا لها.

ولم يكن مفاجئاً ان تترجم هذه الازمة السياسية والمذهبية في جزء كبير منها، احداثاً امنية او عمليات امنية او توترات امنية اختلفت نتائجها باختلاف المشاركين والمتورطين فيها. وربما كانت الشرارة الاولى في الجامعة العربية حيث تطورت خلافات الطلاب الى اشتباكات عنيفة بين ابناء الطريق الجديدة وحركة «امل» و«حزب الله» سقط على اثرها احد الطلاب (من آل شمص). ولم يطل الامر حتى انتجت الحادثة ردة فعل تمثلت بخطف الشابين «الزيادين» وقتلهما ورمي جثتيهما في منطقة يراد منها تمويه هوية الجاني الذي ما زال فارا من وجه العدالة. وما لبثت العدوى الامنية ان انتقلت الى المنطقة المسيحية، حيث تعرض حارقو الدواليب من «التيار الوطني الحر» في اواخر العام 2006 لاطلاق نار اصيب فيها احد العناصر بالشلل، وآخرون بجروح مختلفة.

وفي محاولة لاستدراك ما هو اعظم تقرر عقد جلسات تشاور بدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اصر على قفل ابواب المجلس النيابي بذريعة عدم شرعية الحكومة. لكن هذه الجلسات بقيت مثل جلسات الحوار السابقة بلا نتيجة وبقي الجمر تحت الرماد، فيما استمر اعتصام المعارضة في وسط بيروت، وفي مواجهة السرايا الحكومية.

وتوج التصعيد السياسي بما عرف بـ «القرارين» المتعلقين بشبكة الاتصالات الخاصة بـ«حزب الله» وقرار نقل المسؤول عن جهاز امن المطار العميد وفيق شقير على خلفية اكتشاف كاميرات مراقبة على مقربة من احد مدارج المطار قيل انها تخص «حزب الله»، مما دفع الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الى اعتبار هذين القرارين بمثابة «اعلان حرب. وعلينا الدفاع عن انفسنا». ولم يطل الامر على ذلك فاندلعت اشتباكات في بيروت ذهب ضحيتها عشرات الاشخاص. واعتبر «تيار المستقبل» انها اجتياح للعاصمة.

و ما كاد مقاتلو «حزب الله» و»امل» يسارعون الى تسليم مكاتب «تيار المستقبل» الى الجيش اللبناني تداركاً لاتساع رقعة الاشتباكات حتى انتقلت الاشتباكات الى الجبل ولاسيما في بلدة الشويفات الساحلية وبلدتي كيفون والقماطية الشيعيتين في قضاء عاليه مع اشتباك دموي في جرد الشوف بين مجموعة من «حزب الله» ومجموعة من الحزب التقدمي الاشتراكي. لكن الاشتباكات الاخيرة ما لبثت ان تحولت مصالحة سياسية بين وليد جنبلاط وخصمه التقليدي طلال ارسلان. واستغرب جنبلاط موقف حلفائه الذين حملوه وحده مسؤولية القرارين اللذين تسببا بما سماه النائب سعد الحريري بـ«جرح بيروت».

وما ان استتب الوضع في بيروت، ولو على جراح، حتى انفجر في طرابلس بين حي باب التبانة ذي الطابع السني، وجبل محسن ذي الطابع العلوي. ولم تكن المدينة قد نسيت بعد ترددات المعركة التي خاضها الجيش اللبناني ضد «فتح الاسلام» في نهر البارد بعدما اقدم هذا التنظيم على قتل مجموعة من الجنود والتمثيل في جثثهم. وكانت «حرب طرابلس» تخف وتحتدم بحسب المداخلات السياسية، وتحصد في كل جولة مجموعة من الضحايا، فضلا عن الاضرار في الابنية والممتلكات.

ويقول النائب وليد جنبلاط ان الانتخابات في المناطق المسيحية هي التي ستكوّن الاكثرية النيابية في المرحلة المقبلة. ومن هنا بدأت حدة المعركة في المناطق المسيحية، تلفزيونيا واذاعيا وملصقات، واخيرا بشكل دموي حيث حصل اشتباك في بلدة بصرما (قضاء الكورة) الشمالي بين «تيار المردة» الذي يرئسه الوزير سليمان فرندجية وحزب «القوات اللبنانية» الذي يرئسه سمير جعجع. وسقط نتيجته قتيلان احدهما من المردة والآخر من «القوات» و3 جرحى من مرافقي النائب القواتي فريد حبيب.

ويبقى السؤال: هل يكون حادث بصرما مقدمة لحوادث مماثلة ام تمهيداً لمصالحة مسيحية ـ مسيحية بدأت أصوات كثيرة تطالب بتحقيقها؟