القاهرة: حوارات ساخنة بين العلمانيين والإسلاميين على «فيس بوك»

الموقع يعكس صراع الطرفين في الشرق الأوسط

TT

يعكس «الفيس بوك» على الانترنت الصراع في الشرق الأوسط بين العلمانيين والإسلاميين، لكن السؤال المطروح هو هل يستمع كل طرف منهم إلى الآخر؟

ففي القاهرة قال وليد كريم الطالب الجامعي، الذي يقتبس كلمات أينشتاين وفولتير وأنامله تعبث بلوحة المفاتيح جهاز الكمبيوتر وكأنها جيش صغير، وهو يتصفح الإنترنت في أحد مقاهي الإنترنت التي تعج بالرواد، ويفتح صفحة مجموعته، التي أثارت غضب الإسلاميين، على فيس بوك «نعم نحن علمانيون ونحن نفتخر بذلك».

ووسط حرارة الجو، ينقر وليد ليتنقل ما بين المقالات التي كتبها اسلاميون أو متشددون، والتي تناقش عددًا من القضايا في الشرق الأوسط كالإسلام والديمقراطية. بعض تلك المقالات كان هزليًا وبعضها كان رديئا. غير أنه بغض النظر عن كل تلك الألقاب المستعارة والأسماء المرحة التي يستخدمها الشباب لتسجيل الدخول على الإنترنت فإن هذا العالم الإلكتروني المتوازي أعطى الشباب فرصة للتعبير عن آرائهم. ويقول وليد «هذه ليست حربًا إلكترونية وفقط لكنها أخلاقية أيضًا، فالفيس بوك يعكس ما يجري في المجتمع الإسلامي، وأنا أشترك في حوارات مع العلمانيين والإسلاميين، لكن تلك الحوارات تشهد الكثير من التوتر، فما من أحد من الفريقين يرغب في مراجعة آرائه، ومن ثم تحولت إلى حرب كلامية، فالإسلاميون ينعتونني بالكفر، وهم يرغبون في إثنائي عن العلمانية ، في محاولة لما يقولون ردي إلى صوابي».

والصراع الذي يدور الآن إنما يتركز حول دور الإسلام في القرن الجديد، فمجموعات الفيس بوك التي ينتمي إليها وليد تسعى إلى الفصل بين الجانبين السياسي والديني، أما الجماعات الإسلامية فتنادي بإقامة الدولة الإسلامية والابتعاد عن التأثيرات الغربية الليبرالية». ويعد الفيس بوك بوك ساحة إنترنت نشطة حيث تتبادل الآراء بشأن الفتاوى وختان الإناث، ويعتقد وليد أنه يعيش لحظة انتقالية تاريخية ، حيث بإمكانه التعبير عما يرغب على شاشة تتسع لعدد لا حصر له من الكلمات. ذلك حقًا أمر مثير بالفعل لكنه يتساءل إلى أن تمضي ؟

وخلف أزيز صوت مكيف الهواء يجلس عمرو علي، الطالب بكلية طب الأسنان ، في غرفته في حي مصر الجديدة الراقي يفتح صفحة الفيس بوك، ويقول: «نحن الشباب المسلم بإمكاننا تغيير العالم، ويخشى والد علي، الذي يعمل جراح تجميل، أن تلقي الأجهزة الأمني القبض على ابنه بتهمة التطرف حيث يقوم بفصل وصلات الإنترنت عالية السرعة من المنزل في فترات الامتحانات». ويقول علي، الذي ينتمي إلى مجموعته على الفيس بوك أكثر من 22 الف عضو، «مجموعات العلمانيين والملاحدة تنشر إعلانات عن مجموعتي قائلين إن الإسلام يشجع التطرف، وإني لمندهش حقًا من المجموعات العلمانية الموجودة على الإنترنت، وما يقلقني هو إنهم شباب صغار ضائعون يتبعون شعارات ضالة، بعضها يخالف الدين ويجافي ما جاءت به الرسل».

ومن غرفته يقوم على بدور المعلم والمفسر والساعي إلى الرد على «الافتراءات الغربية» عن الإسلام من الدار البيضاء وحتى باريس، وقد تخطت مجموعته الحدود السياسية إن لم يكن الأيديولوجية عارضًا صور مفكرين إسلاميين معتدلين مثل الداعية التليفزيوني عمر خالد، والداعية الجنوب أفريقي المعروف أحمد ديدات ويوسف إسلام والذي كان يدعى من قبل كات ستيفنز.

ويضيف علي «يمكننا تغيير كل المفاهيم عن الإسلام، وأنا على اتصال الآن مع أحد الشباب الأميركيين الذين وصفني في أول لقاء معه «بالإرهابي» وقال «هل تنتمي إلى القاعدة؟» لكنني شرحت له طبيعة الإسلام واستدللت ببعض آيات القرآن لتصحيح مفاهيمه والآن أتناقش أنا وهو عن الإسلام والبوذية على الإنترنت، كما أقوم أيضًا بمساعدة البريطانيات اللاتي يرغبن في اعتناق الإسلام، حيث يتصلن بي عبر الموقع وقد ساعدتهن في إيجاد المساجد القريبة منهن في إنجلترا، وقد أصبحت تلك رسالتي».

وتمزج صفحة فيس بوك الخاصة بعلي ما بين العولمة والتقاليد، فهي خليط من الإنجليزية والعربية لكي تصل إلى المسلمين في الشرق الأوسط وكذلك في الغرب وتقدم الصفحة دعوة من خلال رسالة صوتية باللغة الإنجليزية تقول «في مراحل أعمارنا المختلفة، قيل لنا، نحن الشباب المسلم، يجب أن تستمتع في شبابك، وأن تمارس طقوس الإسلام عندما تكبر في السن، لكن الله سيسألك في يوم القيامة «ماذا فعلت» وعندئذ لن يكون لدينا عذر، تحن الشباب المسلم يمكننا أن نغير العالم، فنحن نملك الإسلام ونملك الإبداع ولدينا الطاقة، وإن لم نعمل من أجل الإسلام فإن الله سيستبدل بنا قومًا غيرنا يحبونه أكثر منا، ويخافونه أكثر منا وينشرون الإسلام إلى العالم».

وقام علي بالدخول إلى صفحة مليئة بالجداول والرسوم البيانية تشير إلى أن 67% ممن يزورون موقعه تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين وأن 1% هم الذين تجاوزت الخامسة والأربعين وأن نسبة النساء فاقت نسبة الرجال فكانت 59% إلى 41%، ويضيف على ذلك بعدًا دينيًا على ذلك بالقول «إن رسول الله قال إن النساء أرق عاطفة من الرجال ولذا فإنني أعتقد أن ذلك هو السبب وراء تواجد الكثير من الفتيات في مجموعتنا، وأعتقد أنك إذا ما تصفحت إحدى المواقع العلمانية ستجد أن أغلبها من الرجال.

ويقول وليد، والذي كان ينتمي إلى مجموعة فيس بوك بعنوان مصر: دولة علمانية «العلمانية هي السبيل الأمثل وهي الأساس للديمقراطية». والعالم الإلكتروني والحقيقي بالنسبة لوليد يعكس التناقض الذي يلهم وليد في المعركة الأيديولوجية وفي بعض الأوقات تتركه في تصارع. وربما يمكن للمعركة حول الدين في المواقع التي يطلقها الجهاديون النشطون والمعتقلون السياسيون أن تؤثر على مسار الإسلام وعلاقاته مع الغرب.

وفي أحد الأيام بينما كان وليد في مقهى الإنترنت جاءته لحظة من البطولة وقال «ربما تؤدي تلك المناقشات على ساحة الإنترنت إلى أرضية مشتركة بين العلمانيين والإسلاميين فهناك الكثير من النقاط المشتركة أكثر مما تظن» ويكتب محمد عامر في رسالته موبخًا وليد «العلمانية مرفوضة بمختلف الأشكال والصور، وهي في الحقيقة تأتي على غير رغبة الشعب المصري والعربي والإسلامي الذين يتوقون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية والمصلحة القومية ترتكز على التمسك بالإسلام والإيمان» وهنا انفجر وليد غاضبًا وهو يصيح بصوت عالي «هذا يكفي أقسم بالله إننا قد مللنا مما تقوله، فكل ما تقولونه واحد ولا بنم عن مستوى فهم عميق مليء بالتعريفات الخاطئة (العلمانية) والحوارات الخاوية ولن أرد على ما قلته لقد رددت عليه عشرات المرات من قبل».

* خدمة «لوس انجليس تايمز « خاص بـ «الشرق الأوسط»