شكوك حول مدى نجاعة خطة الإنقاذ الأميركية في إنهاء أزمة الائتمان

مخاوف من أنها «سهلة على الورق ومعقدة في التطبيق» > «مورغان ستانلي» و«غولدمان ساكس» يرتميان في أحضان الاحتياطي الفيدرالي

رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح يقرع جرس الافتتاح في بورصة نيويورك، امس (ا ف ب)
TT

واصل الدولار الاميركي انخفاضه مع تنامي الشكوك فيما اذا كانت خطة الحكومة الاميركية لحل مشكلة ديون الرهون العقارية هي الدواء الناجع الذي يبحث عنه المستثمرون للأزمة الائتمانية.

وانخفض الدولار 1.3 في المائة مقابل العملة اليابانية الى 106.04 ين بعد أن هبط في وقت سابق الى 105.96 ين. وارتفع الجنيه الاسترليني الى أعلى مستوى منذ ثلاثة أسابيع ونصف الاسبوع ليسجل 1.8467 دولار بالمقارنة مع 1.8315 دولار في نهاية المعاملات الاميركية يوم الجمعة. كما ارتفع اليورو الى أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع مسجلا 1.4602 دولار.

من ناحيته واصل النفط مسيرة الارتفاع وتجاوز 107 دولارات للبرميل امس وسط آمال بأن خطة انقاذ الحكومة الأميركية بقيمة 700 مليار دولار ستعيد الاستقرار الى النظام المالي وتدعم الطلب العالمي على الطاقة. وقد أثارت اجراءات حكومية كاسحة لإنقاذ النظام المالي استعادة الثقة في الاسواق المهتزة شعورا عميقا بالارتياح في كل الاسواق يوم الجمعة الماضي حيث ارتفع النفط نحو سبعة بالمائة ليتوج أكبر موجة صعود في ثلاثة أيام خلال عقد كامل. وسط مخاوف من أن «الشيطان في التفاصيل» يترقب المستثمرون تفاصيل أخرى عن الخطة التي يبلغ حجمها 700 مليار دولار وستتيح سلطات كاسحة لوزارة الخزانة الاميركية لشراء الديون المرتبطة بالرهون العقارية التي تعثر أصحابها في السداد من المؤسسات المالية بما في ذلك الفروع الاميركية للبنوك الاجنبية. واكدت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية أن الخطة سهلة على الورق لكن ستكون معقدة في التطبيق. وقالت د. باولا سوباكي، مديرة الابحاث في برنامج الاقتصاد العالمي بالمعهد الملكي للدراسات الدولية بلندن (تشاتهام هاوس)، لـ«الشرق الوسط»: «إن خطة الانقاذ الاميركية سيكون لها مفعول في حلحلة الازمة على المدى القصير وتهدئة الاسواق ولكننا لسنا متأكدين من مفعولها على المدى البعيد». وحول ما اذا كان الاسوأ قد تم تجاوزه من قبل الاسواق أم أنها بانتظار الاسوأ أكدت سوباكي «انه من الصعب التنبؤ بأي شيء في ظل المعطيات الحالية».

من جهته أكد خبير مصرفي ألماني أنه رغم حزمة الإجراءات الهائلة التي تقدمت بها الحكومة الأميركية لإنقاذ القطاع المصرفي والمالي من أزمته لم تظهر في الأفق نهاية لأزمة الائتمان الراهنة بعد.

وقال الخبير المصرفي الألماني بروفيسور هانز بيتر بورجهوف، الأستاذ بجامعة هوهنهايم لتلفزيون (زد دي إف) الالماني، «لقد فقدت الموازنة الأميركية توازنها تماما وصار تزايد الأسعار خارج السيطرة أيضا وستكون نتائج الأزمة على مجمل الاقتصاد بالطبع فادحة».

وأضاف أن «الخلل الهيكلي في الولايات المتحدة يؤدي إلى أن تكسب البنوك والمساهمون أمولا طائلة في أوقات الازدهار ثم إذا وقعت أزمة فإن دافع الضرائب هو الذي يتحملها».

وبحسب وكالة الانباء الألمانية اعترف الخبير الألماني بصعوبة وضع قواعد دائمة للأسواق المالية قائلا «إنك إذا وضعت هذه القواعد لها لن تعمل الأسواق، ولكنها ستموت. ولا يمكن أن يكون هذا هو الهدف. وأي نوع من التنظيم ينبغي ألا يكون قانونيا وحسب إنما يجب تشكيله حسب المخاطر».

وأكد بورجهوف «إننا في حاجة إلى إشراف فاعل يتدخل عندما يلوح خطر حقيقي وليس كلما وردت فقرة عن ذلك في صحيفة».

من جهة اخرى ذكرت وزارة الخارجية الصينية أمس أن الرئيسين الصيني هو جينتاو، والأميركي جورج بوش، بحثا خلال اتصال هاتفي امس الأزمة المالية الراهنة في الولايات المتحدة.

وأعرب هو لبوش عن أمله أن تحقق الإجراءات الأميركية الرامية إلى دعم أسواق المال نتائجها سريعا وتؤدي إلى «تعافٍ تدريجي» للأسواق.

ونقلت وزارة الخارجية عن هو قوله إن استعادة أسواق المال الأميركية عافيتها في صالح الصين إلى جانب الولايات المتحدة، كما أن هذا سيفيد الاقتصاد العالمي ككل.

وأبلغ بوش الرئيس الصيني بآخر التطورات في الولايات المتحدة، مؤكدا أن الحكومة تدرك تماما أبعاد المشكلة وستواصل جهودها لتحقيق الاستقرار في الأسواق الأميركية والعالمية.

وعلى صعيد متصل حصل بنكا «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» على موافقة السلطات ليصبحا شركتين مصرفيتين قابضتين تخضعان لضوابط مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) ما يعني فعليا القضاء على نموذج العمل المصرفي الاستثماري الذي هيمن على وول ستريت طوال أكثر من 20 عاما. وتتيح هذه الخطوة لكل من «غولدمان» و«مورغان» أخذ ودائع والحصول على تمويل بشكل أكثر يسرا، كما تمنحهما مزيدا من المرونة لشراء بنوك تجزئة. وجاء هذا التحول بمبادرة من «غولدمان» و«مورغان» وهما المصرفان الوحيدان اللذان لا يزالان قائمين بين البنوك الاستثمارية الاميركية المستقلة عقب انهيار بنك «ليمان براذرز» وشراء «بنك أوف اميركا» لبنك «ميريل لينش» الاسبوع الماضي. ويأتي التحول في اطار موجة تغيرات كاسحة في وول ستريت وسط اضطرابات الاسواق المالية خلال الاسبوعين الماضيين. ويعني هذا التحول أن المؤسسات التي كانت تتحرك بحرية مطلقة في السابق ستخضع الان لقواعد وقيود صارمة من البنك المركزي من بينها شروط مشددة لمتطلبات رأس المال. وبحسب رويترز من شأن هذا أن يحد من قدرة البنكين على استغلال جبال الأموال المقترضة في تمويل عمليات تداول لحسابه، وهو ما سيقلل بالتالي من فرص تحقيق الارباح العملاقة التي كانا يحققانها الى أن بدأت أزمة الائتمان تعصف بالسوق المحلية هذا العام. وقال كيربي ديلي كبير المحللين الاستراتيجيين في مجموعة «نيو ايدج» في هونغ كونغ «توقيت هذه الخطوة التي تتزامن مع كل الخطوات الاخرى التي لم يسبق لها مثيل والتي جرى اتخاذها خلال الاسبوع الماضي يبرز الجدية التي تتعامل بها الحكومة والبنوك نفسها مع المخاطر قصيرة المدى التي تهدد استقرار الاسواق المالية».

وبموجب الترتيب الاخير تصبح الجهة التنظيمية الاولى المختصة بالإشراف على الشركتين الأم هي مجلس الاحتياطي وليس لجنة الاوراق المالية وأسواق الصرف، ولكن اللجنة ستواصل تنظيم أنشطة هذين البنكين في مجال الاوراق المالية الاميركية. وفي مقابل تعزيز عملية الرقابة عليهما يصبح بوسع بنكي «غولدمان» و«مورغان» الحصول من البنك المركزي على قروض طويلة الاجل بخصم دون ضمان فيما يعرف باسم «نافذة الخصم» كما يمكنهما الحصول على ودائع مصرفية تتمتع بتأمين مؤسسة تأمين الودائع الاتحادية. من ناحية اخرى قال شخص مطلع إن «مورغان ستانلي أصبح الان أقل اهتماما بالاندماج مع مجموعة واكوفيا كورب المصرفية وان كانت المحادثات مستمرة مع أطراف اخرى». من ناحية اخرى اعلنت امس المجموعة المالية اليابانية العملاقة «ميتسوبيشي يو اف جي» انها ستشتري حصة تصل الى 20% في «مورغان ستانلي». وقد هوت أسهم «غولدمان» نحو 45 بالمائة في أول أربعة أيام من الاسبوع الماضي بعد أن بدا أن مؤسسات وول ستريت التي كان يعتقد من قبل أنها منيعة تماما عرضة للانهيار تحت وطأة الأزمة المالية. وانتعشت أسهم البنك جزئيا وسط أنباء عن خطة واشنطن لانقاذ النظام المالي الاميركي وحظر على بيع الاسهم المالية على المكشوف.

من ناحية أخرى قال مصدر مطلع على الصفقة أمس ان «نومورا القابضة» اليابانية ستشتري عمليات «ليمان براذرز» في اسيا إذ فاق عرضها عروضا من بنوك أخرى تسعى لشراء أصول وطلب «ليمان» الاسبوع الماضي إشهار إفلاسه لحمايته من الدائنين بعد انهياره بسبب رهون عقارية عالية المخاطر. وابرم «باركليز» صفقة قيمتها 1.75 مليار دولار لانقاذ وحدته الاستثمارية في الولايات المتحدة، واشار الى انه قد يفعل الشيء نفسه في وحدات أخرى. و«نومورا» هي أول شركة أوراق مالية يابانية تفتح 81 مكتبا بالخارج قبل عام، ويعمل بها 81 الف موظف في 30 دولة، وصفقتها في اسيا واهتمامها بشراء وحدات «ليمان» في اوروبا تهدف الى تحقيق أهدافها فيما يتعلق بتوسعة نشاطها في مجال العمل المصرفي الاستثماري. وعلى صعيد البورصات ارتفع مؤشر نيكي القياسي للاسهم اليابانية 1.4 بالمائة ليغلق على أعلى مستوى في اسبوع امس تدعمه أسهم المؤسسات المالية وسط آمال بنجاح خطة الإنقاذ الاميركية.

في المقابل هبطت الاسهم الاوروبية في أوائل معاملات أمس بعد أن حققت يوم الجمعة أكبر مكاسب على الاطلاق في يوم واحد من حيث النسبة المئوية وذلك مع تراجع أسهم البنوك بينما يترقب المستثمرون تفاصيل الخطة الاميركية لانقاذ النظام المالي. بدورها فتحت الاسهم الأميركية منخفضة أمس تقودها البنوك وسط عدم تيقن بشأن تفاصيل الخطة الاميركية.