نجاد في نيويورك يخطف الأضواء ويثير الاحتجاجات: الوثائق التي تشكك في برنامجنا النووي تثير الضحك

مصدر بوكالة الطاقة لـ «الشرق الأوسط»: طلبنا من أميركا إطلاع إيران على الوثائق السرية حول تطويرها برنامجا نوويا عسكريا

TT

كما كان متوقعا خطف الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الأضواء في نيويورك، ففي اليوم الاول لوصوله لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خرج نحو 3 آلاف في مظاهرة ضده، قرر منظموها في اللحظة الأخيرة سحب دعوة الى سارة بالين المرشحة لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري للمشاركة فيها، مفسرين سحب الدعوة بالرغبة في عدم تحويل المظاهرة الى مظاهرة حزبية، لكن برغم عدم مشاركة بالين في المظاهرة ضد احمدي نجاد، لم يمنع ذلك الحملة الانتخابية للمعسكر الجمهوري من نشر كلمة شديدة اللهجة كانت بالين تعتزم إلقاءها في احتجاج نيويورك تصف فيها الرئيس الإيراني بأنه «مجنون .. يهدد العالم بأسره». ويأتي ذلك فيما قال مصدر مطلع بوكالة الطاقة الذرية لـ«الشرق الأوسط» أن الوثائق السرية التي طلب مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي من اميركا اطلاع إيران عليها تتعلق كلها بالتقارير حول إخفاء طهران برنامجا نوويا سريا عسكريا، موضحا ان الوكالة أطلعت على هذه الوثائق السرية، وان إيران تريد الاطلاع عليها كي تتمكن من الرد على الاتهامات الموجهة لها، غير أن اميركا لم تسمح للوكالة الذرية بإطلاع طهران عليها. وفي يومه الأول بنيويورك، التي زارها 4 مرات حتى الان، وجه أحمدي نجاد في مقابلتين احداهما صحافية والاخرى اذاعية، رسالة الى الادارة الاميركية المقبلة مفادها بان طهران تريد تحسين العلاقات مع واشنطن. كما حمل على الادارة الاميركية الحالية، متهما اياها بأنها السبب في الازمة المالية العالمية بسبب تدخلها العسكري في العراق. وقال أحمدي نجاد إن الازمة المالية الاميركية نتجت جزئيا عن التدخلات العسكرية الاميركية، موضحا في حديث مع صحيفة «لوس انجليس تايمز» الاميركية أن الرئيس الاميركي المقبل يجب ان يتخلى عما اسماه سياسات الرئيس جورج بوش الصدامية. فيما قال في حديث اذاعي منفصل مع الاذاعة الاميركية العامة (ناشيونال ريبابليك راديو ان بي آر) إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للامم المتحدة تمثل «أفضل ضمان» على ان ايران يمكنها تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. وأوضح أحمدي نجاد الذي يزور نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة «الحكومة الاميركية ارتكبت سلسلة من الاخطاء في العقود القليلة الماضية. أولا الضغط على الاقتصاد الاميركي بالتدخلات العسكرية المكثفة في مختلف ارجاء العالم... الحرب في العراق على سبيل المثال.. هذه تكاليف باهظة.. الاقتصاد العالمي لم يعد يحتمل عجز الميزانية والضغوط المالية الناجمة عن الاسواق هنا في الولايات المتحدة ومن جانب الحكومة الاميركية». واتهم أحمدي نجاد الولايات المتحدة بفرض ضغوط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقيق في برنامج ايران النووي. وقال «تم تزوير الوثائق» التي تشكك في الاغراض السلمية للبرنامج. ونقلت عنه «لوس انجليس تايمز» قوله «في الواقع كانت مضحكة وسطحية ومفتعلة حتى انها تثير ضحك تلميذ في المدرسة». وفي حديثه مع الاذاعة رد أحمدي نجاد على سؤال عما اذا كانت ايران تعتزم طمأنة العالم الى انها ستستخدم برنامجها النووي لاغراض سلمية فقط، قائلا إنه يتعين على الولايات المتحدة «ان تقدم على الاقل عشر ما قدمناه من تعاون» مع الوكالة. واتهم احمدي نجاد الولايات المتحدة «بتطويق» ايران عسكريا، مبررا سياسة المواجهة التي تعتمدها طهران مع الغرب. وتابع احمدي نجاد «أريد ان اسألكم: هل الجيش الايراني هو الذي يطوق اراضي دول اخرى ام جيش الولايات المتحدة؟» وأضاف ان «الجيش الاميركي هو الذي يطوق حدودنا. لسنا نحن من ينتشر على حدود الولايات المتحدة. اذن، ماذا تفعل الولايات المتحدة هناك بالتحديد؟».

ونقلت «لوس انجليس تايمز» عن الرئيس الايراني قوله خلال الحديث الذي جرى في جناحه بفندق «مدتاون منهاتن»: «اي ادارة أميركية جديدة ستتولى السلطة يجب أن تغير السياسات السابقة.. انا مستعد للحديث مع مرشحي الرئاسة هذا الاسبوع.. نحن مهتمون باقامة علاقات ودية». وكان لافتا أن الصحف الايرانية أمس ركزت على ان جولة احمدي نجاد يمكن ان تساعد في حلحلة العلاقات مع اميركا خصوصا، ومع الغرب عموما. وجاء عنوان صحيفة «همشري» التي تصدر في طهران: «احمدي نجاد في نيويورك لحلحلة العلاقات» كما كررت الصحف الإيرانية ان «العدو الثابت لايران هو اسرائيل» وانه بخلاف ذلك ليس هناك اي اعداء دائمين لإيران. وحول اسرائيل، أشار احمدي نجاد الى ان اقتراحه باجراء استفتاء فلسطيني على مستقبل اسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة قد يؤدي الى نهاية تشبه انهيار الاتحاد السوفياتي. وقال «اين الاتحاد السوفياتي الان.. لقد اختفى.. لكن كيف بالتحديد.. تم ذلك من خلال تصويت شعبه. لذلك في فلسطين ايضا يجب ان نسمح للشعب.. للفلسطينيين، ان يقرروا مصيرهم»، واصفا اسرائيل بأنها طائرة فقدت محركها. وكان أحمدي نجاد قد وصل الى مقر الأمم المتحدة في نيويورك وسط مظاهرات احتجاج على زيارته وفي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة. فقد نظمت جماعات يهودية أميركية احتجاجا أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك وتخطط لتنظيم مظاهرة اخرى أثناء إلقاء الرئيس الإيراني خطابه الرسمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان الاحتجاج على زيارة أحمدي نجاد قد تداخل مع المعركة السياسية في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بعدما تبين أن سارة بالين مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية من المقرر أن تشارك فيه. واضطرت بالين للانسحاب بعدما ألغى منظمو المسيرة دعوتها خشية أن يتحول الاحتجاج إلى عمل حزبي. وكانت هيلاري كلينيون عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك قد انسحبت في وقت سابق بعدما اتضح أن بالين ستشارك في المسيرة. ولم يمنع ذلك الحملة الانتخابية للمعسكر الجمهوري من نشر كلمة شديدة اللهجة كانت بالين تعتزم إلقاءها في احتجاج نيويورك تصف فيها الرئيس الإيراني بأنه «مجنون .. يهدد العالم بأسره». من ناحيته، دعا ايلي فايزل الناجي من محارق النازي والحاصل على جائزة نوبل الامم المتحدة الى توجيه اتهامات الى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للتحريض على الابادة الجماعية بدلا من السماح له بالتحدث امام الجمعية العامة للامم المتحدة. وقال فايزل «انه ليس هتلر وليس هناك شخص مثل هتلر.. ولكنه يرغب في السير في اثر هتلر وهذا يجعله مجرما كبيرا»، ودعا قادة العالم الى مغادرة القاعة عندما يتحدث احمدي نجاد في الجمعية العامة. وأضاف فايزل «الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد تهديد للسلام العالمي ولا يجب ان يكون هنا في نيويورك. ان مكانه هو زنزانة في سجن تابع للامم المتحدة». الى ذلك، ووسط برودة سادت علاقات وكالة الطاقة الذرية وإيران بعد تصريحات محمد البرادعي اول من امس التي قال فيها انه من المستحيل على الوكالة ان تؤكد عدم وجود برنامج نووي إيراني سري، وهو ما رد عليه سفير إيران لدى وكالة الطاقة الذرية علي اصغر سلطانية بقوله ان الوكالة «اصبحت اداة في يد واشنطن»، تتجه الأعين الى اجتماع مقرر غدا بين مسؤولين من دول مجلس الأمن، زائد المانيا، في نيويورك لمناقشة الازمة الإيرانية. وكان سلطانية قد رد على اعنف انتقادات يوجهها البرادعي الى إيران بسبب ضعف تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية، باتهامه اميركا بمحاولة استغلال وكالة الطاقة الذرية كأداة في المواجهة بين واشنطن وطهران. وقال سلطانية للصحافيين: «اليوم بات واضحا لمجلس الامناء ان اصول الوثائق او حتى نسخة حول الدراسات العسكرية المزعومة لم تقدم للوكالة». وتابع: «كيف يمكن ان تستجوب دولة، حول انشطتها النووية، بدون ان تقدم الوثيقة الاصلية اليهم (المسؤولون بوكالة الطاقة الذرية)». وقال مصدر مطلع بوكالة الطاقة الذرية لـ«الشرق الأوسط» ان الوثائق والمعلومات الاستخباراتية التي قدمتها دول غربية حول برنامج إيران النووي، وطلب البرادعي من هذه الدول اطلاع إيران عليها للحصول على رد إيراني بخصوصها تتعلق كلها بالتقارير حول تطوير إيران برنامجا نوويا سريا. وقال المصدر، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته، ان الوكالة اطلعت على كل الوثائق حول إيران، إلا ان هناك الكثير من هذه الوثائق ترفض اميركا إطلاع طهران عليها، موضحا ان البرادعي دعا الجانب الاميركي وغيره من الدول التي تزود الوكالة بمعلومات استخباراتية حول طهران، بأن تسمح هذه الدول بإطلاع الإيرانيين عليها للحصول على ردهم. وفيما تعد اميركا المصدر الأساسي للمعلومات الاستخباراتية حول إيران، فإن هناك وكالات استخباراتية في دول اخرى ترسل الى وكالة الطاقة الذرية وثائق وصورا حول البرنامج النووي الإيراني، ومن بينها فرنسا وبريطانيا والمانيا واسرائيل وكندا. وقال المصدر بوكالة الطاقة ان مجموعة اولى من الوثائق السرية حول عسكرة النشاط النووي لإيران عرضت على اعضاء الوكالة قبل أيام، وأطلعت عليها إيران وذلك بهدف الحصول على ردها، الا ان المصدر تابع: «الا ان هناك الكثير من الوثائق التي يعتقد الدكتور البرادعي انه يجب اطلاع إيران عليها، وذلك من اجل التقدم للأمام في التحقيقات». وأشار المصدر الى ان الجانب الاميركي اشترط على وكالة الطاقة عدم اطلاع طهران على هذه الوثائق. وتابع: «هذه الوثائق تحتاج الى توضيح من إيران لانها يمكن ان تشير الى العمل لانتاج سلاح نووي. الايرانيون يقولون ان هذه الوثائق مزورة، لكنهم يقولون ايضا إنهم لا يستطيعون ان يثبتوا انها وثائق مزورة اذا لم يطلعوا عليها. موقف الوكالة هو ان يمكن لإيران ان تقدم ايضاحات في كل الحالات حول هذه الادعاءات، إلا انه سيكون من المفيد أكثر ان يسمح لإيران بالاطلاع على هذه الوثائق». وكانت إيران منذ أكثر من عام قد اتفقت على «خطة عمل» مع وكالة الطاقة الذرية تجيب بموجبها طهران على كل الأسئلة المتبقية والعالقة بين الوكالة وبين طهران، إلا ان إيران ما زالت حتى الان بعيدة عن الرد على أكثر الأسئلة حساسية وهي المتعلقة بالمعلومات حول تطويرها برنامجا نوويا عسكريا سرا. وهناك سؤالان اساسيان عالقان، الاول متعلق بتفجيرات شديدة تشبة التفجيرات النووية لم تستطع طهران ان تفسرها، والثاني متعلق برسومات حول تطوير رأس صاروخي من طراز شهاب 3 قادر على حمل رأس نووي.