تقصير مهلة السنتين لاستقالة رؤساء البلديات يثير عاصفة مرتقبة اليوم في مجلس النواب اللبناني

مسرح محتمل لـ«معركة» وعون أول المعترضين

TT

اثار اقتراح خفض مهلة استقالة رؤساء البلديات قبل الترشّح للانتخابات النيابية في لبنان من سنتين الى ستة اشهر، زوبعة من الانتقادات وينتظر أن يكون موضع تراشق حاد في جلسة مجلس النواب اليوم. ففيما أيّده البعض، وأبرزهم وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، عارضه بشدّة نواب تكتّل «التغيير والاصلاح» الذي يترأسه النائب ميشال عون. فالاخير عارضه الى درجة انه هدد بالانسحاب من الحوار الوطني اذا استمر «التلاعب بالمهلة التي ينصّ عليها القانون» على حد قوله.

في أي حال، تبقى الكلمة الفصل للهيئة العامة في مجلس النواب التي يترتّب عليها التصويت واتخاذ القرار، بعدما اعلنت أخيرا لجنة الادارة والعدل النيابية انجاز درس مشروع قانون الانتخاب، من دون ان تتوصّل الى بتّ هذا الموضوع. وكان رئيس اللجنة النائب روبير غانم أطلّ معلنا ان مهلة السنتين «جائرة لأن الدستور يعطي جميع الناس حق الترشح».

أما وزير العدل ابراهيم نجّار، فقال: «من يرفض تعديل البند المتعلق بترشح رؤساء البلديات قبل ستة أشهر، يخاف من ترشح بعض رؤساء البلديات للانتخابات النيابية، وأنا اعتبر ان هذا الموضوع سياسي وليس قانونيا».

عضو تكتّل «التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان، قال لـ«الشرق الأوسط» ان «المشروع الذي اعدّته لجنة (الوزير السابق) فؤاد بطرس والذي يعدّ مشروعا اصلاحيا، يورد في مادّته العاشرة بعض الاستثناءات أو موانع الترشّح بالنسبة الى 4 أو 5 فئات، وذلك لانه رأى انه يجب ان تراعى القوانين التي تنظّم هذه الفئات، ومنها القضاة والعسكر وموظفو الفئتين الاولى والثانية ورؤساء البلديات وأعضاؤها ورؤساء اتحادات البلديات. فهذه الفئة يجب ان تحترم قانون البلديات الذي ينصّ على وجوب الاستقالة قبل سنتين من موعد الانتخابات البرلمانية. والسؤال: «لماذا اختاروا هذه الفئة تحديدا من ضمن كل الفئات المستثناة في مشروع بطرس؟ ولماذا يصرّون على خفض المهلة الى ستة أشهر وليس ثمانية مثلا؟».

واعتبر ان «خفض المهل ليس لارساء المساواة كما يشاع، انما يصبّ في مصالح خاصّة. يريدون استغلال رؤساء البلديات ليس لايصالهم الى البرلمان، انما لتحقيق بعض المكاسب الخاصة في المعارك الانتخابية». وعن تمسّك البعض بالمهلة ودعوته للتشبه بفرنسا التي لا تفصل بين رئاسة بلدية والنيابة، قال كنعان: «نحن في الاصل نعمل على مشروع اصلاحي، اي اننا نقرّ ضمنا بوجود الفساد. فكيف يريدون التشبّه بفرنسا وواقعنا مختلف كل الاختلاف عن واقعها؟». رئيس حزب «الوطنيين الاحرار»، رئيس بلدية دير القمر دوري شمعون، قال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا القانون الاعوج يشكّل مخالفة دستورية، لانه لا يعتبر امرا محقا اقصاء من انتخبه الآلاف عن الترشّح للنيابة. نذكّر بان رئيس البلدية ليس موظف فئة أولى فهو ليس معيّنا انما منتخب. هذا يشكّل قلّة احترام لمنصب رئيس البلدية. ونذكّر بان هناك نوابا لا ينالون نصف الاصوات التي ينالها رئيس البلدية احيانا». وأضاف: «بما اننا نأخذ عاداتنا السياسية ونحتذي بفرنسا في وضع تشريعاتنا، فلننتبه الى ان رئيس البلدية ليس ممنوعا من الترشح للنيابة ويمكنه تولي المنصبين في آن واحد». ورأى ان «من يعارضون خفض هذه المهلة يهمّهم اقصاء بعض رؤساء البلديات وابعادهم عن المنافسة. أما ان يدعو البعض الى خفض هذه المهلة شرط تطبيقها في الدورة التي تلي الدورة المقبلة من الانتخابات، كما حصل بالنسبة الى الشق المتعلّق بمشاركة المغتربين في الانتخابات، فهذا امر غير مبرّر لانه لا عائق تقنياً يمنع التطبيق».

ماذا يقول خبراء القانون؟

بداية، أوضح الخبير القانوني المحامي سليمان تقي الدين في اتصال مع «الشرق الأوسط» ان «القانون وضع قيودا على حرية الترشّح أو التمانع عن الترشّح بالنسبة الى من يتولّون وظيفة عامة، بغية عدم استغلال المنصب لتقديم خدمات انتخابية للعامة. فنرى ان القانون لا يأتي على ذكر استاذ المدرسة إنما يذكر قائد الجيش وموظفي الفئة الاولى والقضاة ورؤساء البلديات ورؤساء اتحادات البلديات. فهؤلاء يمكن ان يتمتّعوا، بحكم مناصبهم، بميزانيات كبيرة قد تُستَغلّ لغايات شخصية. ولتلافي ان يعمد بعضهم الى استغلال اموال الشعب لشراء اصواته في الانتخابات، وضعت مهلة السنتين للاستقالة قبل موعد الانتخابات». وقال: «من حيث المبدأ، يعتبر هذا القيد خطأ لان الاصل هو الحرية في الترشّح. وانا اعارض وضع قيد كهذا. كما ادعو الى إلغاء الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور التي تفرض قيودا على ترشّح القضاة وكل موظفي الفئة الاولى (تنص على انه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الاولى وما يعادلها في كل الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليا عن وظيفتهم أو تاريخ احالتهم على التقاعد) شرط تعزيز الرقابة والمساءلة والمحاسبة لا بل تشديدها في المؤسسات العامّة. فهذا المثلّث شبه غائب في لبنان. ثم لماذا نطالب النائب بالتوقف عن تقديم اية خدمات قبل فترة من موعد الانتخابات ولا نفرض الامر نفسه على رؤساء البلديات؟».

ورأى ان «مهلة الستة اشهر تعتبر غير كافية لان الانتخابات عمليا تتم خلال هذه المهلة. الخوف ان نعمد دائما في ممارستنا التشريع الى خدمة فئات معيّنة. لذلك، كنت أفضّل اذا شاؤوا تعديل هذه الفقرة، ان يجعلوها قابلة للتطبيق في الدورة التي تلي الدورة المقبلة من الانتخابات. فأيام الرئيس شارل دبّاس، تم تعديل راتب رئيس الجمهورية شرط الا يستفيد منه الرئيس الحالي انما من يليه».

في المقابل، قال استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام سليمان ان «الفقرة د. من المادة العاشرة من مشروع القانون الذي رفعته لجنة الادارة والعدل النيابية الى مجلس النواب لم تعدّل هذه المهلة التي أراها مجحفة. ويبقى الامر متروكا للهيئة العامة للبرلمان. لكن قانون عام 2000 لحظ هذه المهلة لغايات سياسية آنذاك، بغرض إقصاء بعض رؤساء البلديات عن الترشّح. فقانون 1960 لا يأتي على ذكر هذه المهلة، لا بل ان النائب معروف سعد (الذي اغتيل عام 1975) كان رئيس بلدية صيدا». واضاف: «المبرّر الذي أوجده قانون الـ 2000 لهذه المهلة هو عدم استغلال المنصب لتحقيق غايات شخصية في الانتخابات، ولكن يجب الا ننسى ان تأثير البلديات يبقى في نطاق محدود بعكس تأثير الوزير في وزارته. فهذا لا نصّ قانونياً يمنعه من الترشّح خلال تولّيه منصبه رغم انه قادر على بسط نفوذه واسعاً».