المسرح القومي.. عندما يواصل التاريخ احتراقه

أسسه الخديوي إسماعيل لفرقة الكوميديا الفرنسية عام 1869

TT

يشرف المسرح القومي بالقاهرة على حديقة الأزبكية، أحد أقدم مواقع القاهرة المملوكية التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، أتخذها المماليك موقعاً لإقامة القصور وأماكن اللهو حول البركة التي كانت تحوطها آنذاك. وبمجيء نابليون بونابرت مع الحملة الفرنسية 1799ـ1801 شاهد في الحديقة لاعبي خيال الظل المنتشرين هناك، فقرر إنشاء مسرح للترفيه عن جنوده، وبعد رحيل الحملة وتولي محمد علي حكم مصر، أمر بتجفيف البركة وتحويلها إلى حديقة عامة، ثم قام الخديوي إسماعيل في معرض نشاطه لافتتاح قناة السويس عام 1869 ببناء مبنى في الطرف الجنوبي من الحديقة خصصه للمسرح الكوميدي الفرنسي «الكوميدي فرانسيز» بجوار مبنى الأوبرا الذي أُنشِيء في العام ذاته بهدف استقبال الوفود المشاركة في احتفالاته الأسطورية بافتتاح القناة.

وعلى «تياترو» الأزبكية تأسس فيما بعد أول مسرح مصري، حيث شهد هذا المسرح عام 1885 أول موسم مسرحي لفرقة أبو خليل القباني بالقاهرة، كما قدمت فرقة اسكندر فرح وبطلها سلامة حجازي أشهر أعمالها من عام 1891 إلى 1905. وكان عام 1905 هو أول موسم لفرقة الشيخ سلامة حجازي. وفيما بعد تزايدت الدعوة لإنشاء مسرح وطني وسط مطالبات بخروج قوات الاحتلال الانجليزي عن مصر بعد الحرب العالمية الأولى، وبالفعل يتأسس «المسرح الوطني» عام 1921 في مبنى «تياترو» الخديوي بحديقة الأزبكية حيث بدأ في عرض أربع مسرحيات يومية.

وفي عام 1935 أنشئت الفرقة القومية المصرية بقيادة الشاعر خليل مطران لتقديم عروضها على خشبة المسرح الوطني، إلا أنه تم حلها في عام 1942 لتقديمها أعمالا ضد الاحتلال.

وبقيام ثورة 23 يوليو عام 1952 التي طردت الاستعمار، وأنهت الحكم الملكي في البلاد، تحوَّل اسمه إلى «المسرح القومي»، وتأسست به فرقتان مسرحيتان هما «الفرقة القومية المصرية»، و«فرقة المسرح المصري الحديث».. في وقت شهد فيه المسرح رواجا غير مسبوق بفضل كوكبة من الكتاب المسرحيين والمبدعين الذين دشنوا مرحلة جادة وجديدة في تاريخ المسرح المصري أبدعها زخم الخمسينات والحلم الثوري، وكان من بينهم: يوسف إدريس، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ولطفي الخولي، ومن المخرجين عبد الرحيم الزرقاني، وسعد أردش، ونبيل الألفي، وكرم مطاوع، وتألق عمالقة تمثيل المسرح على خشبته وفي مقدمتهم سيدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب، وعبد الله غيث، وحمدي غيث، وشفيق نور الدين، وحمدي أحمد، وغيرهم. وفي السنوات الأخيرة شهدت عروض المسرح القومي إقبالا جماهيريا عبر مشاركة فنانين كباراً في عروضه التي يبرز منها مسرحية «أهلا يا بكوات» بطولة حسين فهمي وعزت العلايلي، ومسرحية «الملك لير» بطولة الفنان يحيى الفخراني التي عرضها المسرح في العام الماضي. يُعَد مبنى المسرح القومي مبنى أثرياً يغلب على مواد بنائه الخشب كما كان الحال في مبنى مجلس الشورى المحترق قبل نحو شهر مضى، ويتميز مبناه بجمال التصميم الداخلي وروعة الديكور الذي لا يزال يحتفظ برونقه. ويتكون من قاعة كبيرة تحمل اسم جورج أبيض أحد رواد المسرح المصري في الأربعينيات، فضلا عن قاعة صغيرة تحمل اسم المخرج المسرحي والممثل عبد الرحيم الزرقاني. وقاعة صغيرة خاصة بالملابس وأجهزة الإضاءة، ومكاتب إدارية خاصة بهيئة رئاسة المسرح، ومسرح الشباب أيضا. وتقول مصادر ثقافية أن المسؤولين عن المسرح سبق أن تقدموا بالعديد من الشكاوى لعدة جهات لحماية مبنى المسرح من العشوائيات المحيطة به، حيث أصبح المكان في السنوات الأخيرة مرتعاً للباعة الجائلين، في وقت صار فيه المبنى الأثري محشوراً بين كوبري الأزهر، ومبنى جراج العتبة الذي يضم محطة مركزية للحافلات، وكانت وزارة الثقافة تخطط لتجديد المسرح كمبنى أثرى في مجمل التطويرات التي من المفترض أن تطال منطقة القاهرة الفاطمية.

ويشهد المسرح القومي منذ مطلع شهر رمضان الجاري تقديم الدراما الدينية «لحظة صفا في رحاب المصطفى» بطولة الفنانة مديحة حمدي والمطرب أحمد الحجار،، فضلا عن تقديم سهرات فنية وندوات شعرية كل مساء كان من المقرر أن تستمر حتى نهاية الشهر، غير أن الحريق الذي شب أمس قد أنهى على ما يبدو نشاط المسرح القومي الذي أمتد لقرابة قرن ونصف القرن إلى حين.