هل تراجعت الأزمة المالية العالمية أم أن شبحها ما زال يهدد المستثمرين؟

تراجع حاد في ثقة المستثمرين الألمان > التضخم في بريطانيا عند أعلى مستوى منذ 16 عاما

TT

عملت الحكومات في العديد من الدول المتأثرة بأزمة الاقتصاد العالمية، على إعادة رسم الخارطة المالية، تحت مراقبة حكومية للتأكد من تدفق السيولة عبر الحدود المالية دون عوائق، وإعادة التوازن للأسواق المالية مرة أخرى. وجاء ذلك بعد أن عانت الأسواق العالمية، من أميركا وصولا للشرق الأقصى من عمليات بيع عنيفة من مالكي الأسهم أدت إلى دخول مؤشرات البورصات في عملية سقوط حر، أدت إلى فقدان بعضها أكثر من 35 في المائة من قيمتها في أسبوع واحد، وإيقاف تداول أخرى لأيام تفاديا لخسائر أخرى. وأعلنت العديد من الحكومات حول العالم عن خطط جديدة للوضع المتدهور، بتأمين القروض الممنوحة بين البنوك، وتوفير رؤوس أموال ضخمة لحماية المؤسسات المالية المتعافية. ولم تكن خطة الإنقاذ الأميركية ذو الـ700 مليار دولار، التي اعتمدت الأسواق على نتائجها إلى حد كبير، ذو تأثير إيجابي على الأسواق وذلك لفقدان العديد من المستثمرين ثقتهم بالأنظمة المالية، وقدرتها على معالجة الموقف. وعلى الجانب الأوروبي، وفي محاولات لإنقاذ الوضع المتدهور عمل البنك المركزي البريطاني، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك الوطني السويسري، على طرح قروض قصيرة الأمد مدتها تصل إلى 84 يوما، بفائدة ثابتة لفك الجمود الذي أصاب الأسواق المالية. وكان التحرك البريطاني نحو تملك حصص في البنوك بدلا من شراء ديون معدومة من هيئات استثمارية، والتي سماها العديد من الاقتصاديين بعملية تأميم جزئي، ذو أثر إيجابي لأكثر من يومين على البورصة وارتفاع المؤشر، لتتبعه بقية البورصات الأوروبية. ودعمت الحكومة الأميركية الفكرة معلنة تملك حصص في عدد من البنوك الأميركية تعدى التسعة بنوك، ضمن عملية تصحيح للوضع القائم، أستجابت لها بورصة وول ستريت، ليرتفع مؤشر داو جونز أكثر من 11 في المائة خلال أول يوم تداول بعد إعلان الخطة. والسؤال الآن، هل كانت الخطط الجديدة هي العلاج الأمثل للأسواق المتعافية، وهل انتهت الأزمة؟ وفي هذا الصدد أشار لـ«الشرق الأوسط» الخبير الاقتصادي راي باريل من معهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية البريطاني، الى أن ارتفاع البورصات يوم أو يومين ليس الدليل على إذا ما كانت الأسواق رجعت إلى الطريق الصحيح، ولكن عملية «التأميم الجزئي» التي شرعت فيها الحكومة البريطانية والولايات المتحدة وأوروبا، هي خطوة حكيمة، ولكنها في نفس الوقت الخطوة الوحيدة المتبقية، لجذب الاقتصاد من داخل ركود حقيقي إلى الحياة مرة أخرى. وتوقع باريل، مستثنيا البورصات، أن الاقتصاد الفعلي، والذي يعني به اقتصاد الإنتاج المحلي والوظائف والخدمات، الذي تأثر بشدة جراء الأزمة الجارية، ما زال أمامه عام أو أكثر للخروج نسبيا من الكساد الذي أصابه. وبحسب رويترز، أظهرت بيانات رسمية أن التضخم في أسعار المستهلكين البريطانيين سجل أعلى مستوى له منذ 16 عاما ببلوغه 5.2 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي لكن مسؤولي بنك انجلترا المركزي توقعوا الارتفاع، ومن المستبعد أن يحول دون تخفيضات أخرى في أسعار الفائدة. وأكد مكتب الإحصاءات الوطنية إن ارتفاع فواتير المرافق، رفع أسعار المستهلكين بنسبة 5.2 في المائة الشهر الماضي مقارنة بما كانت عليه قبل عام بالمقارنة مع ارتفاعها 4.7 في المائة في أغسطس (آب) الماضي.

وكان البنك قد خفض الفائدة الأسبوع الماضي نصف نقطة مئوية الى 4.5 في المائة، بينما توقع العديد من الاقتصاديين انخفاضات حادة في أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة للحيلولة دون انزلاق البلاد إلى كساد عميق. ويخشى المسؤولون أن تكون التوقعات الاقتصادية تدهورت بشكل ملحوظ في الشهر الماضي. وقال المكتب ان العامل الرئيسي وراء الزيادة هو ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء اذ زادت الكهرباء بنسبة 30.3 في المائة على مدى 12 شهرا وارتفع سعر الغاز 49.9 في المائة. لكن تضخم أسعار المواد الغذائية تراجع الى 12.7 بالمائة من 14.5 في المائة. وعلق باريل على نتائج معدلات التضخم التي تواجهها بريطانيا، أن ارتفاع المعدل أكثر من 5 في المائة كان متوقعا بغض النظر عن التصريحات الحكومية الشهر الماضي، وتوقع ارتفاعات أخرى في معدلات الفائدة إن لم ينظر البنك المركزي في خفض آخر لنسب الفائدة. وسجلت ثقة المستثمرين في الاقتصاد الألماني تراجعا حادا خلال الشهر الجاري، وفقا لمؤشر أحد المعاهد الاقتصادية الرئيسية في ألمانيا أمس.

وتراجع مؤشر «زد.إي.دبليو» لقياس ثقة المستثمرين الذي يصدره معهد الأبحاث الاقتصادية الأوروبية بمدينة مانهايم في أكتوبر (تشرين أول) الحالي إلى سالب 63 نقطة مقابل سالب 41.1 نقطة في سبتمبر الماضي، فيما توقع الخبراء تراجع المؤشر إلى سالب 51.1 نقطة فقط.

ويعتمد المؤشر على استطلاع أراء 256 محللا ومؤسسة استثمارية حيث تم جمع بيانات المؤشر في خضم موجة البيع الهستيري للأسهم في أسواق المال الأسبوع الماضي بسبب الأزمة المالية العالمية وهي الأكبر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وقال فولفجانج فرانز رئيس المعهد لدى إصدار بيانات المؤشر إن «مخاوف خبراء أسواق المال من احتمال تحول الأزمة المالية إلى أزمة للاقتصاد الحقيقي ارتفعت نسبيا خلال الشهر الجاري». وأضاف أن طرح الحكومة الألمانية مؤخرا حزمة من الإجراءات المالية ساعد في إعادة الاستقرار للموقف. وأظهر مسح منفصل للمعهد أن التوقعات بالنسبة للاقتصاد الألماني لم تتراجع بشدة وذلك في أعقاب اتفاق قاده الائتلاف الحاكم في ألمانيا على خطة الإنقاذ المالي. وحذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من التعجل في التفاؤل وذلك على الرغم من ردود الفعل الايجابية في البورصات على خطة حكومة برلين الرامية لإنقاذ القطاع المصرفي في البلاد.

وقالت ميركل أمس في برلين: «خطورة الوضع لم تتغير» مؤكدة أن الشركات لن تستطيع العمل في العصر الحديث دون وجود نظام اقتصادي صالح. وشددت المستشارة الألمانية على أهمية وجود «تنسيق دولي أفضل لمراقبة أسواق المال» بهدف تقليل المخاطر مشيرة إلى أن تحقيق رسملة أفضل للبنوك تندرج تحت هذا الأمر أيضا.

وتطرقت ميركل إلى أهمية إشراك الاقتصاديات الصاعدة بقوة مثل الصين والهند بشكل أكبر في القواعد المالية العالمية بهدف التغلب على الأزمة وأعلنت عن عقد مباحثات قريبة مع ممثلي البلدين.