لبنان: خطر تأجيل الانتخابات النيابية لدواع أمنية يشغل الوسط السياسي

الأكثرية تربط مصيرها بالمحكمة الدولية.. والمعارضة ترى استقرارا يمهد لإجرائها

TT

أدرج موعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان ضمن معادلات لم يتضح أفقها، عبر التصريحات السياسية المتبادلة بين طرفي الأكثرية والمعارضة في لبنان. ففي حين بادر الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية إلى التلويح بحادث أمني يشبه جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، و«تنبأ» بتأجيل الانتخابات النيابية، اعتبرت صحيفة «الوطن» السورية أن «الانتخابات النيابية في لبنان انطلقت قبل وقتها المعتاد»، وأنها «تواجه خطر التأجيل».

في المقابل، أكد رئيس الأكثرية البرلمانية النائب سعد الحريري، أن «الانتخابات النيابية المقبلة ستتم في موعدها مهما حصل، حتى ولو كُنت أحد ضحاياها، مهما كان التهويل الآتي من سورية وحلفائها في لبنان». كذلك أبدى رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع قلقه بشأنها، بسبب «التصريحات التي نسمعها في الأيام الأخيرة». وفي حين يؤكد كل فريق فوزه واستحواذه على أكثرية البرلمان في الاستحقاق المقبل، يشير أكثر من طرف في الأكثرية إلى تداعيات المحكمة الدولية، التي بدأت تتمظهر أكثر فأكثر من خلال الهجمة التي يقودها حلفاء سورية في لبنان. وبالتالي فإن موضوع المحكمة قد يشكل سببا رئيسيا للضغط الأمني الرامي إلى تأجيل الانتخابات. كذلك تحدث فريق الأكثرية عن استفتاءات تجرى بطلب من فريق المعارضة، تحديدا في المناطق ذات الأغلبية المسيحية، التي ينتظر أن تشهد معركة انتخابية حقيقية، وتبين هذه الإحصاءات أن نتائج الانتخابات ستأتي بمفاجآت تغير المعادلات، لأنها تشي حتى الآن بعدم حصول رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون على نسبة تسمح له بالحصول على أكبر كتلة برلمانية مسيحية، وبالتالي بدأت الاستفزازات والاعتداءات المنظمة في الجامعات الموجودة في المناطق المسيحية بهدف تفجير الوضع الأمني، وصولا إلى إلغاء الانتخابات أو تأجيلها من دون تحديد موعد لها، على أمل أن يحصل ما يغير الواقع الحالي. من هنا لم يعد لدى النظام السوري وحلفائه في المعارضة مصلحة في إجراء الانتخابات، لذا بدأ التحضير لوجستيا ونفسيا لإمكان التأجيل أو التفجير الأمني الذي يحول دون إجراء الانتخابات في موعدها.

النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» الدكتور فريد الخازن يستبعد هذا الطرح، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها. والكلام المتداول عن تأجيلها يشي بأن التأجيل سيكون أشبه بالإلغاء. إلا أن ذلك غير صحيح، ففي أسوأ الاحتمالات إذا وقع حادث أمني يحول دون إجرائها في موعدها سيكون تأجيلا إلى مدى منظور. وبالتالي لا شيء يلغي الانتخابات إلا الخراب الشامل. وهذا الأمر ليس متوقعا. فالخلاف السياسي الحالي لا يؤدي إلى التأجيل. كذلك عدم استقرار الأمن. فلبنان يعيش حالة عدم استقرار دائم، لكن هذه الحالة لم تمنع إجراء انتخابات عام 2005، وكذلك لم تمنع إجراء انتخاب رئيس للجمهورية على رغم تأجيلها».

أما النائب في «كتلة المستقبل» الياس عطا الله فيقول: «أي كلام عن عدم حصول الانتخابات يعني خراب البلد. وما نسمعه من تهديد وتهويل بالتأجيل أو الإلغاء هو من الجهات نفسها التي لم تسلّم بأن الدولة اللبنانية لديها هويتها الخاصة ولديها ديمقراطية دُفع ثمنها دم كثير». ويضيف: «من هذا المنطلق أفهم ما يقوله النائب سعد الحريري بشأن التهديدات، كونه في موقع مميز داخل قوى 14 آذار. فهو يدرك أن الانتخابات يجب أن تتم حتى لو كلفتنا تضحيات كثيرة».

وعن الأحداث الأمنية المتنقلة بين المناطق والجامعات والاعتداءات ذات الطابع «الترهيبي»، قال عطا الله: «هناك منطق ثابت لدى قوى 8 آذار، وهو فرض الأمر الواقع في مواجهة الدولة. إذا هم حاضرون للسيطرة على الأرض وفقا لسياسة الأمر الواقع، إذا لم يتمكنوا من الحصول على السلطة بالانتخابات. الأمر واضح في تصريحاتهم وتصرفاتهم. الأحداث الأمنية التي نشهدها هي بواكير لنمط التعامل مع منطق حرية الاختيار. هناك إرهاب يمارس على الناس لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم. هنا يجب أن نثق بإرادة الشعب اللبناني لكسر منطق الإرهاب وللمحافظة على معنى الجمهورية». النائب في كتلة «التنمية والتحرير»، علي بزي يقول: «نحن مع إجراء الانتخابات في موعدها ومع ضرورة إجرائها. لا شيء يستدعي تأجيلها. فالبلد يعيش استقراراً سياسياً بعد مؤتمر الدوحة وبتأثير جو المصالحات وإعادة إحياء دور المؤسسات. كل ذلك أدى إلى نوع من استعادة الثقة بلبنان. ولا داعي للتخويف من تعطيل إجراء الانتخابات». وأمل في أن لا يحصل على الصعيد الأمني ما يؤدي إلى التأجيل. وأضاف أن «الناس ستقبل على هذه الانتخابات التي ستشهد استخداما غير مسبوق للمال السياسي ومن طرف واحد معروف المصدر. ومنذ الآن بدأ تسخير السيارات والهواتف والرواتب». عن الاتهامات المكثفة باستخدام المال السياسي، يقول عطا الله: «كل كلام يصدر عن قوى المعارضة بشأن المال السياسي يبقى مثيراً للسخرية».

ويشير عطا الله إلى «الاضطراب الذي يتحكم بسلوكيات بعض قوى المعارضة وبتصريحاتهم مع اقتراب موعد انطلاق عمل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كأنهم يقولون: علي وعلى أعدائي». الخازن يرى أن لبنان وضع على سكة معينة. يقول: «لا حرب داخلية. الوضع الأصعب اجتزناه بعدما كنا على شفير حرب أهلية منظمة. هناك توازن وحسابات معينة. لبنان يجرّب أن يتعافى ويبحث عن نقطة ارتكاز جديدة بعد 30 عاما من الحرب الأهلية ومن ثم الوصاية السورية».

وعن احتمال تدخل يبقي لبنان ساحة لإرادة خارجية تسعى إلى تأجيل الانتخابات، يقول الخازن: «مأزق الحالة اللبنانية تاريخي. لدينا نظام طائفي وتمثيل مجتمع مفتوح وحريات سياسية وإعلامية. هذا الواقع يحوّل لبنان إلى ساحة للتدخل من الخارج. لكن ما حصل في العراق يجعل أي تفكير خارجي بافتعال أحداث أمنية عندنا دونه محاذير كثيرة. ربما لو لم تكن حرب العراق لغامرت جهة ما وأنتجت حربها على أرضنا. لكن الوضع اللبناني له حدوده، لا سيما بعد عام 2005، لأن الأحداث أدخلته مرحلة التدويل. لكن يبقى أن الوضع مفتوح على احتمالات غير متوقعة. هناك أمور متحركة قد تضعنا في المجهول. واتجاه الأحداث لا يشير إلى إلغاء الانتخابات أو تأجيلها. لا ظروف تبرر عدم إجراء الانتخابات».