مومباي: الإرهاب الرقمي

المسلحون استخدموا التكنولوجيا المعقدة من هواتف بلاكبيري وأجهزة تحديد المواقع وتصوير فيديو للأهداف قبل التنفيذ

TT

حسبما أفاد المحققون الهنود والشرطة، استخدم المسلحون المدججون بالسلاح، الذين وصلوا إلى مومباي الأسبوع الماضي عن طريق البحر، نظام تحديد المواقع العالمي والمعروف بـ(GPS). كما كانوا يحملون معهم هواتف بلاكبيري، واسطوانات عليها صور عبر الأقمار عالية النقاء، مثل تلك الموجودة على خرائط غوغل إيرث، والعديد من الهواتف الجوالة الأخرى، والكثير من بطاقات الهواتف الجوالة، التي يمكن تغييرها حتى يصبح من الصعب تعقبهم. وكانوا يتحدثون عبر الهواتف التي تستخدم الأقمار الصناعية. ويروي أحد شهود العيان، أنه بينما كانت القنوات التلفزيونية تنقل تغطية مباشرة للإرهابيين الذين نفذوا تلك العملية الإرهابية، عمد المسلحون إلى فتح جميع أجهزة التلفزيون الموجودة في الغرف التي سيطروا عليها. وبهذه الطريقة يتجلى لنا الإرهاب في العصر الرقمي. وأوضحت لنا تفاصيل الحصار الذي دام لـ60 ساعة في مومباي أن المهاجمين اتجهوا إلى استخدام التكنولوجيا المعقدة في تخطيط وتنفيذ الهجوم، الذي حصد أرواح 174 شخصا على الأقل، وخلف أكثر من 300 مصاب. لقد أثر فيض المعلومات المتعلقة بالهجمات ـ على أجهزة التلفزيون، والهواتف الجوالة، والإنترنت ـ على انتباه المدينة المروعة، إلا أن المهاجمين استغلوه أيضا لتوجيه نيران أسلحتهم، وتغطية الجهات التي قدموا منها. ويقول بارثاساراثي، خبير الأمن الداخلي بمركز أبحاث السياسة في نيودلهي: «لقد استخدم كلا الطرفين التكنولوجيا، فالإرهابيون لم يكن بمقدورهم تنفيذ مثل هذه الهجمات، إن لم تكن بحوزتهم هذه التكنولوجيا. فهم ليسوا ببحارين، إلا أنهم استطاعوا استخدام أجهزة GPS الملاحية المعقدة، والخرائط المفصلة للإبحار من كراتشي (في باكستان) إلى مومباي. كما أنه من ضمن حقيقة عالمنا الحديث، أن الجموع بعثت الرسائل النصية إلى أقاربها المحتجزين في الفندقين باستخدام الانترنت، فضلاً عن استخدامها أيضا لمؤازرتهم». ويقول برافين سوامي، خبير الإرهاب والمعلق الإعلامي، في غمار الهجمات، استخدمت منظمة أطلقت على نفسها «مجاهدو ديكان» للإعلان عن مسؤوليتها عن الحادث، وذلك عبر رسالة أرسلتها عبر البريد الإلكتروني إلى المحطات الإخبارية، وتم تعقب هذه الرسالة ليتضح بعد ذلك انه أُرسلت من خادم حاسوبي في موسكو. إلا أنه بعد ذلك تم اكتشاف أن هذه الرسالة قدمت من لاهور في باكستان. وأشار المحققون إلى أن الرسالة تم إنشاؤها باستخدام برنامج كومبيوتر للتعرف على الصوت باللغة الأوردية، وذلك لتضليل اللكنات والحروف الهجائية الإقليمية، ومن ثم لا يمكن للشرطة تحديد مصادرهم العرقية والجغرافية.

وأضاف سوامي، عندما بدأ المسلحون في الاتصال بزعمائهم، استخدموا الهواتف الجوالة المتصلة بالأقمار الصناعية، إلى جانب استخدامهم لبرنامج الصوت عبر الإنترنت، مما يجعل من الصعب تعقبهم، هذا إلى جانب انتزاع هواتف الرهائن الجوالة واستخدامها في الاتصال في ما بينهم داخل الفندق. كما كانوا يستخدمون التكنولوجيا الجديدة في كل نقطة يصلون إليها للحصول على مزية تكتيكية. وتابع سوامي: «لقد كانت مجموعة معقدة تكنولوجيا، فقد أبحروا إلى مومباي باستخدام أنظمة GPS. وأغلب تدريباتهم التي أجروها للتعرف على مومباي تمت من خلال خرائط الأقمار الصناعية عالية نقاء الصورة، لذا فقد كانت لديهم معرفة جيدة بشوارع المدينة وبناياتها أثناء مضيهم بها». واستطرد سوامي قائلا: إن الاسطوانات التي عُثر عليها في بعض غرف الفندق التي سيطر عليها المسلحون خلال الحصار احتوت على خرائط، ولقطات فيديو. وأوضح ديفين بهارتي، نائب مأمور الشرطة بقسم الجريمة بشرطة مومباي أن اجمل أمير كساب، وهو الإرهابي الوحيد الذي تم إلقاء القبض عليه، اخبر الشرطة بأنه شاهد تصويرا بالفيديو للأهداف، وصورا عبر الأقمار الصناعية قبل شن الهجمات. وأدلى حسن غفور قائد شرطة مومباي، بأول بيانات رسمية عن كيفية إدارة الحصار في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء، قال فيه: «إن التكنولوجيا في تقدم كل يوم، ونحن نحاول مجاراتها». وأشار العديد من المحللين الهنود إلى أن الشرطة الهندية ما زالت تتسلح بالبنادق العتيقة التي يرجع تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية، وأنها متأخرة للغاية في التكنولوجيا والتقنية عندما يتعلق الأمر بجرائم الانترنت، وان المسلحين خبراء في إتقان أساليب الانترنت. ورغم وجود الدوائر التلفزيونية المغلقة في الفنادق الفاخرة، وبعض مباني الشركات، والبنوك، والمطارات ومحطات القطار، إلا أنها غير منتشرة للغاية كما هو عليه الحال بالولايات المتحدة. كما ظهرت بعض الانتقادات بشأن أجهزة الكشف المعدنية، والعديد من كاميرات الدوائر المغلقة، إما أنها لا تعمل، أو تظل من دون مراقبة. وأوضح الخبراء الأمنيون أيضا، أن تلك الهجمات تضرب ناقوس الخطر بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الهندية، التي اشتكت في الماضي من أن صور موقع غوغل إيرث تحوي الكثير من التفاصيل المتعلقة بالمواقع والمنشآت العسكرية.

وقال عجاي ساهني، المدير التنفيذي لمعهد نيودلهي لإدارة الصراع: «أي كتاب يقول إنه من غير المسموح للإرهابيين استخدام التكنولوجيا المتاحة فعليا للجميع؟ إن أجهزة الأمن الهندية هي الوحيدة التي يبدو أنها خارج نطاق هذه الدائرة، إذ يبدو أنهم جيل بعيد كل البعد عن فهم التكنولوجيا التي يستخدمها الإرهابيون».

وتابع أنه لم يكن متاحا للقوات الأمنية الموجودة في مسرح الحادث، ومنها وحدة نخبة القوات الخاصة الموجودة بالبلاد والشهيرة باسم القطط السوداء، استخدام نظارات الرؤية الليلية، أو قدرة التصوير الحراري للمساعدة في تحديد أماكن وجود الأشخاص بالفندقين بدقة أثناء فترة الحصار. وتابع ساهني إن قوات الحرس الوطني البالغ قوامها 7400 جندي، التي وصلت وحدة الكوماندوز التابعة لها إلى موقع الحادث في مومباي بعد 8 ساعات على الأقل من بدء الهجمات الإرهابية لإخلاء الفندقين من الإرهابيين، ليس لديها طائرة خاصة تابعة لها. وأضاف: «عندما وصلوا أخيرا إلى الموقع، لم تكن لديهم خرائط وتصميمات للفندق، ناهيك من الأدوات عالية التقنية». ونقل المحققون وشهود عيان أن الإرهابيين حافظوا على تشغيل أجهزة التلفزيون في غرف الفنادق، وضبطوها على القنوات الإخبارية التي تقدم بثًا مباشرا لموقع الحادث، في الوقت الذي كانت قوات الكوماندوز تعد العدة لاقتحام الفندقين. وعندما بدأت المحطات التلفزيونية في نقل جميع الوسائل المستخدمة في الهجوم، ووجهت عدساتها نحو فرق كوماندوز البلاك كاتس (القطط السوداء) وهم يهبطون بالحبال من طائرات الهليكوبتر على السطوح المتاخمة للمركز اليهودي (تشاباد هاوس) قامت الحكومة الهندية بإغلاق القنوات الإخبارية، وقطع التغطية المباشرة لمدة 45 دقيقة، مخافة أن تلتقط عدسات المصورين عملية الاقتحام وتبثها عبر الشاشات، مما يفسد عنصر المفاجأة والمباغتة التي تعتمد عليها القوات. وقام العديد من المحطات الإخبارية، ومنها محطة الأخبار القومية «تايمز ناو» بإخبار مذيعيها ومراسليها بإيقاف نقل الأحداث من مواقع الكوماندوز. ويقول أرناب غوسوامي، رئيس تحرير نيوز ناو: «في الحقيقة كان هناك بث مباشر للأحداث، وإذا كانت هناك احتمالية ولو ضئيلة للغاية في أن يقوم الإرهابيون باستخدام التلفزيون لمعرفة أخبار العدو أولاً بأول، فإنه يتعين علينا التوقف. فيجب ألا يكون هناك سبق صحافي في الوقت الذي تقف فيه البلاد على حافة الهاوية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»