الغزيون يعزفون عن شراء الأضاحي بسبب تدهور أوضاعهم الاقتصادية

من يتمكن من شرائها محتار في كيفية طهيها

فلسطيني يتفحص خروف العيد في سوق للماشية بمدينة غزة أمس (أ.ب)
TT

لا يشي اللغط والصراخ المنبعث من سوق الماشية الذي يقع عند الطرف الجنوبي الشرقي من مدينة «دير البلح»، وسط قطاع غزة بنشاط كبير في هذا السوق الذي يخدم حول ربع مليون فلسطيني. الشكوى التي تكاد تكون قاسم مشترك لكل التجار في السوق هي تدني القدرة الشرائية للناس هنا بشكل غير مسبوق. عبد الرحمن أبو عودة، 47 عاماً، تاجر ماشية من منطقة «بركة الوز» غرب مخيم «المغازي للاجئين»، وسط القطاع يضيق ذرعاً بالناس الذين يستفسرون عن أسعار الماشية التي لديه ويأخذون بمساومته، وعندما يخفض أسعار الدواب ينفضوا عنه ويتركونه متجهين إلى تاجر آخر. وقال عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحدث أمر لا يصدق، حيث أنه يقضي 7 ساعات في السوق وبالكاد يتمكن من بيع 3 رؤوس من الماشية التي بحوزته والتي يصل عددها إلى 30 رأسا. وأضاف «لقد كان هذا الموسم بالنسبة لنا يكافئ العام كله، لكن الناس هنا بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة لا يشترون، تفاجئهم الأسعار، فيطوفون على كل التجار، ثم يعودون للبيوت بدون أضاحي». وعلى الرغم من أنه تم تهريب الكثير من رؤوس الأغنام لقطاع غزة من مصر عبر الأنفاق، إلا أن أسعار الماشية ظلت مرتفعة جداً. ويقول ياسر عليان، 38 عاماً، وهو تاجر أغنام من مدينة «دير البلح» إن الماشية المصرية هي الأرخص من بين الماشية التي تعرضها أسواق الماشية، ومع ذلك فأن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين غير قادرين على شرائها، حيث أن ثمن كيلو الخروف بـ 5 دنانير (7 دولارات)، وبالتالي فأن ثمن خروف متوسط الوزن يصل إلى 250 دينارا حوالي (350 دولارا). وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» نوه ياسر إلى أن الماشية التي تتم تربيتها محلياً، أغلى من الماشية المصرية لارتفاع أسعار الأعلاف التي توقف استيرادها بسبب الحصار، منوهاً إلى أن الخراف الصومالية هي الأغلى من بين أنواع الماشية المنتشرة في قطاع غزة، حيث سعر الخروف الصومالي متوسط الوزن يبلغ 450 دينارا (630 دولارا)، وهذا ما جعل شراء هذه الخراف يرتبط بالفئات الأكثر ثراء في المجتمع الغزي. واللافت هنا أن الحصار قلص هامش المناورة المتاح أمام الغزيين هذا العيد، حيث أن كثيرا من الناس كانوا يميلون الى شراء العجول، بحيث تشترك 7 أسر في العجل الواحد، لكن إسرائيل لم تسمح منذ 45 يوماً بدخول أي عجل، وهو ما جعل أسعار العجول الموجودة تبلغ عنان السماء. وكما يقول احمد الحميد وهو تاجر أغنام من المنطقة الوسطى في القطاع فأن سعر كيلو العجل حاليا يتراوح من (27 شيكلا ) أي 8 دولارات، أي أن عجل يزن 500 كيلوجرام يصل ثمنه إلى 4000 دولار، مع أنه في العيد الماضي كان سعر كيلو العجل لا يتراوح 13 شيكلا فقط. الذي قلص قدرة الناس على شراء الأضاحي هو تدهور الأوضاع الاقتصادية في القطاع إلى مستويات غير مسبوقة، حيث أن نسبة البطالة تصل إلى 60% بينما تصل نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الى أكثر من 70%. والذي جعل الأوضاع أكثر حراجة هو حقيقة أن معظم الموظفين لم يتلقوا رواتبهم الشهرية، بالإضافة إلى أزمة السيولة المالية وعدم توفر ما يكفي من العملة الإسرائيلية الشيكل.

لكن حتى الذين تمكنوا من شراء الأضحية فأن هناك مشكلة غير بسيطة تقف أمامهم، ألا وهي طهيها وإنضاجها في ظل نفاد مخزون القطاع من الغاز المعد للطهي. كثير من الناس باتوا يبحثون عن الحطب ويجمعونه من الحقول الزراعية لإنضاج الأضاحي والبعض عاد إلى شراء مواقد الكيروسين (الكاز الأبيض)، وهي التي كان يستعملها الغزيون قبل ثلاثة عقود من الآن، أي قبل أن يستعملوا أدوات الطهي التي تعمل بالغاز.