أحمد الشابي: متمسك بحقي في الترشح للرئاسة التونسية وأخشى على استقرار البلاد

الزعيم السابق لـ «الديمقراطي التقدمي» لـ«الشرق الأوسط»: أؤيد إنشاء حزب سياسي مرجعيته دينية

أحمد الشابي
TT

صار أحمد نجيب الشابي أبرز معارض سياسي في تونس، خصوصاً بعدما وجد نفسه أول ضحية طالها تعديل دستوري أقر في مارس (آذار) الماضي وحدد شروطاً معقدة للترشح إلى انتخابات الرئاسة في البلاد. لكن رغم هذا التعديل يقول الشابي، المحامي والأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي، إنه «متسمك بحقه في الترشح» لتلك الانتخابات. يعد الشابي، شخصية سياسية يسارية مثيرة للجدل في تونس، إذ عارض نظام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة ونظام الرئيس الحالي زين العابدين بن علي. حكم عليه عام 1969، بالسجن لمدة 11 سنة، ثم حكم عليه مجددا، عام 1974، بالسجن لمدة 12 سنة، نتيجة انخراطه في أعمال سياسية معارضة. وعقب عقب الانفتاح السياسي الذي شهدته تونس مطلع الثمانينات، وفي عام 1983 تحديداً، أسس حزب التجمع الاشتراكي التقدمي ليعمل بصفة سرية، قبل أن يحصل في 13 سبتمبر (ايلول) 1988 على الاعتراف القانوني ويمضي على الميثاق الوطني الذي طرحه النظام الجديد على قوى المعارضة. لكن الشابي عاد وسحب تأييده للنظام الجديد سنة 1991، وعزا ذلك إلى المنحى الأمني الذي اختاره النظام مع الحركة الإسلامية والقوى السياسية واستمرت منذ ذلك الوقت القطيعة بين الطرفين.

«الشرق الأوسط» التقته في تونس وأجرت معه حواراً حول أبرز القضايا السياسية الراهنة في البلاد.

* ما هو تقييمكم للمشهد السياسي في تونس؟

ـ الحياة السياسية في تونس تشهد جمودا منذ مطلع التسعينات والسبب الرئيسي هو الخيار الأمني الذي توخته الحكومة في معالجة القضايا المحلية. هذا الخيار نتجت عنه حالة من الإحباط لدى المواطن الذي عزف عن الشأن العام وأضعف الحركة السياسية المعارضة باعتبارها تستمد (حيويتها) من المواطن.

* لكن هذا لا يعني أن الوضع مأساوي ولا توجد حلول أو ما يطلق عليه البعض «نور في آخر النفق»؟

ـ هذا صحيح، فالوضع غير ميؤوس منه، إذ نلاحظ حالة نهوض في المجتمع المدني، بفعل الأجواء الدولية المواتية للديمقراطية، فثورة وسائل الاتصال أنهت احتكار الحكام لوسائل الإعلام، وهو ما استفادت منه الحياة السياسية التونسية.

* ما هو موقع الحزب الديمقراطي التقدمي من الخريطة السياسية التونسية؟

ـ وضع حزبنا هو أفضل وضع أو هو أقل الأوضاع سوءاً، على اعتبار أن الحزب يصدر أهم صحيفة سياسية «الموقف» ويتوفر على أكبر عدد من المقرات في الولايات، وهو يتميز بروح المبادرة في الحياة السياسية، وقطع خطوات في مأسسة الحوار، وأتاح لجميع التيارات الفكرية حق الوجود والمشاركة السياسية. هذا الوضع لا يتسنى، مع كل الأسف، لبقية الأحزاب المعارضة.

* انتقدتم في أكثر من مناسبة واقع الحريات في تونس. ما الذي تعيبونه بالضبط على هذا الواقع؟

ـ أعتقد أن وضع الحريات العامة في تونس متدهور. حزبنا، مثلاً، لا يمكنه الحصول على قاعة في فندق يجمع فيه لجنته المركزية ونفس الشيء لا يتاح للأحزاب المعارضة. كل هذا يتم في سنة انتخابية، فالشروط الدنيا للانتخابات غير متوفرة والإعلام محتكر من قبل الحكومة وحزبها. كذلك، حرية الاجتماع والتنظيم في أدنى مستوياتها، والمحاكمات تطال جميع الفئات، من نشطاء سياسيين، وإسلاميين، ونقابيين. لا يزال الآلاف من قدماء المساجين السياسيين خاصة من حركة النهضة يعيشون قسرا في المهجر، وهو وضع محزن ألا يعيش التونسي في وطنه. هذا الوضع أبعد ما يكون عن الاستجابة لمقتضيات تطوير الحياة السياسية، فالتذمر الاجتماعي من الغلاء وما يظهر من حركات احتجاجية مثلما حدث في الحوض المنجمي ولجوء السلطة إلى الحلول الأمنية في معالجة الملف، كلها تنذر بالخطر إذا لم تراجع الحكومة خياراتها ولم تفتح حوارا جادا مع مكونات المجتمع المدني والقوى السياسية. في غياب هذا التوجه أخشى على استقرار البلاد على المدى المتوسط.

* في أي أجواء تتوقعون أن تدور الانتخابات الرئاسية القادمة؟

ـ لا شك أن الانتخابات القادمة كما هو الحال بالنسبة للانتخابات الماضية تخضع بالكامل لسلطة وزارة الداخلية، وهي وزارة متحزبة لا تعترف بالحياد. وقد اعترف عدد من السياسيين السابقين بتزويرهم للانتخابات السابقة، وهو ما لا ينفي على هذه الانتخابات إمكانية التزوير.

* ما هو حسب تقديركم وزن المعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة؟

ـ المعارضة تشكو من قصور ذاتي وأعتقد أن السبب الرئيسي يرجع إلى فقدان الرأي العام في تونس للوزن والتأثير في الحياة السياسية، فالمجموعات السياسية منكفئة على نفسها، وتغلب خلافاتها الشخصية والحزبية على ما يقتضيه الظرف السياسي. ولا أعتقد أن الوضع سيختلف عن انتخابات 1999 و2004 وستنتهي بفوز الرئيس المتخلي (عندما تنتهي ولايته) بنسب تفوق 90 بالمائة فيما توزع كسور الآحاد على منافسيه.

* ألا زلتم متمسكين بالترشح للانتخابات الرئاسية؟

ـ أعتقد أن شرط النزاهة مفقود في هذه الانتخابات فهي لا تتوفر على حرية الترشح بعد أن سارعت السلطة إلى قطع الطريق أمام ترشحي وترشح الشخصيات المستقلة بتعديل دستوري أرادت من خلاله استدراج الحزب الديمقراطي التقدمي إلى إطار الديكور الذي تنوي إخراجه بمناسبة الاستحقاق الرئاسي. لكننا متمسكون بحقنا في الترشح لتلك الانتخابات التي لا يزال يفصلنا عنها سنة كاملة. سنعمل على الاستفادة منها في اتجاه الإصلاح والتحرر. وإذا لم يستجب الحكم فيكون قد أقر منذ الآن بزيف وفساد العملية الانتخابية.

* دعوتم إلى جعل 2009 سنة تعديل الدستور التونسي الحالي، ماذا تقصدون بهذه الدعوة؟

ـ الأصل في الدساتير أن تضمن الفصل بين السلطات وممارسة الحريات، غير أن الدستور التونسي (يضع) جميع السلطات بيد رئيس الجمهورية مما يضعف الحكومة والبرلمان والقضاء، وفي غياب القضاء المستقل وانتفاء محكمة دستورية، تصادر الحريات الفردية والعامة بموجب قوانين منافية لروح الدستور ونصه. كل هذا فضلا عن التنقيحات على المقاس التي تتم بمناسبة كل دورة انتخابية، لذلك دعوت إلى جعل الاحتفال بمرور 50 سنة على إقرار أول دستور تونسي (1959- 2009) سنة لمراجعة الدستور وإقرار دستور جديد يكفل الحريات ويضمن الفصل بين السلطات وتوازنها ويحدث محكمة دستورية تسهر على علوية الدستور.