المحاكم الإسلامية تبدأ في استعادة نفوذها في الصومال.. وتنتظر انسحاب الإثيوبيين

جناحها العسكري المتشدد بسط سيطرته على الجنوب وأطراف من مقديشو

TT

بعد عامين من انسحابها من العاصمة الصومالية مقديشو، تستعد حركة المحاكم الاسلامية للعودة إلى دفة الحكم في الصومال. وعلى الرغم من حالة الانقسام التي تعانيها الحركة نتيجة لتصارع الأيديولوجيات والأهداف، إلا أنها حققت الكثير من المكاسب في الآونة الأخيرة عبر توليفة من القوة المفرطة والحوار السياسي. ويسيطر الجناح العسكري للحركة الذي يطلق عليه الشباب والذي يدعي صلته بـ«القاعدة» على 90% من الجنوب الصومالي ليضم أجزاء من العاصمة مقديشو. وقد وقّع الجناح المعتدل من الحركة اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية ليحصل بموجبه على نصف مقاعد البرلمان. وكانت قوات الحركة الإسلامية التي منيت بهزيمة على أيدي القوات الإثيوبية التي عبرت الحدود لدعم الحكومة الصومالية الانتقالية، قد عاودت الظهور لتأكيد سيطرتها في عدة مدن، عبر فرض الشريعة الإسلامية بمنع الرقص أو شرب المسكرات أو ممارسة أي نشاطات خلال الصلاة، حتى أنهم بدأوا في استعراض عضلاتهم ومحاربة القرصنة.

ويقول رشيد عبدي المحلل السياسي في إنترناشيونال كريسس جروب المؤسسة التي تعنى بدراسة الصراعات: «لقد عادوا من جديد، فهم يتحكمون الآن في مناطق تفوق تلك التي كانوا يسيطرون عليها في عام 2006».

ويتخذ أفراد الميليشيات الإسلامية مواقعهم على أطراف العاصمة مقديشو تأهبًا لتنفيذ القوات الإثيوبية لتهديدها بسحب قواتها للاستيلاء عليها، وكما توقع الكثيرون، فإن الحكومة الانتقالية التي تحظى باعتراف الأمم المتحدة ستنهار إذا ما انسحبت القوات الاثيوبية. يقول عبد الرحيم عيسى أدو «نحن نستعد للحصول على حريتنا، وما إن يرحل العدو عن بلادنا، فإننا سنعمل على إعادة الاستقرار سريعًا إلى البلاد». السؤال الذي يبقى على الجميع الإجابة عليه هو ما إذا كان بمقدور الحركة الإسلامية حل نزاعاتها الداخلية المتمثلة في الصراع على السلطة وتصادم الرؤى الذي أسهم في سقوطها منذ عامين. وانقسمت الحركة الإسلامية الصومالية، التي كانت تعرف باسم اتحاد المحاكم الإسلامية قبل إسقاطها من قبل أمراء الحرب المدعومين من الولايات المتحدة في عام 2006، إلى ثلاث مجموعات: حركة الشباب والتي لا تزال الذراع العسكري للحركة، والتي تتبنى خطًا متشددًا، وقد زاد قتال الحركة ضد القوات الإثيوبية وتعرضها لهجمات صاروخية أميركية لمدة عامين من راديكالية أعضائها.

أما الفصيل الثاني، الذي تقوده المحاكم الإسلامية التي يترأسها الشيخ شريف شيخ أحمد، فيعمل على المصالحة مع الحكومة الانتقالية عبر توقيع اتفاق تقاسم للسلطة، كما يُنظر إلى الشيخ شريف شيخ أحمد، الذي اتهمته حركة الشباب بالخيانة، على أنه رئيس الوزراء الجديد. أما الفصل الثالث فيتبني فكرًا وسطًا بين الاثنين. وقد أدى احتدام الخلاف بين هذه الفصائل الثلاثة إلى وقوع اشتباكات دامية فيما بينها جنوب العاصمة مقديشو.

وقال كين منخايوس الخبير الصومالي والأستاذ في دافيدسون كولدج في نورث كارولينا «إنهم يعتنقون سياسات راديكالية مختلفة، والحرب القادمة في الصومال ستكون بين هذه الجماعات الإسلامية». هذا الصراع يعتبر أمرًا مألوفًا، فعندما استولت المحاكم على مقديشو في يوليو 2006 طردت الأيديولوجيات المتناحرة معها من العاصمة، فقد قام البعض بإغلاق السينمات ومارس الإعدام بصورة علنية بينما رغب آخرون في تفسير أكثر عصرية للإسلام، كما أدى الاختلاف حول كيفية التعامل مع القوات الإثيوبية إلى تفوقها بعد حرب لم تدم طويلاً في ديسمبر 2006.

وقد تمنع الانقسامات العميقة بين الحركات الثلاث قدرتها على استعادة السيطرة على كل أنحاء الصومال، ويعترف أعضاء الحكومة الصومالية أنهم يتبنون استراتيجية «فرّق تسد» لجذب المعتدلين إلى البرلمان وعزل المتشددين. ويقول عواد أحمد عشاري عضو البرلمان الصومالي: «ستزداد تلك الانقسامات لأن كل المتطرفين ليسوا على قلب واحد». لكن قادة الحركات الثلاث يدركون أن استعادة سيطرتهم على الصومال مرهونة بإعادة توحدهم.

ويقول إبراهيم حسن أدو وزير الشؤون الخارجية الأسبق في عهد المحاكم الإسلامية «نحن نعمل من أجل تقريب وجهات النظر بين المجموعات التي كانت جبهة واحدة في يوم من الأيام».

ويشير عبدي، المحلل السياسي، إلى أن الشباب سيكون لديهم اليد العليا في أي نزاع قادم، حيث «يتمتعون بالقوة ويطمحون إلى الوصول إلى السلطة، وأنهم يعتقدون أن بمقدورهم القيام بأي شيء». لكنه توقع مقاومة شعبية للأساليب القاسية لحركة الشباب، وهو ما سيجعلها تدرك حاجتها إلى حلفائها القدامى للمساعدة في إدارة البلاد فيقول: «إن أعباء الحكم تختلف عن أعباء القتال، ومن ثم سيرون ضرورة انتهاج سياسات أقل خشونة». ويتطلع الصومال الحزين، في هذه الأثناء، إلى تغيير آخر في السلطة، فكما عبر الكثيرون في عام 2006 عن مشاعر مختلطة، حيث نال حكم الإسلاميين الذي استمر لستة أشهر على استحسان الكثيرين لقدرتهم على استعادة الأمن، وكان الثمن هو الحرية الشخصية والحقوق الأساسية حيث حظر قص الشعر على الطريقة الغربية أو مشاهدة الأفلام أو مضغ القات أو شرب المسكرات. وبعد سيطرة حركة الشباب على ميناء كسمايو هذا العام توقفت أعمال السلب والنهب. ويقول أحد مواطني كسمايو «لم نكن نحظى بالأمن من قبل، لكن الأوضاع مستقرة الآن. المشكلة أنهم يفرضون قوانين صارمة للغاية.. والكثير من الناس لا يطيقون ذلك ومن بينهم أنا، لكنني سأظل أراقب حتى تنتهي اللعبة».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)