بعد فوز أوباما.. العراقيون من أصول أفريقية يخوضون الانتخابات

يريدون إنهاء ما يعتبرونه «قرونا من التمييز» ضدهم

عراقيون من أصول أفريقية، ينتمون إلى «حركة العراقيين الحرة» يغنون في احتفال سياسي بالبصرة (رويترز)
TT

لأول مرة يتقدم العراقيون من اصول أفريقية بمرشحين لخوض انتخابات مجالس المحافظات، المقرر إجراؤها في نهاية الشهر المقبل، ويقولون ان انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة رفع معنوياتهم وشجعهم على خوض الانتخابات، أملا في انهاء ما يعتبرونه «قرونا من التمييز».

وقال جلال ذياب ثجيل، أمين سر حركة العراقيين الحرة، «فوز أوباما عزز الروح المعنوية لدينا». وأضاف أن جماعته ستكون أول من يتقدم بمرشحين سود في أي انتخابات عراقية، حين تخوض انتخابات مجالس المحافظات في 31 يناير (كانون الثاني). وقال ثجيل لوكالة رويترز، «عندما رشح أوباما نفسه نحن ايضا رشحنا». وأضاف أن العراقيين من أصول افريقية غير ممثلين في المناصب العليا ويعانون من الفقر والامية وتكثر الاشارة اليهم بتعبيرات ساخرة.

ولا يشعر العراقيون الاخرون بأي تمييز ضد العراقيين من أصول افريقية، وعددهم غير واضح نظرا لنقص الاحصائيات. وقال ثجيل ان هناك نحو 300 الف في مدينة البصرة بجنوب العراق وحدها. ويضيف ان السود يعانون من التمييز بالعراق بسبب لون بشرتهم، وايضا بسبب عدم انتمائهم الى قبائل. وللتقسيمات القبلية والاصول أهمية في العراق وفي معظم أنحاء الشرق الاوسط.

وقد يتعرض مرشحو حركة العراقيين الحرة الثمانية لرد فعل عنيف من جانب مواطنيهم من أصحاب البشرة الفاتحة، الذين يردون بسخط على الاتهامات بالعنصرية ويقولون ان السود يعاملون باحترام. ويرون أن محاولة استقطاب الناخبين بناء على العرق مثيرة للشقاق. حتى أقرانهم السود في حي الزبير، الذي يغلب على سكانه السود في البصرة، عبروا عن تحفظاتهم.

وقال محمد نزال، وهو عامل أسود بأحد المتاجر، «ليس هناك تمييز»، وهي وجهة النظر التي شاركه فيها رجال اكبر سنا. وأضاف «هناك الكثير من السود الذين أبلوا بلاء حسنا في العراق. هناك احترام».

لكن ثجيل يرى أن السود في العراق يوضعون في مرتبة أدنى، ويرجع هذا جزئيا الى تاريخ من العبودية. وقال «لغاية اليوم لم يعط الاسود حقه. لا نرى في مجالس المحافظات او في البرلمان مديرين او سفراء... لدينا كفاءات عديدة ولدينا شهادات الدكتوراه، لكن للاسف الشديد لم نجد اي اهتمام».

في حي الزبير الفقير المترب، مثل معظم أحياء البصرة، وقف سالم حسين يتبادل الحديث مع أصدقائه في الشارع، وقال «الناس هنا لا يعاملوننا بأي طريقة مختلفة. لكن انظر بعينيك. هل ترى شخصا أسود واحدا في وظيفة مرموقة». وخلال زيارة للبصرة استغرقت خمسة أيام رأى مراسل وكالة رويترز، أن غالبية السود تعمل في الخدمة بالمنازل وتنظيف السيارات. ومرشحو حركة العراقيين الحرة للانتخابات القادمة، هم مدرسون ومهندسون وموظفون بوظائف مكتبية. ويصرون على أنهم ليسوا جماعة تمثل مصالح خاصة، وانهم يريدون معالجة المشاكل التي يواجهها الجميع مثل البطالة.

ومنذ زمن بعيد سيطر السود يوما ولفترة قصيرة على جنوب العراق، حين اندلع تمرد سنة 869 ميلادية، قام به أشخاص من شرق افريقيا جلبهم أصحاب الاراضي بالبصرة ليكونوا عبيدا ويعملوا في تجفيف الاهوار في جنوب العراق الحار الرطب. وفي نهاية المطاف سيطر المتمردون، الذين سمي تحركهم بـ«ثورة الزنج» على البصرة، بل وأجزاء من ايران، لكن بحلول عام 883 سحق التمرد وسلم رأس زعيمه للخليفة العباسي في بغداد. وقال ثجيل «منذ ذلك الوقت ولغاية الوقت الحالي لم يجد الاسود مكانة مرموقة في المجتمع. كانوا يعاملون كخدم وعبيد والأقسى من ذلك، كان الانسان الاسود يعمل بالاعمال الحقيرة».

وكما هو الحال في العادة كانت اللغة لب المشكلة. وعلى الرغم من الغاء الرق في العراق عام 1924 استمر استخدام كلمة «عبد» لسنوات عديدة ولا يزال الكثير من الناس يستخدمون هذه الكلمة لوصف شخص أسود. ويقول من يستخدمون هذه الكلمة انهم لا يقصدون الاهانة ولا يستخدمونها الا كتعبير وصفي. وفاقم من الجدل حقيقة أن بعض العراقيين لهم نفس لون البشرة الداكن، الذي يتسم به العراقيون من أصول افريقية. لكن بالنسبة لبعض الذين لا يعنيهم لون البشرة في شيء، فان الاصل والقبيلة هما الاهم، كما أن النسب المجهول او الانتساب لجد من العبيد كلها مسائل غير مقبولة. وقال عراقي بشرته داكنة، طلب عدم نشر اسمه، «لا يمكن ابدا أن أسمح لبناتي بالزواج من عبد... ما هي قبيلته.. هل يعلمون من هم أجدادهم».

وتريد حركة العراقيين الحرة حظر استخدام كلمة «عبد». كما تريد ايضا أن يعتبر السود أقلية وهي الوضعية التي تمنح بعض المزايا للمسيحيين والتركمان واليزيديين والشبك في العراق، الذين يتشابهون في ملامحهم الجسدية مع أغلبية العراقيين، بينما يبدو اختلاف السود عن أغلبية العراقيين واضحا. وقال ثجيل ان مطالبهم الرئيسية هي أن يعتبروا أقلية، لكي يكون لهم مادة في الدستور تحمي السود وتعاقب من يستخدم كلمة «عبد» بوصفها قذفا. وتابع أنهم يريدون اعتذارا عن جرائم الماضي.

ومن المستبعد أن تتحقق هذه المطالب على المستوى المحلي، لكن فوز حركة العراقيين الحرة في انتخابات المحافظات في يناير، يمكن أن يعطي زخما للانتخابات البرلمانية التي تجري في وقت لاحق. وعبر عراقيون شبان في حي الزبير عن تأييدهم للحركة، واستشهد البعض بنجاح أوباما. وقال مهند عمران «العنصرية ليست واضحة لكنك تشعر بها. لدي مؤهلات وصديقي العربي لديه نفس المؤهلات. هو يحصل على الوظيفة وانا لا».

ويرى عراقيون من اصحاب البشرة الفاتحة، أن حركة العراقيين الحرة ومطالبها تطرح فكرة التمييز في مجتمع لا تمثل فيه قضية اللون مشكلة. وقال فرحان الحجاج، وهو مهندس كان يتسوق، «السود أصدقاؤنا وهم عراقيون. ليس هناك اختلاف بيننا. هذه الحركة عنصرية في الواقع». ويقول حامد حمدان استاذ التاريخ بجامعة البصرة، ان الزواج المختلط شائع، وان هناك سودا حصلوا على تعليم رفيع المستوى وشغلوا مناصب عليا. وأضاف أن حركة العراقيين الحرة تركب موجة الشقاق الطائفي والعرقي التي نتجت عن سنوات من الحرب. وأضاف «هذا استغلال للظرف... طالما أن القضية صارت طائفية وعرقية ودينية. يعتقد بعض الناس أنهم يستطيعون استغلال هذا لتحقيق هدف معين»، مضيفا أن معظم العراقيين يستخدمون كلمة «عبد» للاشارة الى شخص اسود ببساطة.

ورد ثجيل قائلا: انه يجب أن يكون المرء أسود كي يفهم هذا. وأضاف «أذل كلمة يوصف بها الانسان هي كلمة العبد. العبد الذي ليس له قرار، العبد الذي ليس له كرامة، العبد الذي ليس له انسانية. هذه الكلمة مؤذية جدا. السود يحسون بذلك لكن البعض لا».