مهرجان الأنوار ينطلق في مدينة ليون الفرنسية

بدأ قبل 150 عاما بتقليد إضاءة المباني بالشموع

العملاق الصغير يلاعب الأطفال («الشرق الاوسط»)
TT

عيد الأنوار في مدينة ليون الفرنسية (جنوب شرق)، واحد من الأعياد المتوارثة منذ عشرات أو مئات السنوات، إلا أنه من أكثر هذه الأعياد اتساما بالاستمرارية، رغم تقلبات التاريخ والحروب ومختلف الكوارث التي تحصل على مر السنوات. فهذا العيد الذي بدأ الاحتفال به في عام 1852 يعد من أشهر الأعياد في فرنسا وأقدمها، كما أنه مستمر منذ مائة وخمسين عاماً بلا أي انقطاع، حتى في أيام الحروب.

وعلى هذا، فمنذ الخامس وحتى الثامن من شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام تزدان مدينة ليون ليلاً بالأضواء والألعاب الضوئية المبهرة. ورغم ان العيد الذي بدأ قبل مائة وخمسين عاماً بتقليد إضاءة المباني بالشموع، حيث يتبرع كل فرد من أفراد المدينة بإضاءة مبناه وبيته ووضع الشموع على حواف النوافذ والشرفات. إلا أنه ومنذ فترة لا بأس بها، أصبح مكاناً للفنانين المحترفين بألعاب الضوء. وتتم هذه الألعاب أولا بإضاءة كاتدرائية نوتردام الواقعة على تلة تشرف على المدينة من كل الجهات تقريباً، ليطال كافة الساحات والمباني التاريخية والمتاحف وشرفات المباني والجسور والمباني الرسمية. ويتعهد البوليس المحلي وكذلك الشرطة البلدية بقطع كافة الطرقات التي تحصل فيها ألعاب الضوء على السيارات، فيما تخصص الساحات لأعداد غفيرة من الناس. حيث يصل معدل السياح الى المدينة في الثلاثة أيام الأولى فقط، إلى حوالي أربعة ملايين شخص من مختلف أنحاء أوروبا عموماً وفرنسا تحديداً. تميز الاحتفال هذا العام بتخصيص معظم العروض الفنية الضوئية للطفولة، كرمز لإشعاع الحياة، وأيضاً لاستمرار البشرية. على هذا فقد تناولت الأعمال الضوئية وفي مختلف أنحاء المدينة عالم الطفولة كل من زاوية خاصة به. في place des terreaux عمل الفنانين على إدخال العملاق الذي يفتح قميصه عن صدره ويلعب في البراري، فيما يرافقه في اللعب صبية صغار، وبنات يرتدين فساتين جميلة وبراقة الى جانب الألعاب النارية التي ليست نارية هنا، إنما هي فقط مجسمات ضوئية للألعاب النارية. أما hotel de ville أو مبنى البلدية الذي يقع في نفس المكان، فإنه يستقبل الزوار بخيمة ضوئية غاية في الروعة تحول سماء الساحة الداخلية للمبنى التاريخي الى سماء من حبات الألماس البراقة، الى جانب الألوان التي تضيء الجدران وتتحول من الأحمر القاني الى الأخضر الى الأصفر الناصع الى الليلكي، والى ألوان فريدة لا تحصى. وهناك ثريا وضعت عن باب الخروج تضيء المكان، كما لو أنها قمرٌ في وسط بيت فسيح.

أما Balade des lumieres أو ممشى الضوء، فليس هو سوى الجسر الذي يربط المدينة ببعضها متعالياً فوق نهر Rhone العريض مزدهراً بأضواء غريبة، تتهادى انعكاساتها فوق المياه القوية هذا الموسم، بفضل التساقط المبكر للثلوج. ومن المفيد القول بأن ليلة الاثنين كانت فيها طرقات ليون الداخلية، تغص بمئات الآلاف من الناس، رغم درجة الحرارة التي لم ترتفع عن الصفر طوال أيام الاحتفالات. بعد الممشى الضوئي تقابل المتنزهين في البرد، أضواء محطة سانت بول القديمة، والمتوقفة عن العمل بعد أن تحولت الى متحف منذ فترة طويلة. وهناك حرائق تبين من النوافذ داخل المبنى الحجري المسقوف بقرميد أحمر عتيق، فيما يواصل مصمم اللعبة هناك كتابة الرسائل بالضوء لأطفال العالم جميعاً. نتوقف برهة لقراءة ما يكتب على واجهة المبنى ومراقبة الحرائق في داخله، ثم ندلف في الزقاق الضيق الممتلئ بالمقاهي والمطاعم الصغيرة والكبيرة لكن القديمة جداً، لنصل الى كاتدرائية سانت جان، التي كان عنوان العمل الضوئي فيها la visite des rois حيث تضاء واجهة الكاتدرائية المرتفعة حوالي ثلاثين متراً بمجموعة هائلة من الألوان، كما لو أننا في الجنة. بعدها يكون الانتقال سهلا الى place bellecour التي ينتصب فيها دولاب ضخم يفوق جميع مباني المدينة ويغطيها جمالاً بأضوائه الساحرة، وهو يحمل الناس ويدور بهم للإطلاع من علوه الشاهق على المدينة من السماء. زيارة مدينة ليون في هذا الوقت، ليست سوى فرصة نادرة، بكل معنى الكلمة، لكل شخص يبحث عن الجديد، في عالم الفن الحديث، حيث تتناغم الشموع التي بدأ العيد بها مع آخر صيحات الفنانين وجموح مخيلاتهم.