الرئيس الصومالي لـ«الشرق الاوسط»: تصويت البرلمان بمنح ثقته لرئيس الحكومة المقال انتهاك للدستور

جلسة عاصفة للنواب تشهد ضربات ولكمات واتهامات.. باريس والاتحاد الأفريقي يدينان عزل عدي

عناصر من حركة الشباب يتجولون في سوق بكارا بالعاصمة الصومالية مقديشو أمس (رويترز)
TT

انفتح أمس المشهد السياسي في الصومال على مصراعيه أمام كل الاحتمالات وسط مخاوف دولية وإقليمية بالمزيد من الانفلات الأمني واتجاه الأمور نحو تصعيد الحرب الأهلية والفوضى، بعدما رفض الرئيس الصومالي عبد الله يوسف قرار نواب البرلمان الذين صوتوا أمس لصالح منح الثقة لرئيس الوزراء المقال العقيد نور حسن حسين (عدي)، بأغلبية ساحقة، وأمروه بالاستمرار في منصبه برئاسة الحكومة بعد يوم واحد من عزله بواسطة الرئيس الانتقالي.

وأعلن رئيس البرلمان عدن مادوبي، عقب اجتماع ساخن عقده أعضاء البرلمان أمس في معقل السلطة الانتقالية بمدينة بيداوة الجنوبية، وشهد ضربات ولكمات واتهامات، أن النواب صوتوا بأغلبية ساحقة لمنح الثقة لاستمرار عدي على رأس الحكومة الانتقالية. وقال ان 143 نائبا صوتوا لاستمرار عدي، فيما صوت عشرون ضده، وامتنع سبعة عن التصويت. واضاف «بالتالي فإن حكومة نور عدي تعتبر شرعية».

ويحتد جدل في تفسير مواد الدستور الانتقالي الصومالي.. ففيما تمنح المادة 54 للرئيس الحق في اقالة رئيس حكومته إذا تقاعس عن عمله، تمنح المادة 52 الحق للبرلمان في منح الثقة لرئيس الحكومة، او سحبها عنه. وقال الرئيس الصومالي عبد الله يوسف، لـ«الشرق الأوسط»، أمس «إن ما فعله رئيس البرلمان يمثل جريمة سياسية وانتهاكا للدستور المؤقت للبلاد». وأكد يوسف أن «ما حدث يمثل تزويرا وتزييفا علنيا وفاضحا لإرادة أعضاء البرلمان» على حد تعبيره، مشيرا إلى أنه ما زال متمسكا بموقفه بشأن الإطاحة برئيس حكومته من منصبه بسبب ما وصفه بعجزه عن إنجاز أي شيء خلال عام من توليه مهام عمله. وأضاف: «عدي رئيس سابق للحكومة ولا يمكن للبرلمان أن يمنحه ثقته، هذا غير صحيح وتزوير وانتهاك للدستور المؤقت للبلاد» وأكد أنه سيعلن عن تسمية رئيس الوزراء الجديد خلال اليومين المقبلين لخلافة نور عدي.

وجاءت تصريحات الرئيس الصومالي لـ«الشرق الاوسط»، عبر وسيط، هو الناطق الرسمي باسمه حسين محمد محمود (حسباردي)، الذي اكد بدوره لـ«الشرق الاوسط» أن أكثر من 150 من أعضاء البرلمان الذين قال مادوبي إنهم صوتوا لمنح الثقة لعدي، عقدوا عصر أمس في بيداوة مؤتمرا صحافيا أدانوا فيه ما قام به رئيس البرلمان، وهددوا خلاله بالإطاحة به هو أيضا من منصبه. وأوضح أن قرار إقالة رئيس البرلمان من منصبه هو أمر منوط بأعضاء البرلمان الذين يشعرون بأنهم تعرضوا إلى خدعة سخيفة وخطيرة للإيحاء ـ خلافا للحقيقة ـ بأنهم يدعمون بقاء عدي رئيسا للحكومة.

وقال برلمانون مؤيدون للرئيس الانتقالي إن الجلسة التي عقدها البرلمان أمس بمقره لم تكن قانونية، وبالتالي فان ما يتمخض عنها غير قانوني، وتساءلوا عن إمكانية حدوث تصويت في ظل ما وصفوه بالجو العاصف الذي عاشه البرلمان أمس. وروى هؤلاء لـ«الشرق الأوسطش أن رئيس البرلمان وجه لأعضائه دعوة للحضور إلى مقر البرلمان لتوجيه أسئلة إلى رئيس الحكومة حول ما قام به خلال فترة رئاسته للحكومة، قبل أن يفاجأوا بأن مادوبي وفور انتهاء نور عدي من إلقاء بيانه حول المصالحة الوطنية واتفاقيات السلام التي وقعها أخيرا برعاية الأمم المتحدة مع الشيخ شريف شيخ احمد زعيم جناح جيبوتي المنشق على تحالف المعارضة الصومالية في اريتريا، يطالب بالتصويت لصالح قائمة الحكومة التي سبق أن رفض الرئيس الانتقالي توقيعها.

وقال أكثر من عضو برلماني صومالي لـ«الشرق الأوسط» إن حالة من الهرج والمرج سادت قاعة الاجتماع، حيث تصاعدت صيحات الاستنكار من قبل غالبية أعضاء البرلمان اعتراضا على ما يحدث، فيما تعرض بعض المعترضين لضرب ولكمات من زملائهم المؤيدين لرئيس الحكومة. واكتفى يوسف محمود، المستشار القانوني لرئيس البرلمان، بالقول لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا إن نص المادة رقم 52 من الدستور المؤقت للبلاد لا تمنح رئيس الدولة الحق في إقالة رئيس الحكومة من منصبه بدون موافقة البرلمان. لكن الناطق الرسمي باسم الرئيس الصومالي قال لـ«الشرق الأوسط» ان المادة رقم 54 من الميثاق الوطني الذي تم إقراره في العاصمة الكينية نيروبي عام 2003 تمكن رئيس الجمهورية من إقالة رئيس الحكومة بدون الحاجة لموافقة البرلمان أو التصويت بحجب الثقة أو منحها له.

وقالت مواقع الكترونية صومالية إن مظاهرات تأييد شارك فيها المئات من سكان العاصمة الصومالية مقديشو، قد رفعت شعارات داعمة له ورددت عبارات مناوئة للرئيس الانتقالي. ورفض الرئيس الصومالي أيضا ما أعلنه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جون بينج في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس بأن قراره بإقالة عدي يشكل نكسة أخرى لجهود التوصل إلى اتفاقية سياسية في الصومال وسيوسع الخلافات.

وقالت مصادر صومالية رفيعة المستوى إن تصريحات المسؤول الأفريقي تمثل تدخلا مرفوضا في الشؤون الداخلية للشعب الصومالي وانحيازا سافرا ضد الدستور المؤقت لصالح عدي الذي يوصف بأنه حليف وثيق الصلة برئيس الوزراء الإثيوبى ميلس زيناوي. ورأت المصادر أن بينج كان واقعا تحت تأثير النفوذ الإثيوبي عندما أدلى بهذه التصريحات التي اعتبر خلالها أن إقالة رئيس الوزراء الصومالي تعتبر منافية لتوقعات المجتمع الدولي الذي ينتظر بصدق تنفيذ اتفاقية تقاسم السلطة في الصومال.

وكان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي قد وصف قرار الإقالة بأنه «سيزيد الوضع تعقيدا وسيعمق الخلافات في الصومال»، معتبرا أن «القرار سيقوض الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لتحقيق المزيد من المصالحة والسلام والاستقرار في الصومال». وقال إن الخلافات بين قادة الصومال قوضت جهود المنظمات الإقليمية، من بينها الهيئة الحكومية للتنمية (منظمة ايقاد) للإشراف على تنفيذ اتفاقية جيبوتي التي تم توقيعها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأكد مجددا أنه ينبغي على القادة الصوماليين تنفيذ خريطة الطريق للسلام التي اتفق عليها القادة والمجلس الوزاري للإيقاد في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي في أديس أبابا. وتأتي هذه التطورات لتمثل تحديا جديدا للاجتماع رفيع المستوى الذي ستعقده اليوم لجنة الخبراء الخاصة بالصومال والتي تضم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والأمم المتحدة في نيويورك في إطار مجموعة الاتصال الدولية لبحث القرصنة التي تهدد سلامة الملاحة البحرية قبالة السواحل الصومالية.

من جهتها، أعربت الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي عما أسمته بقلقها العميق إزاء قرار الرئيس الصومالي إقالة رئيس حكومته، ووصفت في بيان نشرته بباريس قرار إلاقالة بـ«غير الملائم» وأنه «يهدد بنسف العملية السياسية في زمن محوري بالنسبة للصومال». وأكد البيان أن القرار يتنافى وميثاق المؤسسات الاتحادية الانتقالية. وقال إن رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي تعتبر أنه من المرفوض أن تمس خلافات داخلية باستمرار عملية السلام.

وناشدت الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي مسؤولي السلطة الانتقالية وضع حد لهذه النزاعات والتركيز على التحديات الحقيقية التي يواجهها الصوماليون والمتمثلة في السلام والاستقرار والمصالحة. ومع أنها جددت دعمها للعملية السياسية في الصومال إلا أنها هددت بأن «أوروبا قد تفرض عقوبات على الأشخاص الذين يعرقلون السلام» وذلك بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يشار إلى أن الصومال منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري سنة 1991 مسرح لحرب أهلية خلفت آلاف القتلى وأدت للتفكك الكامل للدولة المركزية وتشريد مئات الآلاف من اللاجئين، بينما عجز المجتمع الدولي عن صياغة عملية سلام ناجحة حتى الآن.