مسرح العرائس بحاجة إلى إعانة في مواجهة الأزمة المالية

مسرح الدمى في لوس أنجليس يضم 3000 دمية مصنوعة يدويا

مثل غيره من القطاعات الأخرى.. يعاني مسرح العرائس من الأزمة المالية العالمية
TT

هناك سبل عديدة لتقدير الوضع الاقتصادي في ولاية كاليفورنيا، منها النظر إلى معدل البطالة البالغ 8.2%، وفجوة في ميزانية الولاية تقدر قيمتها بعدة مليارات الدولارات، والأخطار التي تتهدد المنح التي تتلقاها متاحف الولاية، الأمر الذي دفع بعض المؤسسات الثقافية إلى الاقتراب من حافة إعلان عجزها عن سداد الرهون العقارية على عاتقها، علاوة على الضعف المتنامي الذي بات يعاني منه نظام الاستوديوهات في هوليوود. في وسط مدينة لوس أنجليس يوجد مسرح للدمى المتحركة أسعد الأطفال على امتداد ما يقرب من خمسة عقود، شهدت خلالها الولاية فترتي ركود اقتصادي، وفترتين اندلعت خلالهما أعمال شغب قوية، وأربع خطط فاشلة على الأقل لتحديث المناطق الحضرية وزلزالا أو اثنين. ويعد مسرح «بوب بيكر» للعرائس المتحركة علامة أساسية في حياة أطفال لوس أنجليس. ويضم المسرح مجموعة منتقاة من الدمى المصنوعة يدوياً يبلغ عددها 3000 دمية حرص المسرح على تزيينها دوماً بأكاليل ذهبية.

لكن الأوضاع الاقتصادية المتردية في كاليفورنيا وبعض القرارات التجارية الخاطئة التي اتخذها بيكر تركت دمى «بوب بيكر» في مواجهة أزمة مالية بالغة، في الوقت الذي يقف بيكر، أحد أساطير هوليوود التي لم تحظ باهتمام إعلامي مناسب، في مواجهة مستقبل تكتنفه الشكوك. وفي هذا الصدد، أشار بيكر إلى أنه: «ظهرت أمامنا مختلف أنواع المشكلات في الفترة الأخيرة. لن نغلق أبواب المسرح. وإنما سنناضل ضد هذا الوضع حتى النهاية». على مدار الشهور القليلة السابقة، عجز بيكر، 84 عاماً، عن سداد 30.000 دولار من مستحقات الرهون العقارية عليه وخسر أحد المستأجرين لديه، في الوقت الذي انكمش أكبر مصدرين للدخل بالنسبة له، ويرجع ذلك إلى أولاً: تقليص المدارس العامة حجم التمويل الذي توفره إلى الرحلات الميدانية. ثانياً: فإن أجور بعض رواد مسرحه من الآباء والأمهات منخفضة، والذين باتوا يعانون الآن من البطالة وديون كبيرة على كاهلهم، أصبحوا عاجزين عن ارتياد مسرحه الذي يبلغ سعر تذكرة الدخول إليه 15 دولارا. وقال: «لقد تلقينا اتصالات هاتفية من أشخاص يجابهون احتمالات فقدان منازلهم واضطروا إلى إلغاء حفلات أعياد الميلاد». وأضاف بيكر أنه منذ سنوات قليلة سابقة، جدد الرهن العقاري الخاص بالمسرح للمساعدة في سداد تكاليف التشغيل المتزايدة، ما أدى إلى حدوث ارتفاع بالغ في أقساط الرهن العقاري. كما فشلت صفقة كان يتفاوض بيكر بشأنها من أجل تحسين حجم المهلة الزمنية التي يحظى بها. وقال بيكر إنه كان يتفاوض مع مقرضيه، مستطرداً بنبرة حزينة قائلاً: «إنا فنان أكثر مني رجل أعمال». وفي مدينة غالباً ما يجري عرض أفلام الأطفال فيها على شاشات مسارح هوليوود يعتبر مسرح بيكر عودة إلى الماضي الساحر. ومثلما كان الحال على امتداد عدة أجيال، يجتمع الأطفال في حلقة على أرضية قاعة المسرح التي تتسع لـ200 شخص، بينما تتحرك دمى بيكر على أصوات تسجيلات الفونوغراف. ويعد هذا المسرح واحداً من أماكن معدودة داخل لوس أنجليس تجتذب في العادة الأطفال من مجموعات عرقية واقتصادية متنوعة. عادة ما يتطلب العرض مشاركة 15 عاملاً، بينهم 8 متخصصين في تحريك الدمى والعرائس، ومصمم إضاءة، ومصمم ملابس وموظف لتقديم التذاكر. وفي أغلب الأحوال، يقدم المسرح عرضين سنوياً، يدور أحدهما حول فكرة تتعلق بعيد رأس السنة. أما العرض الآخر، فقد يكون مصمماً بهدف إثارة الإبهار وصيحات الإعجاب، أو يتعلق بالاحتفال بأحد القديسين على النسق السائد بأميركا اللاتينية، أو عمل يتضمن مزيجاً من الحوار والرقص والغناء، مثل عرض «بوب بيكر ميوزيكال وورلد»، والذي قد يمتد عرضه على مدار الموسم ويستخدم ما يقرب من 100 دمية. كما يقدم بيكر عروضا بالدمى في كاليفورنيا الجنوبية في أعياد الميلاد والمناسبات الأخرى. وأشار بيكر إلى أن الميزانية السنوية تقدر بحوالي 360.000 دولار. من ناحيتها، اعتادت فيكتوريا هيرلي، 42 عاماً، على حضور عروض مسرح الدمى والعرائس في طفولتها. والآن، تحرص على اصطحاب طفليها، البالغين من العمر 5 و3 سنوات، إلى هناك. وتقول هيرلي عن مسرح بيكر: «ما زالوا يقدمون نفس نوع المثلجات وذات الملعقة الخشبية التي كنت أحصل عليها منذ 30 عاماً ماضية. وبالتأكيد، ارتفع مستوى جودة الترفيه بصورة بالغة، لكن أعتقد أن المبنى من الممكن تحسين تصميماته بدرجة أفضل. ويبدو كأنهم لم يعيدوا طلاء المبنى. أعتقد شخصياً أن المسرح رائع، لكن إذا ذهبت إلى نيويورك وعدت بأطفالي إلى هنا، ربما يتبدل رأيي». وخلال أحد العروض التي قدمها المسرح أخيرا تحت عنوان «ذي نتكراكر»، جرى استخدام مجموعة منتقاة من الدمى المصنوعة يدوياً التي يملكها بيكر، والتي تنوعت بين ملك فأر يتألق في ملابس مخملية، ودمى أخرى يمكن وصفها بأنها تنتمي إلى مجموعة «سول ترين». وفي حديث أدلى به منذ وقت قريب، أكد بيكر القول «هناك أمر ساحر بشأن حضور عروض الدمى. لقد كنت أراقب الأطفال اليوم ورأيتهم يعانقون الدمى، ودائماً ما يهرعون خلفي ويسألوني عن كيفية عملها. والكثير من الأطفال الذين يأتون هنا لم يسبق لهم قط حضور عرض مباشر وربما لن تتاح لهم هذه الفرصة مجدداً قط». من ناحيته، أشار غريغ ويليامز، 51 عاماً، مُحرك دمى محترف سبق أن ساعد بيكر في عروضه، إلى أن «عدد الأشخاص الذين بدأوا احترافهم مهنة تحريك الدمى على يد بيكر يبلغ اثني عشر شخصاً على الأقل على الصعيد الحرفي. لقد بدأت عملي معه عندما كنت في الـ15، وكنت أقوم بتنظيف صالة الحفلات. وانتقلت من هناك إلى العمل بمجال الإضاءة. وفي أحد الأيام، لم يأت محرك دمى، وتم إقحامي مكانه». يذكر أن بيكر، الذي بدأ شغفه بالعمل بمجال العرائس والدمى منذ سن مبكرة، سبق له العمل في هوليوود، وهو أمر قد لا يظهر جلياً للكثيرين بالنظر إلى مكان مسرحه المتواضع.

ونشأ بيكر في المنطقة المعروفة حالياً باسم كورياتاون، في منزل يعج بالممثلين وغيرهم من العاملين بمجال المسرح. وتخرج في مدرسة هوليوود الثانوية. وعندما كان طفلاً صغيراً، اصطحبه والده إلى عرض للعرائس أثناء الأجازة في أحد المراكز التجارية، مثلما جرت العادة داخل هذه المراكز خلال مطلع القرن العشرين. عندما بلغ السابعة من عمره، اشترى بيكر دميتين وسرعان ما بدأ العمل في حفلات أعياد الميلاد. وأشار بيكر إلى أن أول حفلة يعمل بها كانت تخص ميرفين ليروي، منتج ومخرج عمل لحساب شركتي «وارنر براذرز» و«إم جي إم». وبعد سنوات، شارك في حفل عيد ميلاد ليزا مينيلي. وفي عام 1954، ظهر في فيلم لجودي جارلاند بعنوان «مولد نجم»، وأدى خلال الفيلم عرضا للعرائس المتحركة. في الأربعينيات، عمل بيكر صانعاً للعرائس لصالح جورج بال، المنتج وصانع الرسوم المتحركة الذي قدم الكثير من الأفلام. عام 1949، أنشأ بيكر شركة إنتاج خاصة به مع شريكه «ألتون وود» (الذي توفي عام 2001). وظلت الشركة واحدة من أبرز شركات الترفيه العاملة بمجال الدمى المتحركة والتي شاركت بأفلام الفانتازيا. إلا أن الشهرة الأكبر لبيكر ترتبط بعمله في المسرح الذي افتتحه عام 1960.

* خدمة «نيويورك تايمز»