عادل عبد المهدي: رئاسة الجمهورية من أكثر مؤسسات الدولة توافقا وانسجاما.. لكننا نبقى أسرى لمناخ الخوف

نائب الرئيس العراقي في حديث لـ«الشرق الاوسط»: مجالس الإسناد غير دستورية ويمولها مكتب المالكي.. واستغلال كردستان للنفط ضروري له وللعراق

عادل عبد المهدي («الشرق الأوسط»)
TT

لا بد للحديث مع الدكتور عادل عبد المهدي، نائب رئيس الجمهورية العراقية، ان يتشعب الى ما هو سياسي واقتصادي وفكري وأمني، ذلك اعتمادا على تعدد الاختصاصات الاكاديمية التي يتمتع بها، وتشعب اهتماماته الفكرية العميقة، والأهم من هذا تفضيله ما هو وطني وعام على ما هو حزبي من غير ان يؤثر موقعه القيادي في المجلس الاسلامي الاعلى على موقعه في مجلس الرئاسة.

عبد المهدي المعروف بدقة إجاباته وبصراحته ولجوئه الى لغة الارقام والنسب، وكونه يشكل ركنا مهما من اركان التوازن في العملية السياسية لقربه من الاكراد والعرب السنة، أجاب بكل صبر، وشفافية على اسئلة «الشرق الاوسط» في حوار عبر البريد الالكتروني، تطرق فيه الى مختلف الاوضاع التي يعيشها العراق راهنا. وفيما يلي نص الحوار:

* هل يعمل مجلس الرئاسة بروح الفريق أم أن هناك تنافسات سياسية كونه تأسس على مبدأ المحاصصة؟

ـ هناك درجة طيبة من الوحدة والانسجام في مجلس الرئاسة.. فرئاسة الجمهورية تعتبر اليوم من اكثر مؤسسات الدولة المتوافقة والمنسجمة في عملها.. والعلاقات التي تسود بين الأعضاء هي علاقات على درجة عالية من الثقة والتعاون والتفهم.. رغم ذلك ما زلنا نعاني من عقبة كبيرة وهي ان عامل الخوف الذي تطور عبر العقود ما زال يلقي بضلاله علينا واننا ما زلنا الى حد ما اسرى هذه المناخات ننقلها بوعي او بدون وعي فيما بيننا مما يعرقل عملنا، ومجلس الرئاسة ليس استثناء لذلك.. فتجربة السنوات الخمس لم تتمكن لحد الآن ان تخرجنا في علاقاتنا السياسية (ولا أقول الاجتماعية) من نظام الخوف والحساسية الى نظام المصالح والنظر للمستقبل. فرغم كل الجهود المبذولة والتقدم الذي حصل على جبهات، لكننا ما زلنا جامدين في جبهات اخرى، بل ان تراجعاً حصل في اخرى.

* هل فعلاً ان صلاحيات مجلس الرئاسة تشريفاتية، ام انها صلاحيات حقيقية؟

ـ كثرة الكلام عن التشريفاتية في صلاحيات رئاسة الجمهورية جعلت البعض بمن فيهم بعض المسؤولين يتكلم بهذه التبسيطية. فالدور التشريفاتي هو فقط في القيادة العليا للقوات المسلحة.. عداً ذلك فان صلاحيات رئاسة الجمهورية اكثر من حقيقية. فهي تمتلك صلاحيات اقتراح القوانين شأنها شأن مجلس الوزراء.. وهي تتمتع بسلطة رد القوانين المصوت عليها الى مجلس النواب وعدم التصديق عليها شأنها شأن مجلس الاعيان في الفترة الملكية في العراق او مجلس الشيوخ في بعض البلدان الاخرى. وهي التي تكلف رئيس مجلس الوزراء بتشكيل الوزارة.. وهي التي تستطيع الطلب من مجلس النواب نزع الثقة منه. فهي بجانب دورها التشريعي تعتبر الركن الثاني للسلطة التنفيذية، لذلك كلف الدستور رئيس الجمهورية بتولي مهام رئيس الوزراء في حالة خلو الموقع لأي سبب. وهي التي تتقدم بالتنسيق مع رئيس مجلس الوزراء بطلب من مجلس النواب إعلان حالة الطوارئ او الحرب. وهي التي تشرف على حسن تنفيذ الدستور ومراقبة عمل الدولة والمساهمة في وضع سياساتها. وهي التي تصادق على المراسيم الجمهورية اضافة لدورها المباشر في أمور كثيرة اخرى ومنها في العلاقات الخارجية مع الدول وفي التعامل مع السلطة القضائية.

* الحد من صلاحيات الرئاسة او رئيس الجمهورية كان بدعوى عدم خلق رئيس دكتاتوري جديد، لكن الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الحكومة تسمح بوجود رئيس وزراء دكتاتور، نحن لا نعني أي اسم عندما نتحدث عن رئيس الحكومة بل أي رئيس حكومة عراقي حالي أم قادم؟

ـ لقد تسنم المنصب خلال السنوات الاربع الماضية ثلاث شخصيات بارزة ومحترمة وهذا دليل على ان العراق الجديد لن يقبل بدكتاتور وبأي شكل كان. فليست الصلاحيات هي التي توجد دكتاتورا جديدا.. ما يوجد احتمالات هذه الحالة هو تعطل نظام الانتخابات او تحولها الى عملية تغطية فاقدة شفافيتها ونزاهتها واستقلاليتها. ما يفتح الباب لهذا الخيار هو التباطؤ في بناء المؤسساتية وتشجيع عوامل الشخصنة والفردية.. وكذلك، وأساساً عدم السير قدما في توزع السلطات والفصل بينها واستقلاليتها. ولعل العامل الأهم في بروز الدكتاتورية هو احتكار الدولة وهيمنتها على كل المقدرات والامور، وهو أمر سأتوقف عنده لاحقاً. دور رئيس مجلس الوزراء اليوم دور كبير فهو القائد العام للقوات المسلحة. كما انه المسؤول التنفيذي المباشر وهذه مسؤولية خطيرة وحساسة وهو دور مطلوب لحسن ادارة الحكومة. لكن هذا الدور ليس مستقلا بذاته، بل هو دور لمجلس الوزراء اساساً. وهو دور يراقبه مجلس النواب كما يراقبه مجلس الرئاسة اللذان يمتلكان كلاهما ادوات لإيقاف اية نزعة للدكتاتورية. كما ان هذا الدور يراقبه الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني والاعلام والصحافة، كما تراقبه الحكومات المحلية بمؤسساتها المختلفة، ناهيك عن الرأي العام العالمي. لكل هذه العوامل اعتقد ان العراق يمتلك اليوم حصانة جيدة لعدم نمو الدكتاتورية من جديد. ان صدام حسين لم يبرز كدكتاتور لانه كان يمتلك صلاحيات واسعة. فالرئيس الاميركي ورئيس الوزراء البريطاني مثلاً يمتلكان ايضاً صلاحيات واسعة لكنها لم تجعل منهما دكتاتوريين والسبب في ذلك فاعلية مؤسسات الدولة ولعبها دورها، والأهم من ذلك فاعلية مؤسسات المجتمع في شتى المجالات. فالمجتمع القوي ومؤسساته حاجز أمام الدولة المستبدة. وعندما يستلب المجتمع ويضعف فان الدولة تصبح هي نقطة المصلحة الوحيدة وبالتالي هدف الأقوى للاستيلاء عليها والتي بالاستيلاء عليها يتم الاستيلاء على كل شؤون الامة. فليست الصلاحيات هي التي فرخت الدولة الاستبدادية، بل ان عملية تاريخية قد جرت ساهمنا بها جميعاً افرزت ظاهرة الاستبداد والدكتاتورية لدى شخص مثل صدام حسين. فمنذ أواسط الخمسينيات عملت مناهجنا الخاطئة كل بوزنه على تجريد المجتمع من مؤسساته ومقوماته ونقلها الى الدولة. فانتقل النفط من موازنة لمجلس الاعمار أي من ملكية الشعب وخدمة مستقبله وأجياله الى ملكية للدولة ومصدر شبه وحيد لموازنتها. ثم انتقلت الارض بقوانين الاصلاح الزراعي، وانتقلت الصناعة بعملية التأميم، ثم استولت الدولة بحجج مختلفة على التجارة الخارجية والجزء الأهم للتجارة الداخلية والتعليم والإعلام ومختلف مؤسسات العمل السياسي.. وتمت السيطرة على القوات المسلحة وأصبحت تبعاً لحزب واحد. وبعد ان اصبح هذا الحزب هو الحزب القائد او الوحيد كان بالامكان لشخص واحد ان يستولي عليه ويدمره، هو الآخر لمصلحة دكتاتور مستبد يصبح هو القانون والسلطة والقضاء والمالك لكل شيء حتى أنفاس الناس وعقولهم ناهيك عن مصالحهم وحقوقهم.

* لمصلحة من تعمل مجالس إسناد العشائر؟ ومن يمولها؟ وهل هي دستورية؟

ـ بوضعها الحالي، لا أعتقد أنها دستورية. وتمويلها ـ حسب معلوماتي ـ من مكتب السيد رئيس مجلس الوزراء.

* هل أنتم مع فكرة رئيس الحكومة بإعادة صياغة الدستور لثلم صلاحيات الاقاليم (اقليم كردستان) لصالح المركز؟

ـ لا يوجد شيء في الدستور اسمه المركز.. نحن نطلق عليه اسم الحكومة او السلطات الاتحادية. لا ارى مصلحة في ثلم صلاحيات الاقليم او المحافظات، بل انا من المؤيدين للمزيد من الصلاحيات. ومشكلة العراق الحالية والتاريخية هي ليست سعة كثرة صلاحيات الوحدات والمؤسسات الاخرى، بل هي احتكار «المركز» لكل شيء. وهذا ما أضعف الامة والشعب والمجتمع وبالتالي الدولة. نريد دولة اتحادية قوية تتمتع بكامل صلاحياتها. كما نريد حكومات محلية قوية تتمتع بكامل صلاحياتها. الواحد يرفد الآخر ويعمل بانسجام وتنسيق معه وليس بتضاد وتعارض بما يضعف الجميع. وأعتقد ان الدستور وضع التصورات العامة لهذه العلاقة وقد يحتاج الى بعض التعديلات لاستخلاص العبر من التجربة ودروسها.

* ما هي الفوائد الحقيقية التي تعتقدون بأنها تعود الى العراق والعراقيين عبر تنفيذ الاتفاقية الاميركية العراقية؟

ـ الاتفاقية الامنية ستنظم الوجود المؤقت للقوات الاميركية ومواعيد انسحابها.. فهي جزء من الحالة الأمنية. اما اتفاقية الاطار فهي للعلاقات بين العراق والولايات المتحدة.. هذه فيها شؤون اقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية سنعمل على تطويرها لمصلحة البلدين.

* هناك من يعتقد ان الاتفاقية ستقوي من موقف رئيس الحكومة، كيف تنظرون الى ذلك؟

ـ بالتأكيد يجب ان يصبح موقف رئيس الوزراء اقوى.. كذلك بقية مؤسسات الدولة.

* هل جاءت ورقة الاصلاح السياسي كورقة ضاغطة على الحكومة مقابل موافقة جهة سياسية للمصادقة على الاتفاقية؟

ـ كلا.. فورقة الاصلاح السياسي وافقت عليها الحكومة، بل ان الحكومة ساهمت بصنعها فهي كما تعلمون كانت بمبادرة رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وبحضور عدد غير قليل من الوزراء والمسؤولين. ورقة الإصلاح السياسي تمثل رغبة ونية للمضي في حل مشاكل البلاد عبر الحوار وعبر مزيد من المشاركة ولازالة المخاوف التي تكلمنا عنها في جزء من هذه المقابلة.

* هل ستحدد وثيقة الاصلاح السياسي من صلاحيات الحكومة او تحدد مساراتها؟

ـ لسنا مع الحد من صلاحيات الحكومة. الحكومة لها صلاحيات واضحة في الدستور ويجب ان تتحملها. الذي تطالب به ورقة الاصلاح اما تفعيل أمور لم تفعل بالشكل الكافي كموضوع العفو، او السعي لإعادة النظر وفق الدستور والضوابط والحوار الايجابي في قضايا ما زالت موضع اختلاف ولتحقيق المزيد من التلاحم والاطمئنان والمشاركة.

* ما هو مدى اسهام وثيقة الاصلاح السياسي بالمصالحة الوطنية؟

ـ أعتقد انها لعبت وستلعب دوراً مهماً.

* باعتقادكم كيف تتحقق المصالحة الوطنية؟

ـ بالوصول الى فهم دستوري مشترك واحترام الصلاحيات نصاً وروحاً وعدم الانتقائية في السياسات.

* كيف تنظرون الى علاقتكم بإقليم كردستان؟ الدستور العراقي ينص على ان الاكراد شركاء في الحكم لكن هناك محاولات للنيل من هذه الشراكة؟

ـ يجب ان نتذكر ان كردستان جاءت من بعيد. وعلاقاتنا ممتازة وانهم شركاء طبيعيون في الحكم واية محاولة للنيل من هذه الشراكة او اية شراكة اخرى بين أعمدة الوضع العراقي فهي ستؤول الى الفشل.

* هل تتوقعون أن القيادة الكردية تفكر بالانفصال عن العراق كإقليم مستقل؟

ـ كما ذكرت في الاجابة السابقة، ان كردستان جاءت من بعيد.. فهي كانت منفصلة عن العراق وهي الآن تعود إليه. فكردستان كانت منفصلة كليا منذ بداية التسعينيات والى سقوط النظام.. بل كانت منفصلة عنه منذ عقود طويلة وعلاقتها بالعراق هي علاقة التصادم والحرب والأنفال وحلبجة والتهجير وتدمير القرى وحرق البساتين وقتل السكان والتعريب والتبعيث. الكرد اليوم على قمة الدولة في العراق واقليم كردستان اقليم قوي ونتمنى له مزيداً من القوة. لأن قوة أي اقليم او محافظة هي قوة للعراق وان قوة العراق يجب ان تكون قوة لاية محافظة او اقليم. هذه هي المعادلة. واعتقد ان اكراد العراق لهم مصالح اعظم واكبر مع العراق الموحد من اية فكرة اخرى.

* هل تعتقدون أن خطوة حكومة إقليم كردستان باستغلال ثروات الاقليم الطبيعية، النفط خاصة، غير دستورية؟

ـ سياسة حكومة كردستان لاستغلال ثروات الاقليم خصوصاً النفط طبيعية وضرورية لمصلحة كردستان والعراق اساساً، وهو عمل دستوري ما دام يتم في اطار المواد الدستورية المتعلقة بالأمر. هناك نقاش حول عقود النفط. ما هو قبل الدستور فهو دستوري. اما ما هو بعد الدستور فأنا أتحفظ على هذه العقود ويجب ان نعمل بسرعة لاحتواء الموضوع دستورياً واعتقد ان الخيار الاصح هو الاسراع بتشريع قانون النفط والغاز.

* كيف ستتم معالجة موضوع كركوك؟ وهل ما زالت المادة 140 على قيد الحياة؟

ـ المادة 140 اساسية ومطلب دستوري لا يمكن تجاوزه إلا عند تجاوز المشاكل التي سببت وضع المادة في الدستور. اما كركوك فأعتقد اننا نحتاج الى رؤية قديمة ـ جديدة. وأنا أرى ان حلاً شبيهاً بالحل الذي طرح للعراق ككل يناسب كركوك. أي نوع من الديمقراطية التوافقية التي تجمع بين الاغلبية من جهة ممثلاً بمجلس النواب ومن جهة اخرى حفظ الحقوق الكلية والخاصة للنوع الآخر او النوعيات الاخرى عبر توزع المسؤوليات اولاً وعبر ما يشبه مجلس الاتحاد المقترح اتحادياً. اما وضع كركوك الاداري فأنا أفضل حلاً يرضي الأكراد والتركمان والعرب والمسيحيين.. فاما ان تعتبر كركوك جزءاً من كردستان وفي الوقت نفسه مستقلة عن كردستان، وجزءاً من شيء آخر وفي الوقت نفسه مستقلة عنه.. او ان تصبح كياناً ادارياً مستقلاً بذاته عن أي شيء آخر، أي كالوضع الذي وصفناه في الدستور لبغداد العاصمة. وهذه حالة يطلق عليها القانونيون والاداريون بـ«الكودومينيون» او مسميات اخرى والتي تعني «الملكية المشتركة» او «التابعية المشتركة»، وهي حالة تاريخية وموجودة في عدد غير قليل من المناطق المختلطة والقائمة بعضها منذ مئات السنين سواء داخل البلد الواحد او لمنطقة يتنازع عليها بلدان. ولها أمثلة قديمة مثل قبرص بين المسلمين والمسيحيين في صدر الاسلام. او «اندورا» بين فرنسا واسبانيا.. او الوضع الخاص لـ«موناكو» في فرنسا او الوضع الخاص «للفاتيكان» في ايطاليا او حالة «غانديغارا» التي كانت عاصمة موحدة لإقليمين في الهند.. وحالة السودان قبل 1956 التي كانت «كودومينيون» او «تابعية مشتركة» بين بريطانيا ومصر والتي كان اسمها السودان المصري الانجليزي، ومنطقة «فانواتو» في المحيط الهادي بين فرنسا وبريطانيا، و«بريسكو» بين البوسنا وكرواتيا، او الوضع المقترح للقدس بين اليهود والعرب، وحالات اخرى مشابهة في بلجيكا وسويسرا وغيرها من أمثلة. ويمكن ان تسجل كركوك وضعاً جديداً يضاف الى التجارب القانونية المختلفة لتستفيد من التجارب المختلفة سواء داخل البلد الواحد أو بين الدول.

* كيف تنظرون الى موضوع تشكيل أقاليم في الجنوب والوسط؟

ـ مطلب دستوري وأمر مهم ولا بد منه ليستقيم النظام السياسي والاداري في البلاد. هناك مخاوف لا مبرر لها امام ضرورة الاسراع في استكمال النظام الاتحادي في العراق الذي لن تستقيم الامور الامنية والإدارية والسياسية والاقتصادية وفي توزع السلطات وادارة البلاد بدون انجازه. واعتقد ان من واجب القوى السياسية المختلفة التخلص من بعض النظرات السلبية حول الموضوع والنظر نحو المستقبل وكذلك من واجب مجلس النواب البدء بوضع التصورات العملية لإنجاز ذلك وفق القوانين والدستور ورغبات السكان.

* هل تعتبرون تجربة اقليم كردستان ناجحة ويمكن الاستفادة منها؟

ـ نعم ان تجربة كردستان ناجحة وهي دليل على ان العراق يستطيع ان يتجاوز أزمته رغم انه ما زالت هناك الكثير من النواقص في التجربة في كردستان.

* بعد خمس سنوات من تغيير النظام، لم تحدث استثمارات اقتصادية حقيقية، بل ان الدولة لم تعمل على تشجيع الاستثمارات او تحسين الوضع الاقتصادي العراقي بالرغم من وجود اضخم ميزانية في تاريخ البلد؟ كيف تفكرون بتطوير الاقتصاد العراقي؟

ـ أهم عمل بتطوير الاقتصاد العراقي هو ما اشرت اليه في جواب سابق بانه يجب ان تساهم الدولة في نقل بعض قدراتها الى الاقتصاد الاهلي والمجتمع. بدون هذه الخطوة الواضحة والصريحة التي تعيد الامور الى نصابها وتضع المسارات في دروبها الصحيحة لا يمكن التفكير بإصلاح اقتصادي. فالموازنة ستبعثر اموالها كما بعثرت خلال نصف القرن الماضي. وستلهي الارقام الكبيرة الناس على مدار السنين ليروا ان لا شيء يتحقق حقيقة خلال العقود. بدون اصلاح الاقتصاد الاهلي والمجتمعي والذي يسميه البعض القطاع الخاص لا سبيل لإصلاح الدولة وبالتالي الاقتصاد. فموارد النفط تشكل اليوم 70% من الناتج الوطني الاجمالي، وهي سبب مباشر لأن ترتفع مساهمتها الى90% من الناتج الوطني الاجمالي.. وان الزراعة والصناعة لا تشكلان اليوم سوى 3% من الناتج الوطني الاجمالي وان دور القطاع الخاص في تكوين رأس المال الثابت لا يتجاوز 4% بينما يساهم القطاع العام بـ 96%، فكيف يمكن احداث تطور اقتصادي مع هذه الوقائع. الموازنة لا تستطيع سوى ان تطلق العملية اما عملية التطوير فيجب ان تقوم به المبادرات الخاصة والاستثمارات العراقية والأجنبية وفي كل الحقول الزراعية والصناعية والخدمية وفي البنية التحتية والنفط والغاز وغيرها من امور كثيرة. دول لا تمتلك سوى الرمال تحولت خلال فترة قصيرة الى جنات عدن والعراق بأنهاره الثماني او اكثر يتراجع ويتصحر ويستورد غذاءه ولباسه.. هذا عار ويجب ان نخجل جميعاً من انفسنا.

* هل هناك خطط لجلب استثمارات عراقية من الخارج، علاوة على الاستثمارات العربية والأجنبية؟

ـ ما زالت ضعيفة جداً وليست بالمستوى المطلوب وما زال العقل المسؤول بل الفهم الجمعي متأخراً في هذه المسألة ويعيش مفاهيم وتصورات لم تعد نافعة.

* ما مدى تأثير تذبذب أسعار النفط على الوضع الاقتصادي العراقي؟

ـ ان التأثير كبير للغاية.. فإذا استقرت اسعار النفط على اسعارها الحالية، أي 40 دولاراً للبرميل واستمرت معدلات التصدير كما هي، فان الاموال التي ستتوفر للعراق اقل بكثير من 30 % من الاموال التي كانت ستصل البلاد قبل الازمة وانخفاض اسعار النفط. فخسارة العراق اذا ما استمرت الامور على هذه الحال ستعني ما لا يقل عن 60 مليار دولار.. وان موازنة الدولة لن تتعدى 30 مليار دولار.. وهذه لن تغطي سوى الرواتب والبطاقة التموينية والرعاية الاجتماعية. البعض يعتقد ان بمقدوره ببساطة التلاعب باحتياطيات البنك المركزي. وهذا امر محدود اولاً ولا يعالج المشكلة ثم ان الفائدة التي ستجنيها الدولة ستدفعها الاسواق والاقتصاد الوطني والمواطن. مع التذكير ان الحماية التي تتمتع بها احتياطيات المركزي هي بسبب احترام استقلاليته فاذا ما عدنا لممارسات الماضي فسنرى انفسنا متورطين بمديونيات هائلة ودينار لا يساوي قيمة الورق الذي يطبع عليه. نحتاج الى وقفة مسؤولة تضع الأولويات وتتخذ الاجراءات المضادة لمواجهة الازمة بأقل الخسائر معتمدين على المنطق العلمي الحقيقي وليس التطمينات او الشعارات التي قد ترتد علينا بقسوة وقوة.

* هل سيصار الى فتح الاستثمارات أمام الشركات النفطية الاجنبية في مجالات التنقيب والتصدير؟

ـ ان هذا أمر ضروري للعراق.. ولن يكون بالمقدور تطوير الصناعة النفطية بدون استثمارات ضخمة وإمكانيات تكنولوجية متقدمة، وهذا غير متوفر سوى لدى شركات النفط الكبرى والتأخر في ذلك مسؤولية كبرى قد يتسبب بها البعض الآن، لكنها ستصيب الجميع. لذلك يجب ان يقف الجميع امام مسؤولياتهم وعدم التنصل منها.

* هل تأثر العراق كثيراً بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية؟

ـ بالتأكيد، أصابت الأزمة بشكل مباشر موازنة الدولة التي لها مكانة رئيسة في كل شيء في العراق كما اشرنا قبل قليل. وهذه ستكون لها انعكاسات جدية. وللأسف الشديد لا يوجد موقف جدي لحد الآن من هذه المسألة.. ومع بقاء البيئة والعقلية الاستثمارية بهذا التأخر والبطء ومع الركود الاقتصادي الذي يصيب معظم الاقتصاديات، فان الفرص ستكون اقل مما كانت عليه في الاعوام الخمسة الماضية لقد خسرنا خمس سنوات عزيزة بسبب الارهاب والتخريب والعقول الجامدة والعنعنات السخيفة. أملنا كبير بهيئات الاستثمار وبالعقل المبدع المنطلق المبادر وليس العقل الجامد الذي يعبد الله على حرف.

* ما هي خططكم لمحاربة الفساد المالي في العراق؟

ـ هناك القوانين الرادعة وهيئات الرقابة والنزاهة. هذا امر جيد. لكنني لا أعتقد ان ذلك سيداوي الجرح. يجب الانطلاق وإعادة البنية المنتجة القادرة على تحقيق المكاسب والفوائض الحقيقية وليس الوهمية. فنحن نتحاسب بالفلس ونخسر الدينار. والفساد الاكبر في البلد كما اكد رئيس هيئة النزاهة هي بتعطيل التطور والانتاج بحجة ملاحقة امور ثانوية او شكلية او اقل قيمة بكثير.. وللأسف فان موقع الدولة ازداد محورية ومركزية في كل الشؤون مما يعمق مسألة الفساد والتأخر وعدم الانطلاق. فالفساد هو ليس مسألة شخصية بل هو شبكة علاقات وأنظمة تطورت مع استيلاء الدولة على كل شيء خصوصاً بعد ان تم الاستيلاء على الدولة من قبل شخص وعائلة ثم بتطور قرارات الحصار والعقوبات وأوضاع الحروب ودمار المؤسسات والقيم. هناك اليوم شبكة فساد في البطاقة التموينية وفي النفط والطاقة وشبكة توزيع الكهرباء وفي العقود والمقاولات وهذه كلها نمت عبر العقود وبنت لنفسها مفاهيم وميكانيكيات عمل تستطيع ان تتجاوز كل اشكال الحماية والوقاية والرقابة والعقوبات الموضوعة الآن. الانطلاق يجب ان يعتمد على انطلاق عمل الدولة بشكل يضع اولاً الانتاجية والسرعة والكفاءة والنوعية وتوليد ومراكمة الفوائض وتوفير البني والمستلزمات التي تسمح بذلك. ثم بإعادة دور المجتمع في الانتاج والعمالة والدخل. فالقطاع الاهلي في الخمسينيات كان يوفر الغذاء واللباس والجزء الرئيس من عمالة القوى العاملة وكانت معدلات البطالة شبه معدومة رغم قلة عدد ملاكات الدولة مقارنة بما يوفره المجتمع من فرص عمل.. فالمشروع الاهلي فردي او جماعي اقدر على تطبيق معايير الرشد الاقتصادي والإداري والرقابي على مصالحه من دوائر الدولة وشبكاتها المنظورة وغير المنظورة.

* كيف تنظرون الى ملف المهاجرين والمهجرين داخل وخارج العراق، وكيف يمكن التعامل معه؟

ـ ملف المهجرين هو ملف أمني واقتصادي وسياسي وأحياناً إقليمي ودولي. وهو يتطلب وقفة جادة في جميع قضايا المصالحة الوطنية وفي الملف الاقتصادي ولقد لاحظنا كيف ان بعض التحسن الامني قد أعاد العديد من المهجرين الى دورهم.

* هل هناك خطط عملية لتشجيع الكفاءات العراقية بالعودة الى البلد؟

ـ لا أعتقد اننا نمتلك بعد استراتيجية جيدة في هذا المجال. وان الكلام أعلاه هو في جزء منه بناءات في هذه المسألة ايضاً وكيفية توفير افضل المناخات لاستثمار الكفاءات العراقية وعودة من يرغب منها الى البلاد.

* كيف تصفون اليوم علاقات العراق بأشقائه العرب؟

ـ أفضل بكثير من السابق، لكنها ما زالت دون المستوى المطلوب. وان دور العراق عربياً يجب ان يكون اكبر من دوره الحالي.

* هل تتصرفون في ادارة شؤون العراق من موقعكم الرئاسي ام السياسي باعتباركم قيادياً في المجلس الاسلامي الأعلى؟

ـ بالتأكيد من الموقع الرئاسي والتزامات رئاسة الجمهورية وواجباتها.. فليس حالة فريدة ان يكون المرء في تنظيم سياسي ويحتل مركزاً سياسياً بارزاً.. بل معظم الذين يحتلون مواقع رئاسية في معظم دول العالم هم ايضاً اعضاء في احزاب سياسية. الحد الفاصل بين الأمرين هو هل يقوم بذلك وهو يضع مصالح الحزب ام مصالح الوطن اولاً عند تعارضهما. الجميع يعلم أنني اعمل في موقعي واستقالتي سواء في المجلس الاعلى او رئاسة الجمهورية هي في جيبي لكي أحصن نفسي من أي تأثير سلبي.