المرأة في البصرة.. ضحية المتشددين والعرف العشائري

ناشطات: مواجهة العنف ضد المرأة يتطلب إرادة سياسية

TT

«لم أنس  صراخها، الذي كنت استمع إليه من خلف الحائط الفاصل بين بيتنا وبيت أهلها، كان الصراخ يأتي مخنوقا، ولكننا سمعناه بصعوبة. في البداية اعتقدنا بانه شجار عائلي كالمعتاد، ولكن وبعد أن أرهفنا السمع أكثر تبين انه صوت صراخ وأنين أم فاطمة التي تبلغ من العمر 34عاما». بهذه الكلمات بدأت شيماء العسكري، 46 عاما، من سكنة البصرة حديثها لـ«الشرق الأوسط» عن جارتها. أضافت شيماء «لم يمض وقت طويل حتى تحول جسد المرأة، التي لم توفق في زواجها وعادت للسكن مع اهلها، الى جثة هامدة تم لفها ببطانية ورميها في صندوق السيارة والتوجه بها الى مركز الشرطة وادعى اخاها انة قتلها غسلا للعار». ويروي الدكتور احمد عبد الستار عن حوادث قتل النساء، انه كان طبيب الخفر في شعبة الطوارئ بمستشفى البصرة العام عندما احضرت الشرطة شابة لم يتجاوز عمرها 22 عاما، على أنها مقتولة غسلا للعار «وعند اجراء الكشف عليها وجدتها لم تفارق الحياة بعد، على الرغم من وجود ثقوب ثلاثين طلقة في جسدها عرفت من رجال الشرطة ان شقيقها هو الجاني»، معربا عن أسفه لعدم قدرته على انقاذها «لغزارة الدماء التي نزفتها». وقالت ام حسين (موظفة)، انها لم ترتد غير السواد حزنا على مقتل اختها من قبل مسلحين كانوا يستقلون سيارة من نوع تويوتا صالون اشتهرت بالمدينه باسم (البطة)، لكثرة جرائم القتل التي ترتكب بواسطتها. وتابعت «كنت مع اختي عند الباب الرئيسي لمديرية التربية، كي تملأ الاستمارة المعدة للمعلمين والمعلمات المفصولين من الوظيفة بموجب قرار اجتثاث البعث، واذا بالسيارة تقف الى جانبنا بشكل مفاجئ ويطلق احد ركابها من مسدسه عدة عيارات نارية، أودت بحياة اختي التي ماتت بين يدي، من دون معرفة الجناة». هذه صور قليلة من حوادث العنف التي طالت النساء في البصرة، التي لم تعرف المرأة فيها العنف منذ ازمان بعيدة، بل كانت ملاذا آمنا للكثير من النساء الهاربات من مطاردة الاعراف العشائرية في المدن القريبة، حتى قبيل الاحتلال عام 2003، لكونها مدينة كبيرة يقطنها الكثير من الغرباء، والاقليات المتآخية من عرب وعجم وهنود وتركمان، مسلمين ومسيحيين وصابئة. العقيد كريم الزيدي الناطق الاعلامي في قيادة شرطة البصرة قال لـ«الشرق الاوسط»: ان نسبة قتل النساء بالمحافظة انخفضت الى 90% عما كانت عليه في عام 2007، وهو العام الاكثر دموية لضحايا العنف ضد النساء». واضاف، ان «الاحصاءات المتوفرة في مراكز الشرطة تشير الى حدوث عشر جرائم قتل خلال العام الحالي بدواعي غسل العار المعروفة في الاوساط الاجتماعية والعشائرية»، مشيرا الى ان «ارتفاع العنف ضد النساء خلال السنوات الماضية، الذي كان بسبب ضعف الاجهزة الامنية وغياب القانون بعد السقوط، شجع اوساطا من المتشددين على فرض حالة الرعب بين اوساط النساء، اضافة الى بروز دور العشائر التي تسعى الى فرض قيمها على المجتمع». مشددا على ان الاجهزة الامنية «تتعامل بذات الاجراءات مع جرائم القتل الاخرى». الا أن ضابطا اخر، طلب عدم الكشف عن اسمه، يرى «ان مراكز الشرطة تتعامل مع مرتكبي جرائم غسل العار بلطف كونهم (شجعانا)»، مؤكدا ان «القوانين السارية لا تتجاوز عقوبة الجاني فيها على السجن مدة لا تزيد على ستة اشهر عند تسليم نفسه للعدالة، وعند اختفائه لا احد يهتم بمطاردته». وعزت بشرى العبيدي (اكاديمية وناشطة نسوية) استمرار ظاهرة العنف ضد المرأة، إلى «سيادة السلطتين الدينية والعشائرية في المجتمع العراقي». وشددت على أن «العديد من المسؤولين لا يؤمنون بحقوق المرأة ودورها في المجتمع»، مشيرة الى «أهمية منح المرأة حق المواطنة أسوة بالرجل». واوضحت أن منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون المرأة قدمت العديد من التوصيات والمقترحات للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة، لافتة إلى أن مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى إرادة سياسية. واوضحت الدكتورة سوسن عباس، المديرة العامة لمعهد المرأة القيادية، ان «حقوق المرأة هي جزء من حقوق الانسان، وان العنف الذي طال المرأة في البلد، وخاصة في البصرة يحتاج الى جهود كبيرة للحد منه»، مؤكدة ان «وقوف المرأة بوجه كل اشكال العنف رسخ من دورها الوطني في بناء المجتمع المتطلع الى البناء والحرية والسلام».

واعربت كريمة كاظم (ناشطة) عن أسفها على «لجوء الاحزاب والقوى السياسية النافذة في السلطة الى تشجيع العشائر ومنحها دورا اكبر في الحياة السياسية والاجتماعية، بما تحمل من قيم واعراف غير متحضرة، وخاصة النظرة الى المرأة». وقالت «ان المرأة في البصرة تبوأت وبكفاءة اعلى المناصب العلمية والاجتماعية والسياسية والابداعية، ولا تقبل بفرض ثقافة متخلفة تنظر الى المرأة على انها (عورة) تستحق القتل عن كل خطيئة».