رئيس حكومة الصومال الجديد لـ«الشرق الأوسط»: نتطلع إلى دور السعودية ومصر في دعم المصالحة والسلام

الرئيس الانتقالي يسلم وفد الإيقاد شريط فيديو لجلسة الضرب في البرلمان

TT

استمر أمس التحول المذهل في خارطة التحالفات السياسية بالصومال. وبات أصدقاءُ أمس أعداءَ اليوم، فيما يسعى الرئيس الانتقالي الصومالي عبد الله يوسف رغم تحذيرات من محاولات وشيكة لاغتياله، لإنقاذ ترويكا السلطة الانتقالية التي يتولى رئاستها منذ عام 2004 من شبح الانهيار التام. وسرب مقربون من رئيس البرلمان عدن مادوبى ورئيس الحكومة العقيد نور حسن حسين إشاعات عن تصويت البرلمان أمس لمحاكمة يوسف بعد يومين فقط من تعيينه محمد محمود جوليد ( جعمديري) رئيسا للوزراء رغم معارضة البرلمان لإقالة حكومة عدي.

لكن حسين محمد محمود (حسباردي)، الناطق الرسمي باسم الرئيس الصومالي، وصف هذه التسريبات بـ«الإشاعات المغرضة». وقال لـ«الشرق الأوسط» ليس لها أي أساس من الصحة، نافيا أي اتجاه لمحاكمة الرئيس برلمانياً. وقال رئيس الوزراء الصومالي الجديد لـ«الشرق الأوسط» في أول تصريحات بنوعها لوسيلة إعلام عربية عقب ساعات من إعلان نبأ تعيينه، إنه بدأ على الفور مشاورات مكثفة مع مختلف التيارات السياسية والقبائل وممثلي المجتمع المدني تمهيداً لتسمية أعضاء الحكومة. وتوقع جعمديري أن يجتمع البرلمان خلال اليومين المقبلين في مقره بمدينة بيداوة لمنحه الثقة كرئيس جديد للحكومة، مؤكدا أنه مستعد للتعاون مع الرئيس والبرلمان لكل ما يخدم المصالح العليا للشعب الصومالي. ودعا جعمديري الجامعة العربية ودولها الأعضاء إلى مساندة حكومته وتقديم المزيد من الدعم للشعب الصومالي في هذه المرحلة التي وصفها بالحساسة والخطيرة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعول كثيراً على أشقائِنَا العرب في المرحلة المقبلة، ونأمل أن يستجيبوا لأيدينا الممدودة إليهم»، معتبراً أن الصومال بلد عربي، ولن يتخلى عن هويته العربية ولا عن انتمائه الجغرافي والاستراتيجي. ووجه جعمديرى رسالة مفتوحة إلى عدد من الزعماء العرب؛ يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس المصري حسني مبارك. وقال: «أشقاؤكم بالصومال في أكثر حاجة إليكم في هذه المرحلة، نتمنى عليكم أن تقفوا إلى جانبنا لتضميد الجراح وفتح نافذة أمل جديدة أمام الشعب الصومالي». ودعا جعمديرى مصر والسعودية باعتبارهما قاطرة العمل العربي المشترك إلى المزيد من الاهتمام بملف الأزمة الصومالية وبذل الجهود من أجل تأكيد عروبة الصومال وانخراطه في هموم العالم العربي قضاياه. وقال إن الصومال يطالب كافة القادة والزعماء العرب بتنفيذ التعهدات التي تم الاتفاق عليها بخصوص الصومال في القمم العربية السابقة، لافتا إلى أن السعودية وخادم الحرمين الشريفين لم يتخليا يوما عن تقديم يد العون والمساعدة للشعب الصومالي. وأوضح أنه يأمل أن تستعيد الدول العربية وجودها الدبلوماسي في وقت قريب بالعاصمة مقديشيو بعدها سيدشن مجهودات كبيرة لوقف أية أنشطة مناوئة للسلطة الانتقالية داخلها. وأضاف «آمل أن أرى قريبا سفراء الدول العربية بيننا، هذا هو الأمر الطبيعي، نعرف أن هناك صعوبات أمنية لكننا سنسعى بإذن الله للتغلب عليها». وتعهد جعمديري الذي ينتمي إلى نفس قبيلة قيادات تحالف المعارضة الصومالية في إريتريا، بالاستمرار في مسيرة السلام والمصالحة الوطنية في الصومال ومحاولة استعادة الأمن والاستقرار المفقودين هناك منذ نحو 17 عاما. ورأى رئيس الحكومة الصومالية الجديد أن مهمته لن تكون سهلة على الإطلاق، وأنه يحتاج إلى تضافر الجهود عربياً ومحلياً لإنجاح مهمته، مشيرا إلى أنه سيسعى إلى تكريس شرعية الدولة الصومالية وإعادة بسط هيمنتها ونفوذها بما يسهل عملية إعادة الاعمار والتنمية. وكان جعمديرى قد تحدث عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط» قبل اجتماع مساء أمس للمرة الثانية مع الرئيس الصومالي عبد الله يوسف لدراسة الموقف في ضوء الزيارة الخاطفة التي قام بها وفد منظمة الإيقاد إلى البلاد. وقال باريبرى في رسالة لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يساوره أدنى شك في أن أولويات جعمديرى ستكون تعزيز وحماية حقوق الإنسان، لافتا إلى أن الصومال دولة ذات سيادة وعازمة على استعادة دورها التاريخي في منطقة القرن الأفريقي وفقاً لقواعد الاحترام المتبادل لتحقيق المصالح المشتركة. ورداً على تصريحات مسيئة وجهها أمس وزير الخارجية الصومالي للرئيس الانتقالي، دعاه يوسف إلى الاستقالة من منصبه إذا لم يكن راغباً بعد الآن في العمل معه، بينما أعلن النائب العام للسلطة الانتقالية شرعية قرار يوسف إقالة عدي.

وقال مسؤول صومالي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن يوسف ما زال قابضاً على زمام الموقف، وأنه لم ينفلت منه. والتقى يوسف أول من أمس وفدا أرسلته بشكل مفاجئ منظمة دول الإيقاد إلى بيداوة لاستيضاح حقيقة الأزمة المندلعة بين رؤساء الترويكا الانتقالية، علما بأن نفس الوفد اجتمع أيضا مع عدن مادوبى رئيس البرلمان وجعمديري.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن وفد الإيقاد تلقى من الرئيس الصومالي، شريط فيديو يتضمن تسجيلا كاملا من الجلسة الصاخبة التي أعلن خلالها مادوبى حصول حكومة عدي على ثقة البرلمان، والتي شهدت ضرباً بالأيدي ضد أنصار يوسف وجعمديرى وترهيباً لهم. ونفى الناطق الرسمي باسم يوسف لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من مدينة بيداوة، أن يكون الوفد الذي عاد إلى كينيا، قد حمل معه أي رسالة تهديد باسم منظمة الإيقاد إلى الرئيس الانتقالي أو رئيس حكومته الجديد. وأوضح أن مهمة وفد المنظمة الأفريقية كانت بمثابة لجنة لتقصي الحقائق للتعرف إلى ملابسات ما شهده مقر البرلمان على مدار اليومين الماضيين، مشيرا إلى أن الوفد طرح أسئلة سريعة ومختصرة حول حقيقة المشهد السياسي. واضاف أن الرئيس الانتقالي قدم لأعضاء الوفد الأفريقي كل التوضيحات ووضعهم في صورة الأزمة التي نشبت بسبب ما وصفه بـ«السلوكات المعيبة لرئيس البرلمان»، مشيرا إلى تمسك يوسف بموقفه بشأن اعتبار ما قام به مادوبي قبل يومين عملا غير شرعي ويمثل انتهاكا للدستور المؤقت للبلاد واستهانة بالشرعية الدستورية الممثلة في الرئيس والبرلمان. وتلقت «الشرق الأوسط» أمس بيانا من صفحتين حمل توقيعات 95 عضواً من أعضاء البرلمان البالغ إجمالي مقاعده 275 مقعداً، اتهموا فيه رئيس البرلمان بالخيانة ومحاولة تزييف إرادتهم السياسية خلافاً للحقيقة.

وحمل البيان بعنف على مادوبي ووصف إدارته لجلسة البرلمان المثيرة للجدل أول من أمس بغير الشرعية. واعتبر البيان أن النواب الذين اجتمعوا بمقره في بيداوة كانوا يعتقدون أن رئيس الوزراء المقال (عدي) سيلقى أمامهم كلمة الوداع قبل رحيله، لكنهم فوجئوا برئيس البرلمان يحول الجلسة إلى عملية تصويت بالقوة لصالح عدي، مشيرا إلى أنه وفقا للوائح الداخلية للبرلمان، فانه يتعين عرض أي مقترح على النواب قبل 24 ساعة تمهيدا لمناقشته وهذا ما لم يحدث. وأضاف أن النواب بوغتوا بأجواء من الترهيب تضمنت اقتحامَ ميلشيات مسلحة وغرباءَ لمقر البرلمان في تلك اللحظة في مشهد غير مسبوق، مما يعني أن الأمرَ كله محاولة للتلاعب والتزييف. وعلمت «الشرق الأوسط» أن وفداً من النواب المؤيدين للرئيس الانتقالي ولرئيس حكومته الجديد اجتمعوا مساء أول من أمس مع مادوبي في منزله بمدينة بيداوة ووضعوه بين خيارين: إما التراجع علانية عن التصويت الذي تم لصالح عدي أو إقالته من منصبه كرئيس للبرلمان على غرار ما حدث مع رئيس البرلمان السابق شريف حسن شيخ آدم الذي تمت إطاحته بسبب تعاطفه مع الإسلاميين.