العدوان الإسرائيلي يغير أنماط حياة أهالي غزة

كثير من العوائل الساكنة قرب المرافق الحكومية أخلوا منازلهم وانتقلوا للعيش لدى أقاربهم

TT

لم ينجح عواد بكير وخليل حمامة في إقناع صديقهما عامر بركات بأن يستقل السيارة معهما والتوجه لمخيم النصيرات وذلك لتقديم واجب العزاء لصديقهم المشترك عبد الله، بعد أن فقد أحد اشقائه في القصف الذي استهدف مقر قيادة الشرطة في مدينة غزة. وفضل عامر أن يقطع المسافة من مخيم المغازي للنصيرات، وسط القطاع، مشياً على الأقدام خوفاً من التعرض للأذى في حال قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف سيارة خلف أو أمام السيارة التي تقله وصديقيه. وقال عامر لـ «الشرق الأوسط» إنه رغم تعلقيات صديقيه الساخرة إلا أنه مقتنع بما فعل، حيث أنه في كثير من المرات قتل أناس كثيرون أو أصيبوا بجراح خطرة فقط لأنه تصادف وجودهم بالقرب من أهداف قصفتها إسرائيل. والحذر الذي أبداه عامر هذا يمثل صورة من صور تأثير العدوان الإسرائيلي المتواصل على أنماط سلوك الفلسطينيين في غزة. فسرادقات العزاء التي ملأت شوارع مدن وبلدات ومخيمات اللاجئين في القطاع بعد شروع إسرائيل في عدوانها الواسع على غزة، تغلق مع حلول الظلام بسبب الخوف من التعرض للقصف، مع أنه في الأوضاع الطبيعية تبقى هذه السرادقات حتى ساعة متأخرة من الليل. ومن أجل تقليص المخاطر الناجمة عن التوجه لسرادقات العزاء فقد اتفقت عائلات القتلى في كل منطقة على إقامة سرادق واحد في مكان عام لكل الذين سقطوا في عمليات القصف في منطقتهم. وبسبب حالة الخوف والقلق بدت شوارع قطاع غزة خالية من المارة تقريباً، لا سيما شوارع مدينة غزة الرئيسية التي تكثر فيها المرافق والمؤسسات العامة المرشحة للقصف. وجعلت حقيقة أن عشرات الأشخاص لقوا حتفهم لمجرد أنه تصادف وجودهم بالقرب منها، لحظة تعرضها للقصف، محيط هذه المرافق ما يشبه «المناطق المحرمة» التي يحظر الوصول اليها أو حتى الاقتراب منها. وأخلت الكثير من العائلات التي تقطن بالقرب من هذه المرافق منازلها وانتقلت للعيش لدى اقاربها في مناطق اخرى. وتنفست الكثير من العائلات التي تقطن بالقرب مجمع الوزارات المعروف بـ«ابو خضرة» الصعداء عند قصفه الليلة قبل الماضية بعدة أطنان من المتفجرات لأنها تركت منازلها قبل القصف ادراكا منها بأن هذا ما سيحصل في النهاية، مع أن منازل هذه العائلات تضررت بشكل كبير.

وغزة، أكبر مدينة فلسطينية في القطاع من حيث عدد السكان، بدت كمدينة اشباح يتحرك فيها الناس بحذر شديد وكأن الواحد فيهم ينتظر قدره المحتوم في كل لحظة. وقال نبيل إبراهيم الذي يعمل ممرضاً في احد مستشفيات القطاع إنه غير مستعد للتوجه الى المدينة لتسلم راتبه من البنك خشية أن يتعرض لمكروه في حال تحركه في شوارع مدينة غزة، رغم أن ما لديه من نقود قد نفد منذ اسبوع. وبسبب حالة الهلع والخوف التي تستبد بها، فإن الكثير من العائلات الفلسطينية تحاول أن تتجه للنوم مبكراً حتى لا تكون يقظة لحظة وقوع عمليات القصف. نضال حمد الذي يقطن بركة الوز، وسط القطاع، قال لـ «الشرق الاوسط» إنه وافراد عائلته ينامون فور ادائهم صلاة العشاء لتقليص إمكانية تعرض الأطفال لحالة الهلع والخوف الناجمة عن عمليات القصف.