الاستثمارات الأجنبية المباشرة يمكن أن تشهد ارتفاعاً في لبنان العام الحالي

الخبراء ينقسمون حول آفاق 2009 اقتصادياً ومالياً والبعض يخشى من تأثير عودة العمالة من الخليج

TT

اذا كان لبنان، بين دول قليلة في العالم، استطاع أن ينأى بنفسه عن انعكاسات الأزمة المالية العالمية خلال العام 2008، وأن يسير بعكس التيار السائد في العالم شرقاً وغرباً، بفضل التشريعات والضوابط التي اعتمدها مصرف لبنان المركزي ولجنة الرقابة على المصارف بصورة خاصة، فإن آراء المحللين والخبراء تتباين وحتى تتعارض في شأن ما يؤول اليه الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان خلال العام الجديد. فالبعض يصر على رسم السيناريوهات التفاؤلية، فيما يتوقع البعض الآخر السيناريوهات التشاؤمية.

فإذا أخذنا الجانب التفاؤلي لوجدنا أن من يمتشق هذه النظرة يستند الى نتائج العام 2008، كما فعل بنك لبنان والمهجر الاستثماري (بلوم انفست) في تقرير أخير له، حيث اعتبر ان «العالم غرق في أزمة مالية واقتصادية هي الأكثر حدة منذ العام 1929 في حين أن لبنان سبح عكس التيار، بحيث سجل أعلى نسبة نمو اقتصادي منذ الحرب، بلغت 8 في المائة (البعض يعتبره رقماً مضخماً) في الوقت الذي سجلت الاقتصادات المتقدمة أسوأ نمو (3.7 في المائة) وأسوأ ركود اقتصادي.

ويعتبر التقرير انه «اذا كان العام الجديد يبدو قاتماً بالنسبة الى الاقتصاد العالمي، فهو يبدو بالنسبة الى الاقتصاد اللبناني الازهى شرط ان يستمر الاستقرار السياسي»، ويرسم خبير اقتصادي سيناريو مماثلاً لتقرير «بلوم انفست» فيشير الى ان الانفاق السياحي والاستثمارات الأجنبية المباشرة يمكن ان تزداد في العام 2009 للأسباب التالية: أولها ان لبنان يبقى أحد المقاصد السياحية الارخص في المنطقة، ويمكن لعدد السياح، العام الحالي، أن يتجاوز العدد في العام 2008، وثانيها انعكاس اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية ايجاباً على عدد السياح في النصف الثاني من العام الماضي، ويتوقع ان يستمر هذا التوجه في العام 2009، بحسب الخبير نفسه، شريطة ان يبقى الوضع السياسي مستقراً. ويؤكد الخبير ان الاستثمارات الأجنبية المباشرة يمكن ان تشهد ارتفاعاً على الرغم من الانخفاض العام في العالم، وذلك بفضل كون لبنان بلداً ملجأ للاستثمارات العربية، التي يستفيد منها لبنان، ولا سيما في مجال القطاع العقاري وقطاع الخدمات العالي الاداء، وكذلك القطاع الصناعي المتزايد التنافسية منذ التراجع الكبير في اسعار النفط. وفي اعتقاد المتفائلين ان لبنان سيكون من الدول النادرة التي ستخرج سليمة أو أقل خسارة من الأزمة. فقطاعه المصرفي بقي سليماً، وكبار المستثمرين يبدون أكثر اهتماماً بالسوق اللبنانية. وخير دليل على ذلك اقدام وكالة «موديز» على رفع تصنيف الدين السيادي والمصارف الخاصة من «مستقر» الى «ايجابي» في الوقت الذي مالت تصنيفات معظم الاسواق العالمية نحو الانخفاض، ويعتبر تقرير «بلوم انفست» ان رفع تصنيف لبنان من شأنه أن يفتح شهية المستثمرين العالميين للسوق المحلية.

وفي مقابل هذه الصورة الزاهية التي ينظر اليها المتفائلون، التي تتمثل بنمو اقتصادي يبلغ 6 في المائة هذا العام، صورة قاتمة ينظر اليها المتشائمون على اساس ان الازمة المالية العالمية أشبه بـ «فيروس البرد» لا بد من أن ينتقل ليصيب كل اقتصادات العالم. وفي هذا المجال يقول الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة لـ «الشرق الأوسط»: «ان لبنان الذي يمر بمرحلة نمو ضعيف يتحول مع مطلع العام الجديد الى ركود اقتصادي وذلك لأسباب داخلية وخارجية»، ويعتبر «ان الدول المصدرة لليد العاملة، بصورة خاصة، الى الخليج كلبنان ومصر والاردن ستستقبل قسماً من أبنائها العاملين في المنطقة بعد صرفهم من العمل نتيجة التحولات الناجمة عن تداعيات الازمة العالمية. وهكذا ستفقد هذه البلدان موارد مالية ضخمة كانت تتأتى من العاملين في الخارج. وستشهد الدول المصدرة لليد العاملة ركوداً ناجماً عن تراجع الاستهلاك والاستثمارات، كما انها ستشهد ضغوطاً في أسواق العمل بالنظر الى محدودية الفرص المتاحة». ويرى حبيقة أيضاً «ان المناخ الاجتماعي سيتأثر سلباً، وربما أعمق مما هو في الدول الغربية، ولذلك ينبغي للمسؤولين اللبنانيين أن يبدأوا بتطبيق منطق الشفافية من خلال تحضير اللبنانيين لتقبل هذا الركود، وعليهم ان يتوقفوا عن الادعاء بأن لبنان تحميه يد خفية أو غير خفية غير موجودة فعلاً. والفارق الأساسي بين وضعنا اللبناني والنموذج العالمي هو ان أزمتنا ستبدأ في القطاع الحقيقي، أي الاستهلاك والاستثمار. وحتى البنوك، التي حافظت على سلامتها وصلابتها، لا يمكنها ان تبقى بعيدة كلياً عن هذا الجو العابق بالارتباك».

وفي اعتقاد حبيقة «ان مناخ التفاؤل الذي أشاعه المسؤولون ستكون له نتائج عكسية عندما يتأكد انه غير واقعي، ولا أساس علمياً له».