مباحثات الغاز الروسية ـ الأوكرانية في بروكسل بعد جولة موسكو ما زالت من دون ثمار

الأزمة تعيد أوروبا الشرقية إلى «العصور الوسطى» في اعتمادها على الحطب وقودا وتغلق المدارس والمصانع

دول الكتلة السوفياتية السابقة مثل بلغاريا التي تعتمد 100% على روسيا لتلبية حاجاتها من الغاز هي الأكثر تضررا في أوج موجة من البرد والصقيع (رويترز)
TT

فاجأ الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو، الأوساط الروسية بطلب الاتصال الهاتفي مع نظيره الروسي دميتري ميدفيديف، بحثا عن سبيل للخروج من الأزمة الراهنة المتعلقة بوقف صادرات الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية. وقالت المصادر الرسمية للكرملين، ان ميدفيديف صارح يوشينكو بأن استئناف ضخ الغاز الروسي الى اوكرانيا، يتطلب عقد اتفاق جديد بين مؤسستي «غاز بروم» الروسية و«نفتوغاز» الأوكرانية، يحدد العلاقة بين الجانبين بموجب أسعار السوق العالمية من دون أية تخفيضات أو تنازلات. ولفت ميدفيديف نظر محدثه الأوكراني، الى أن موضوع صادرات الغاز الروسية الى اوكرانيا والشركاء الأوروبيين، قضية تتعلق بتنفيذ الالتزامات الاقتصادية، وانها لا علاقة لها بالسياسة. ودعا الرئيس الروسي نظيره الاوكراني الى اصدار تعليماته الى ممثلي الهيئات المعنية بشؤون الطاقة لاستئناف المفاوضات، التي قال ان موسكو على استعداد لاستئنافها فورا. وعلى ضوء نتائج هذه المكالمة التليفونية، كشف سيرغي كوبريانوف المتحدث الرسمي لمؤسسة «غاز بروم» عن أن الكسي ميللر رئيس «غازبروم» الروسية، واوليغ دوبينا رئيس «نفتوغاز» الاوكرانية، التقيا وجها لوجه في موسكو ليلة امس الخميس، قبيل سفرهما الى بروكسل، حيث جرت مناقشة السبل المناسبة للخروج من الأزمة الراهنة.

وكان كلاهما قد وصل الى بروكسل، بهدف استمالة الأطراف الأوروبية الى موقفه، بعد اعلان الجانبين عن موافقتهما على ايفاد مبعوثين اوروبيين للرقابة على استئناف موسكو لضخ الغاز عبر الاراضي الاوكرانية، وضمان الحيلولة دون تسرب او حسب التعبير الروسي «سرقة» المخصصات الأوروبية من صادرات الغاز الروسي. ويأمل الاتحاد الأوروبي في اعادة امدادات الغاز الروسي الى اوروبا بسرعة كبيرة، عبر التوصل الى اتفاق بين الشركتين بشأن وسائل ارسال مراقبين للتحقق من كمية الشحنات بين موسكو وكييف. ويكثف رئيسا المجموعتين اليكسي ميللر واوليغ دوبينا لقاءاتهما في بروكسل، في محاولة للخروج من المأزق، من دون ان يعرف مضمون محادثاتهما بالتحديد والتي لم تتمخض عن نتائج مثمرة بعد.

وهكذا قام رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو، والمفوض الاوروبي للطاقة اندريس بيبالغز، ووزير الطاقة التشيكي مارتن ريمان الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي صباح الخميس، باستقبال ميلر، ثم دوبينا بعد الظهر.

وجرت محادثات مقتضبة بين هذين اللقاءين بين ميلر ودوبينا، لكن أي ممثل للاتحاد الاوروبي لم يكن ممثلا فيها، وبقي عقد اجتماع بين الاتحاد الاوروبي و«غازبروم» و«نفتوغاز» غير مؤكد، بعدما كان متوقعا في الاساس.

ورغم ما سبق وقاله الرئيس الروسي ميدفيديف، من ان الازمة الراهنة قضية اقتصادية، ولا علاقة لها بالسياسة، نقلت المصادر عن ادريان سيفيرين رئيس اللجنة الاوروبية لشؤون التعاون مع اوكرانيا قوله، ان القضية ذات طابع سياسي، وعلى طرفيها الجلوس معا لبحث السبل المناسبة للخروج من المأزق الراهن. غير ان موسكو تظل عند موقفها من ضرورة التزام اوكرانيا بالاتفاقيات الموقعة حول عبور الغاز الروسي الى اوروبا، بالاسعار التي حددتها الاتفاقيات المشتركة والسارية المفعول حتى نهاية عام 2010. ويطلب القادة الأوروبيون نتائج سريعة. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الخميس في باريس، ان على الروس «ان يحترموا التزاماتهم التعاقدية بالنسبة الى الأوروبيين». وذكر ساركوزي اوكرانيا في الوقت نفسه، بأنه فعل «الكثير لها» مع بدء «شراكة تفضيلية». وتأثرت دول اوروبية عدة من انقطاع شحنات الغاز الروسي، وانما بدرجات متفاوتة.

والأكثر تضررا، في أوج موجة من البرد والصقيع، هي دول الكتلة السوفياتية السابقة، مثل بلغاريا التي تعتمد مائة في المائة تقريبا على روسيا، لتلبية حاجاتها من الغاز.

ويأمل الاتحاد الاوروبي ان يجد الوضع حلحلة عبر نشر مراقبين على محطات ضخ الغاز بين روسيا واوكرانيا ـ وهو مبدأ وافقت عليه موسكو وكييف ـ للتحقق من ان كميات الغاز التي تسلمها روسيا تعبر اراضي الدولة السوفياتية السابقة من دون أي خسارة.

الا ان ارسال مراقبين قد يتطلب «يومين الى ثلاثة ايام»، بحسب مسؤول كبير في المفوضية الاوروبية. ذلك ان روسيا جعلت من هذا الملف شرطا لاستئناف شحنات الغاز. وهو الأمر الذي يدعو الى الاعتقاد ان اعادة الشحنات الى وضعها الطبيعي، لن يحصل في افضل الأحوال قبل نهاية هذا الاسبوع.

وقد دفعت الأزمة الملايين من سكان البلقان وأوروبا الشرقية، إلى البحث عن بدائل للغاز الروسي، عبر التدفئة بالحطب، واستخدام المدافئ الكهربائية، لكن ذلك اصطدم بندرة المعروض منها في السوق، مما ضاعف من المعاناة. وقالت نجاة عموديتش، 51 سنة، لـ«الشرق الأوسط» في القرن الواحد والعشرين، نعود لأساليب القرون الوسطى في التدفئة، ولكننا لا نجدها للأسف»، وتابعت «قطع الغاز في ظل انخفاض درجة الحرارة إلى 10 وحتى 20 درجة تحت الصفر، يؤكد بأنه لا توجد اخلاق في السياسة».