غسّان السليمان لـ«الشرق الأوسط»: كلفة التنفيذ تقلصت.. وسنقدّم طرحًا جديدًا لمُلاّك العقارات في 15 يناير

الأزمة الاقتصادية العالمية تجبر إدارة مشروع تطوير وسط جدة على إعادة دراسة المشروع

غسّان السليمان
TT

العالم، قبل أزمة الاقتصاد العالمي في 2008، ليس هو نفسه بعدها، هذه الحقيقة التي عانت منها شركات القطاع الخاصّ الأمرَّين، في الفترة الماضية، دفعت العديد من الشركات إلى إعادة النظر في مشروعات حظيت بالاهتمام الإعلامي، لفترات طويلة، وإعادة دراسة جدوى هذه المشروعات، على ضوء المعطيات الجديدة، وبحث الحلول المناسبة للتمويل والاستمرارية، لكن بشكل شبه سرّي هذه المرة، ودون الصخب الإعلامي الذي صاحب الإعلان عنها في البداية.

الدكتور غسان أحمد السليمان، رئيس مجلس إدارة شركة تطوير وسط المدن تحدث لـ «الشرق الأوسط» من جدة حول تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على مشروع تطوير وسط جدة، وهو المشروع الذي يُقام بواسطة شراكة استراتيجية بين أمانة محافظة جدة، والهيئة العليا للسياحة والآثار، مع الشركة المنفّذة لمشروع تطوير وسط جدة، شركة تطوير وسط المدن، التي تضمّ كلا من شركة التطوير العمراني المحدودة السعودية، وشركة سوليدير إنترناشيونال المحدودة المسجلة في مركز دبي العالمي، ومنبثقة من شركة سوليدير بيروت، وشركة سراج كابيتال السعودية، والشركة التجارية العقارية، والكويت، وبنك فيرنتشر كابيتال من مملكة البحرين، بناءً على مذكّرة تفاهم. السليمان سلّط، في حواره مع «الشرق الأوسط»، الضوء على نتائج الدراسة الجديدة، وأهمّ التعديلات التي ستطال المشروع الذي سيقام في الوقت المحدد له ودون تأخير، وفي ما يلي نص الحوار...

* بدايةً، ما حجم تأثير الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم على مشروع تطوير وسط جدة؟

- من المعروف، أن الأزمة الاقتصادية الراهنة طالت العالم كله، وطال تأثيرها اقتصادات الدول، كما طال الشركات والمشروعات، ونحن لا نستطيع إنكار التأثير السلبي لهذه الأزمة علينا، ولذلك قمنا بورشة عمل لمراجعة طرحنا السابق والدراسات المالية السابقة، التي بُنيت على أرقام ومعطياتِ وضعٍ مختلف، وأنهينا هذه الدراسات، وبناءً عليها، سيكون لدينا طرح جديد أقوى من السابق، سنعلن عنه في منتصف يناير، حاولنا فيه تلافي جوانب سلبية في طرحنا السابق. ووجدنا للأزمة الراهنة في الوقت نفسه فوائد سنوظّفها لصالح المشروع. فليس من الحكمة ولا من الإنصاف الاستمرار في المشروع حسب وضع سابق، دون إخضاعه للمراجعة مرة أخرى، ونحن حاليًّا انتهينا من فترة المراجعة الأوّلية بالكامل، ومن أبرز ما تَوصّلنا إليه، تقلص تكلفة التنفيذ، مقارنة بما احتسبناه سابقًا، لتراجع أسعار مواد البناء.

* ما أبرز الجوانب السلبية والإيجابية التي كشفت عنها مراجعتكم للطرح السابق؟

- من الجوانب السلبية لطرحنا السابق، مواجهة صعوبات في التمويل، فالسيولة في البنوك ليست كما في السابق، وكذلك قابلية البنوك للإقراض والتمويل، سواء كانت أجنبية أو محلية، لم تعد كالسابق، وحتى المشروعات القوية والضخمة تواجه صعوبات في التمويل. أما الإيجابيات التي تمخضت عنها الأزمة، لحسن الحظ، فعلى رأسها أن تسويقنا لأصحاب العقار في وسط جدة الآن أقوى عما كان عليه في السابق، وذلك لسببين: الأول، استفادتنا من طروحات وأفكار أصحاب العقار أثناء عملية المراجعة، ومعالجتنا لنقاط الضعف في هذا المجال، والجانب الآخر، أن الخيارات الآن أمام أصحاب العقار أصبحت محدودة عمّا كانت عليه، لأن السوق في تراجع، وليس هناك شراء وبيع بقوة.

* علامَ يرتكز طرحكم الجديد؟

- عرضنا الجديد لمُلاّك العقارات، في منطقة وسط جدة، هو تنويع الخيارات أمامهم. في السابق كان لدى صاحب العقار خيار وحيد، هو الانضمام إلى شراكة معنا، يمتلك بموجبها أسهمًا في الشركة الأم، مقابل أرضه، والآن هناك عدّة خيارات، منها شراكة محدودة تؤمّن لصاحب العقار أن يطوّر نفسه بناءً على المخطط الجديد. ثالثًا، أن تكون هناك شراكة نوفر نحن بموجبها السيولة المطلوبة للتطوير، في حال كان الموقع مناسبًا لشروط معيَّنة، واعتبارات تخدم المخطَّط الكلي، الذي نعمل على تحقيقه في المنطقة، حتى لو كان الموقع أو الأرض خارجًا عن ملكية الشركة. وقد نعرض على صاحب العقار تمويل تطوير عقاره بالكامل، إذا لم يكُن قادرًا على تطوير الموقع بنفسه، من خلال التمويل ومن خلال الاستشارات التي سنقدمها.

* هل ستؤثر إعادة دراسة المشروع على الفترة الزمنية المحدَّدة للانتهاء منه؟

- مشروعات التطوير العقاري ترتبط، بشكل أساسي، بسياسة العرض والطلب، ولا يمكننا أن ننجز شيئًا إلا بحسب الدراسات، التي تعتمد على سياسة العرض والطلب. ونحن، كمطوِّرين عقاريِّين، نحاول جاهدين تغطية الفجوة التي تحدث بين العرض والطلب، وعليه قمنا بهذه الخطوة، وفي الوقت نفسه لن يكون هناك أي تأجيل للمشروع، أكثر من فترة 6 أشهر، احتسبناها من البداية كفترة مراجعة للمشروع، وكذلك بقية المطورين العقاريين في جدة، معظمهم يحتسب فترة من 6 إلى 9 أشهر للمراجعة.

* الكثير من المراقبين والمحللين يتوقعون تراجعًا كبيرًا لأداء السوق العقارية، وهبوطًا شبيهًا بما حدث في سوق الأسهم، هل تتوقعون أن تتراجع سوق العقار إلى هذا الحد؟ وكيف سيؤثّر ذلك على مشروعات التطوير العقاري؟

- فيما يتعلق بتراجع أداء السوق العقارية، فالإجابة هي: نعم، ولا. عند مقارنة أسعار الأراضي في المملكة بالدول المجاورة، نجد أنها أرخص، حتى في المواقع الأكثر غلاءً في جدة والرياض، مقارنةً بالمناطق الأعلى سعرًا في الدول المجاورة، حتى غير المنتجة للبترول، وعليه أجيب عن سؤال«هل سيكون هناك انخفاض في الأسعار؟» بـ«نعم»، لكنه انخفاض سيطال المخططات بالضواحي أكثر، خصوصًا تلك التي شهدت ارتفاعًا مبالَغًا فيه، وغير منطقي. التعديل الأقوى سيطال هذه المناطق، وإذا كان في أسعار الأراضي الأخرى ذات سمة الجذب العقاري الدائمة تعديل، فسيكون محدودًا ومعقولاً، لا يتجاوز 10 إلى 15 في المائة.

* متى ستبدأ أعمال الإنشاء والبنية التحتية على أرض الواقع؟

- الإنشاء نوعان، إنشاء مبانٍ، وإنشاء بِنًى تحتية، وسنبدأ بها في أسرع وقت ممكن، سنبدأ مرحلة التعاقد للتنفيذ بنهاية 2009 بعد احتساب فترة التأخير لمدة 6 أشهر والتي أشرنا إليها سابقًا، كذلك سنختار بعض المشروعات التي تمثل نقاط جذب مثل مشروع عين جدة الذي تم الإعلان عنه سابقًا لنبدأ في تنفيذه بالتزامن مع البدء بمرحلة تنفيذ مشروعات البنى التحتية كسبًا للوقت، وكذلك سنقوم بالتعاون مع المطورين الآخرين الذين لديهم مواقع في منطقة وسط جدة ومهتمين بتطويرها ليباشروا بمشروعاتهم على ضوء المخطط النهائي للمنطقة والذي ستعتمده الأمانة في فترة الصيف، لنتمكن من تقديم معلومات متكاملة للمطورين.

* المعايير التي ستطبق في المشروع، هل هي ذاتها التي تلتزم الأمانة بتنفيذها، أم أن المشروع يعتمد معايير عالمية؟

- البنى التحتية التي لدينا التزام بتنفيذها تلتزم معايير إضافية أكثر جودة مما تقدمه الأمانة، سنركز على تنظيف البحيرات، وتحسين وضع المنطقة التاريخية، وتأمين بعض المرافق غير المتواجدة مثل مواقف السيارات، والمناطق الخضراء. وحاليًا ندرس مع الأمانة ونناقش معهم أن نحسّن جودة البنى التحتية التي تنفذها الأمانة نفسها، بمعنى أن نضيف إلى قيمة المبالغ التي ترصدها الأمانة لإقامة البنى التحتية ليتسنى لنا تنفيذها بجودة أكبر.

* تقصد أن هذا التعاون سيتم في مناطق أخرى خارج منطقة وسط جدة أو المنطقة التاريخية؟

- الأمانة مكبلة بميزانية لا تكفي لحل مشكلات البنية التحتية التي تراكمت في مدينة جدة منذ عشرات السنين، وهي قطعًا لا تكفي لتمويل التحسينات المطلوبة، ولذلك خرجت الأمانة بمعادلة الشراكة مع القطاع الخاص بحيث تمنحه منفعة مقابل تمويله جزءًا من الالتزامات المالية التي تتحملها عادة الجهات الحكومية لتطوير مرافق وبنى المدينة مثل مشروعات تطوير وسط جدة والرويس وخزام، ومع هذا فإن ما يبذل حالياً غير كافٍ ويحتاج إلى المزيد من الوقت بسبب تراكم المشكلات عبر السنين. لا بد أن ننظر إلى التغير الذي أصاب الاقتصاد العالمي والذي سيطال العالم وهو لا يقتصر على التمويل فقط ولكنه سيطال أيضًا الطلب العالمي الذي سيتراجع كثيرًا كنتيجة للأزمة. فشركات البتروكيماويات على سبيل المثال ستطالها الأزمة من ناحية تراجع الطلب، لأن معظم عوائدها تعتمد على التصدير.

* وكيف سيؤثر هذا على الاقتصاد السعودي، برأيك؟

- أرى أن التأثير لن يكون كبيرًا على السعودية، لكنه سيكون موجودًا ومحدودًا. هناك قطاعات ستتأثر بشكل أكبر، وقطاعات بشكل أقل، على سبيل المثال من بينها القطاعات الصحية وموادّ الغذاء وقطاعات التعليم والتدريب، فالتأثر سيكون بشكل طفيف، وقد لا يُلمس مطلقًا. وعلى العكس من ذلك قطاعات البتروكيماويات، التي ستعاني قليلاً، بسبب اعتمادها على الطلب العالمي، وعلى التصدير، ومع ذلك ستظل لها الأولوية عالميًّا، ولها قدرة تنافسية أفضل من غيرها، ومن وجهة نظري، فإن قطاع البتروكيماويات، في الخليج والصين، هو الأفضل عالميًّا، وستكون له الريادة على المدى البعيد، وسأضرب مثلاً للقطاعات التي ستتراجع بسبب تراجُع الطلب عليها، قطاع الأسمنت، كانت الدراسات كلها تشير إلى أن الإنتاجية التي رخّص لها أكبر من الطلب الموجود، ومتى اكتمل عدد المصانع المرخصة لها، فسيكون هناك حجم إنتاج كبير بالنسبة إلى الطلب، وذلك ينطبق على قطاعات أخرى، كموادّ البناء والحديد وغيرها. وسيكون هناك فائض كبير يصعب تصديره، لأن الأسواق العالمية تعاني من المشكلة نفسها.

* وماذا عن توقعاتكم بالنسبة إلى أداء قطاع التطوير العقاري في السعودية، في الفترة المقبلة؟

- ميزة التطوير العقاري في السعودية أن الطلب داخلي، وليس البناء واستقطاب الطلب من الخارج كما هو حاصل في دبي مثلاً، إضافة إلى أن جوانبَ سلبيةً، مثل عدم وجود نظام رهن عقاري، وآليات للتمويل، يمكن القول إنها كانت «ضارّة نافعة»، إذ إن افتقاد السوق السعودية لهذه الآليات، حال بينها وبين المضاربة، وبالتالي جعل السوق متوازنة، وفي منأى عن الارتفاعات الخيالية، والسقطات القوية. ومع هذا، يمكننا القول إن السوق السعودية العقارية، يمكن أن تكون أقوى بكثير، مما هي عليه الآن. لو تمّ استحداث آلية التمويل العقاري هذه، وتسهيل آليات تملّك الأجانب، وأُعيدَ النظر في الآلية القائمة، أتوقع أن تعود السوق في هذه الحالة للارتفاع، بصورة أكبر مما يتخيله الكثيرون، وستكون هناك طفرة عقارية قوية.

تجدر الإشارة إلى أن المشروع أُطلقَ في 16 أكتوبر 2008م، بعد توقيع اتفاقية للتطوير الحصري لمنطقة وسط جدة، مع أمانة المحافظة، وتُقدَّر كلفة البنية التحتية للمشروع بـ3.5 بليون ريال.