سقوط النظريات

TT

هذه الأزمة المالية العالمية الاقتصادية جعلتنا نعيد النظر في النظريات الاقتصادية السائدة، بل جعلتنا نؤمن أن جميع نظريات الاستثمار سقطت وكذلك نظريات الاقتصاد. فمثلا أحد الأسس الاستثمارية توزيع خارطة استثمار الفرد جغرافيا، كأن يستثمر جزءا من أمواله في سوقه المحلي وجزءا في أسواق عالمية أخرى ناشئة، ولكن هذه الأزمة أجبرت جميع الأسواق على التراجع بدءاً من نيويورك وانتهاء بسيئول، مما جعل نظرية التوزيع تسقط، إذ كانت سابقا تفترض هبوط سوق وارتفاع سوق أخرى مما يعطي المستثمر ديناميكية في الحركة بمراجعة خارطة استثماراته. السقوط الآخر جاء عبر التوزيع حسب النشاطات، فمثلا تتوزع خارطة الاستثمار على قطاعات ونشاطات مختلفة مثل المصارف والبتروكيماويات والتأمين والعقار والإنشاء وغير ذلك، ولكن حتى هذه سقطت، لأن الأزمة جعلت جميع النشاطات تتراجع بدءاً من صناعات السيارات وانتهاء بخدمات المصارف. وإذا كانت النظرية الاشتراكية قد سقطت مع سقوط الاتحاد السوفيتي فإن النظرية الرأسمالية بحاجة للمراجعة وإعادة النظر. ويعود السبب في سقوط النظريات الاقتصادية لأنها تفترض اشتراطات يصعب تحقيقها فهي تشترط مثلا وصول المعلومة بكفاءة للجميع وفي وقت واحد وهذا مستحيل لأن المعلومة تصل لأفراد بحكم مواقعهم في اتحاد القرار دون الآخرين.

الأمر الآخر النظرية الرأسمالية تفترض عدم تدخل الدولة وهذا مستحيل لأن الدولة تجد نفسها مضطرة للتدخل تحت ضغط أصحاب المصالح والحاجات ولكسب رضى الناس، مما يجعل مثل هذه النظريات متغيرة وغير ثابتة.

وهذا عكس النظريات العلمية التي تكون معطياتها ثابتة، فقانون الجاذبية ثابت لأن كل شيء يسقط من أعلى إلى أسفل ولا يخالف إلا بقانون نظري ثابت مثل صعود الماء من أسفل إلى أعلى في الأشجار ووفق نظرية الخاصية الشعرية بمعنى أن أي كسر لنظرية يتم وفق نظرية أخرى. فيما نظريات الاقتصاد تفترض ثبات التصرف الإنساني، وهذا مستحيل، مما يجعل النظريات تسقط أو تكون بحاجة للتجديد والمراجعة. وهنا يظهر تفوق رجل أعمال على آخر حينما يحس بترهل هذه النظريات وعدم تطابقها مع الواقع المعيش ويتخذ قرارات استثمارية غريبة في وقتها، ومع الزمن نكتشف أن جهاز الحساسية لديه كان عاليا، لذلك خرج من الأزمة بدون أضرار أو بأضرار قليلة، ونكتشف أنه نجح وأسس نظرية اقتصادية جديدة.

* كاتب اقتصادي [email protected]