اختيار رئيس حكومة جديد في إسرائيل يتوقف على نتائج الحرب في غزة

أكبر المستفيدين هما: نتنياهو وباراك.. وانتقادات لـ ليفني لترددها

TT

لم يعد سرا ان الانتخابات البرلمانية المقررة الشهر المقبل في اسرائيل لعبت دورا ذا أهمية وتأثيرا على قرار الخروج الى الحرب العدوانية ضد قطاع غزة. لم يكن ذلك في قرار الجيش الاعداد لهذه الحرب ولا في قراره الانطلاق للحرب، ولكن في قرار السياسيين. بيد ان الأمر الواضح والمؤكد والمثبت، هو ان الأحزاب الاسرائيلية، جميعها، حاولت وما زالت تحاول الاستفادة من هذه الحرب بطريقتها، لجعلها مكسبا انتخابيا، سواء كان ذلك في الحكومة أو في المعارضة.

وتشير نتائج آخر استطلاعات الرأي، الذي أجراه معهد تابع للقناة العاشرة في التلفزيون (تجاري مستقل)، الى ان أكبر المستفيدين من الحرب هما: بنيامين نتنياهو، رئيس الليكود المعارض، وايهود باراك، رئيس حزب العمل الشريك في الحكم. فالأول يثبت وضعه في رأس خريطة الأحزاب الفائزة، ولديه 31 مقعدا (من مجموع 120 نائبا في البرلمان الاسرائيلي). والثاني، باراك، الذي هبطت شعبيته الى الحضيض وتنبأت له الاستطلاعات بأن يهبط من 19 نائبا حاليا الى 7 ـ 8 نواب، رفعه الاستطلاع الجديد الى 16 نائبا. وهذه نسبة تعتبر عالية جدا، ويتوقع باراك أن يرفعها أكثر.

ارتفاع نتنياهو يفسر بأمرين، الأول انه يمثل اليمين المتطرف الذي يؤدي عادة خطابا حربيا متشددا وفي الأسابيع الأخيرة (منذ أن بدأت حماس تستأنف قصفها الصاروخي للبلدات الاسرائيلية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بشكل خاص)، كان يحث الحكومة على الخروج الى هذه الحرب ويتهمها بالخوف وبالجبن وبتحطيم قوة الردع الاسرائيلية، وكان نتنياهو بهذا يعبر عن نفسية أوساط واسعة من الجمهور الاسرائيلي وخصوصا في البلدات الجنوبية التي يعاني ثلاثة أرباع المليون نسمة من القلق بسبب الصواريخ الفلسطينية. والأمر الثاني ان نتنياهو تصرف بمسؤولية خلال الحرب، فأعلن عن تجميد الدعاية الانتخابية خلال الحرب ودعمه الكامل للحكومة وطلب منه رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، أن ينضم الى طاقم المدافعين عن اسرائيل في الاعلام خلال الحرب فوافق.

أما بارك فقد ارتفعت أسهمه لأنه بقيادته المباشرة لهذه الحرب، استعاد لنفسه شخصية الجنرال المقاتل. فالجمهور لا يحب باراك وينسى له تاريخه العسكري الثري، وفي هذه الحرب يذكرون من جديد. فهو الجنرال الحامل لأكبر عدد من أوسمة الشجاعة في تاريخ الجيش الاسرائيلي. وهو خبير كبير في المعارك، وقد أظهر هذه الخبرة بوضوح خلال وضع خطط الحرب والتدريبات عليها وحاليا خلال ادارة الحرب. وإذا كان معسكر السلام الاسرائيلي يمقت باراك بشكل خاص، فإنه اليوم يعود اليه لأنه يحاول التخفيف من العدوان باتفاق لوقف النار منذ الأسبوع الماضي. وبهذا يبدو للاسرائيليين انه متزن وغير متطرف.

تسيبي لفني، زعيمة حزب «كاديما» ووزيرة الخارجية، من جهتها ترتفع من 26 الى 27 مقعدا في الاستطلاع المذكور. وهذا مهم، ولكن حزبها يحتل اليوم 29 مقعدا. وينتقدها رفاقها على ترددها خلال الحرب وغيابها عن الساحة، مع ان أولمرت عينها شريكة له ولباراك في ادارة الحرب. فهي تقول مثلا يجب القضاء على حكم حماس وعلى تنظيمها وقوتها العسكرية وفي الوقت نفسه تقترح الانسحاب من غزة فورا من جانب واحد ومن دون اتفاق على شيء.. «فإذا عادت حماس الى اطلاق الصواريخ نرد عليها ببالغ القوة». ولهذا فقد ازدادت ضعفا، والتأييد للحزب يأتي عمليا من ارتفاع أسهم رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، الذي يثر اعجاب الصحافة والخبراء في شكل ادارته للحرب وطريقة كلامه في تبريرها.

بيد ان القضية الأهم التي يبينها هذا الاستطلاع هي احتمال أن يتساوى عدد نواب معسكر اليمين ومعسكر اليسار في هذه الانتخابات، بحيث يحصل كل منهما على 60 مقعدا. فحسب القانون الاسرائيلي، يقرر رئيس الدولة تكليف عضو كنيست واحد لتشكيل الحكومة. وهذا العضو هو النائب الذي يترأس أكبر كتلة برلمانية، أو النائب الذي يجمع أكبر عدد من النواب الذين يوصون رئيس الدولة بأن يكلفوه بتشكيل الحكومة.

فإذا ظهرت نتائج الانتخابات كما اشار هذا الاستطلاع فعلا، فإن الرئيس شمعون بيريس لا يكون ملزما بتكليف نتنياهو تشكيل الحكومة، فمع انه سيكون رئيس أكبر كتلة، لن يستطيع تشكيل حكومة أكثرية. وتستطيع تسيبي لفني عندها جلب تواقيع 60 نائبا يرشحونها لهذا المنصب (على أمل أن يؤيدها النواب العرب في الكنيست، علما بأنهم يتخذون موقفا كفاحيا حادا ضد الحرب ويتهمون بها أحزاب الحكومة، بما فيها حزب لفني). ولكن هي أيضا لا تضمن أن تشكل حكومة بهذا العدد.

وعليه، فإن كلا من نتنياهو ولفني، وكذلك باراك، يسعون انهاء الحرب على غزة بشكل يجعل كلا منهم يكسب لنفسه ولموقفه التأييد. نتنياهو من جهته يريد الاستمرار في الحرب حتى تلحق أضرارا أكبر لحماس. ولفني من جهتها تريد وقف الحرب من دون اتفاق حتى لا يسجل حماس أي مكسب فيها. وأما باراك فيريد انهاء الحرب تجاوبا مع رغبة معسكر اليسار من جهة، وبعد أن يخرج بنتيجة مفادها انه وجه ضربات قاصمة لحماس يستطيع أن يستعيد فيها أصواتا من الشارع اليميني أيضا. والهدف هو كسر ميزان القوى المتساوي القائم اليوم وفق الاستطلاع المذكور، كل لصالحه. ويحاول نتنياهو من الآن أن يكسب حزب العمل الى جانبه تحت يافطة تشكيل حكومة وحدة وطنية. ومع ان باراك يبدو أقرب الى نتنياهو من لفني على صعيد شخصي، فإن حزب العمل يميل الى بقاء الائتلاف الحالي مع لفني وليس مع نتنياهو. ويتردد في أروقة السياسة الحزبية ان نتنياهو يعرض على بارك «عرضا لا يستطيع رفضه»، مثل نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية وعدة حقائب وزارية مهمة. وعرض نتنياهو أضمن لباراك من عرض لفني، حيث انه في حالة انتقال حزب العمل الى المعسكر الآخر، ستكون هناك أكثرية 76 نائبا. وستكون الحكومة ثابتة. ويتردد أيضا ان أولمرت محتار بين تأييد لفني وباراك. فهو من جهة غاضب على باراك لأنه أول من تسبب في استقالته (اثر فتح 6 ملفات فساد ضده). ولكنه غاضب أيضا من لفني ويعتبرها قد خانته. بيد ان أهم ما يفكر فيه أولمرت هو متى وكيف يعود الى الساحة السياسية. فهو واثق انه سيتمكن من اثبات براءته من تهم الفساد وسيعود منتصرا الى الساحة السياسية. وسيتمكن من هزم لفني في رئاسة حزب «كديما». ومصلحته في هذه الحالة هي أن لا تصبح لفني رئيسة للحكومة وتكون قائدة ضعيفة للمعارضة. ويعني ذلك انه يتمنى أن يصبح نتنياهو رئيسا للحكومة، حتى يحصل ذلك. ومن هنا يأتي تعاونه المميز مع نتنياهو، الذي حرص على أن لا يهاجم أولمرت في قضايا الفساد. ومن هنا يعارض أولمرت في وقف اطلاق النار بشكل فوري. ويمنح الجيش يدا طليقة في اقرار الخطوات التالية.