المجازر توحد مناطق التماس والمناطق الساحلية في القطاع

مصور عرفات الشخصي وزوجته وأمه يقضون في قصف إسرائيلي استهدف شقتهم

TT

كان ايهاب الوحيدي يجلس الليلة قبل الماضية، برفقة زوجته رقية أبو النجا، وأمه في صالون شقته السكنية في «برج الأطباء» في حي «تل الهوا»، الساحلي الذي يقع غرب مدينة غزة.

المنطقة التي يقطن فيها الوحيدي الذي عمل لسنوات عديدة مصوراً شخصياً للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ضمن عمله كمصور في تلفزيون فلسطين، تخلو من المرافق والمؤسسات التي تقوم اسرائيل بقصفها عادة، فضلاً عن أن هذه المنطقة منطقة ساحلية، ولا تستخدم من قبل المقاومين الفلسطينيين في إطلاق القذائف الصاروخية على المستوطنات اليهودية المحيطة بالقطاع، وبالتالي لا مبرر منطقي لاستهدافها. الوحيدي نجل سفير فلسطين السابق في المغرب، وهو المصور الذي كان يرافق عرفات في كل رحلاته للخارج لتوثيق هذه الزيارات بالصور اعتقد أن مكروهاً لن يحدث له، بينما كان يتبادل أطراف الحديث مع أمه وزوجته، وبينما كان الثلاثة على هذا الحال حتى بدد الهدوء الذي كان يسود في المنطقة دوي انفجار قذيفة في قلب الصالون الذي كانوا يجلسون فيه، فقتل الثلاثة على الفور. معظم الذين يقطنون بالقرب من شاطئ البحر كانوا يفترضون أن طبيعة هذه المناطق ستجعلها أقل المناطق تأثراً بالحملة الإسرائيلية، فقد اعتقد الناس هنا أن جيش الاحتلال لن يهاجم هذه المنطقة على اعتبار أنها بعيدة عن الخط الفاصل بين القطاع وإسرائيل، ولا تستخدم من قبل للمقاومين في إطلاق القذائف الصاروخية تجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع. مساء اول من امس كان أفراد عائلة القرعان الذين يقطنون منطقة «المواصي» الساحلية التي تقع بين قرية الزوايدة ومخيم «دير البلح» في منازلهم، ولم يخطر على بال أحد منهم أن ما يحدث في مناطق التماس من مجازر يمكن أن يتكرر عندهم. لكن ما أن انتهى الأهالي في المنطقة من أداء صلاة العشاء في المسجد، وعادوا الى منازلهم، حتى فوجئوا بجنود خفر السواحل الإسرائيلي يطالبونهم عبر مكبرات الصوت مثبتة على زوارقهم الحربية بأن يغادروا منازلهم فوراً. رياض القرعان، 35 عاماً، الذي يعمل صياداً، شأنه شأن معظم الرجال هنا، أسرع الى دفع أفراد اسرته أمامه للفرار مسرعين شرقاً صوب قرية «الزوايدة» التي تقع للشرق من المكان، في هذه الأثناء كانت كل العائلات مشغولة في الفرار من المنازل، لكن بينما كان محمد وأفراد أسرته يبتعدون مسافة 50 مترا فقط من البيت وحولهم العشرات من أقاربهم، حتى أطلقت الزوارق البحرية الإسرائيلية عدداً من القذائف صوبهم، فقتل 13 من أفراد عائلة القرعان، وجرح 30 آخرين، بعضهم في حالة الخطر الشديد. في هذه الأثناء حاول إبراهيم القرعان، 41 عاماً، أحد الذين ظلوا أحياء رغم القصف، الإندفاع نحو تلة قريبة لكي يختفي خلفها في طريقه لـ«الزوايدة»، وبينما كان يتسلق التلة، فإذا بأحد الزوارق يطلق صوبه قذيفة تحوله الى أشلاء. ما حدث لإبراهيم جعل بعض الذين نجو من القصف وبعض الجرحى يقبعون في أماكنهم، ولم يبرحوها، حتى سمعوا صوت الزوارق وهي تغادر الشاطئ بعد ساعة من المجزرة. بعد 13 يوما على حملة «الرصاص المصهور»، لم تعد الإقامة في المناطق الساحلية ميزة بالنسبة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يقطنون هذه المناطق. وعلى الرغم من أنعدام المنطق والمبرر وراء استهداف الأهالي في هذه المنطقة التي لا تشكل خطراً على الأمن الإسرائيلي، فأن تعمد الجيش الإسرائيلي استهداف هذه المناطق يدلل على أن إسرائيل قررت تعميم المجازر في كل قطاع غزة لتتساوى في ذلك مناطق التماس التي تطلق منها الصواريخ، والمناطق الساحلية. وبات واضحاً أن إسرائيل تعتمد على سلاح البحرية في تنفيذ المجازر التي تستهدف المدنيين الآمنين في هذه المناطق. الفلسطينيون أصبحوا قادرين على تمييز أصوات الإنفجارات التي تحدثها عمليات القصف التي تتم بالزوارق البحرية. مصادر أمنية فلسطينية أبلغت «الشرق الأوسط» أن تركيز سلاح البحرية الإسرائيلي في الأونة الأخيرة على تنفيذ المجازر ضد المدنيين في المناطق الساحلية يهدف الى تشريدهم وذلك للمساعدة في تنفيذ عمليات انزال عبر البحر. وتشير المصادر الى أن الجيش الإسرائيلي يعتمد في ذلك بشكل خاص على وحدة «الكوماندوز البحرية»، أو ما يعرف بـ (القوة ثلاثة عشر)، منوهين الى أن الجيش الإسرائيلي يخطط عبر عمليات الإنزال عن طريق البحر الى مفاجئة المقاومين الفلسطينيين يستعدون للتصدي للوحدات الإسرائيلية الخاصة التي قد تتسلل عبر الحدود مع القطاع، أو تلك التي يتم انزالها عبر الجو. على كل الأحوال فقد بات واضحاً أن المجازر أصبحت توحد مناطق التماس الشرقية والمناطق الساحلية الغربية في قطاع غزة، فلا مكان آمن في القطاع.