حرب غزة.. حرب المكايد والحيل

الجيش يتصل بالأهالي لمعرفة تحركات المقاتلين.. وحماس تنصب المصائد للجنود

جمود اسرائيليون يريتدون ازياء مقاتلين فلسطينيين خلال تدريبات في صحراء النقب امس (ا ب)
TT

اتسمت الحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة المزدحم بالسكان، بالتكتيكات الجديدة والحيل العسكرية المميتة والمقدرة الكبيرة على التكيف سريعا. واستثمرت حماس، العامين الماضيين في تحويل غزة إلى متاهة مهلكة من الأنفاق والشرك والقنابل المزروعة على جوانب الطرق. ويقول مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون إن الأسلحة مخبأة في المساجد وأفنية المدارس ومنازل المدنيين، كما أن غرفة قيادة الحرب عبارة عن غرفة محصنة أسفل أكبر مستشفيات غزة. وحتى لا يبتلعوا الطعم الإسرائيلي ويظهروا في العراء، يقاتل مسلحو حماس بملابس مدنية، حتى أن رجال الشرطة وجّهوا إليهم أوامر بعدم ارتداء الزي الموحد. ويظهر المسلحون من الأنفاق ليقوموا بإطلاق النيران أو إلقاء القنابل المضادة للدبابات، وبعد ذلك يعودون للاختفاء، أملا في استدراج الجنود الإسرائيليين بنيرانهم هذه. وفي مبنى سكني في حي الزيتون، شرق غزة، نصبت حماس مصيدة قاتلة مبتكرة. فحسب ما يقوله صحافي إسرائيلي يصاحب القوات الإسرائيلية، وضع المسلحون دمية إنسان في رواق بعيدا عن المدخل الرئيس للمبنى بهدف جذب نيران الجنود الإسرائيليين، الذين قد يتسرعون ويظنون أن ما يرونه من خلال المناظير الليلة مقاتلا. ويتم إعداد الدمية للانفجار حتى يتهدم المبنى. وخلال مقابلة، قال الصحافي رون بين ييشاي، وهو مراسل بارز مختص بشؤون الجيش لدى صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن الجنود عثروا على كمية من الأسلحة مع منصة لإطلاق الصواريخ أعلى المبنى، وعندما حركوا المنصة «وجدوا أن فتيل قنبلة قد اشتعل، ولكنها لم تنفجر لسبب ما».

لقد بدأ الجيش الإسرائيلي الحرب بعد أن استعد لمعركة يعلم كلا الطرفين أنه لا مفر منها. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن كل جندي يرتدي واقيا للرصاص وخوذة، كما أن كل وحدة معها كلاب مدربة للكشف عن المتفجرات والأشخاص المختبئين في الأنفاق، بالإضافة إلى مهندسين مقاتلين مدربين على إبطال مفعول القنابل المخبأة. ويقول الإسرائيليون إنه لتجنب أي شرك، فهم يدخلون إلى المبنى عن طريق الحوائط الجانبية، بدلا من الدخول من الباب الرئيس، وبمجرد دخولهم، يتنقلون من غرفة لأخرى عن طريق تفجير فجوات في الحوائط الداخلية لتجنب التعرض للقناصة والانتحاريين الذين يرتدون ملابس مدنية، وأحزمة المتفجرات مخبأة تحت معاطفهم. ويقول الإسرائيليون إنهم يستخدمون أسلحة جديدة مثل قنابل صغيرة ذكية يطلق عليها «جي بي يو 39»، اشترتها إسرائيل الشتاء الماضي من واشنطن، وتتميز هذه القنابل بالدقة المتناهية، كما أن بها متفجرات قليلة تتراوح بين 60-80 رطلا، وذلك من أجل تقليل الاضرار غير المباشرة في المناطق الحضرية، ولكن يمكنها اختراق الأرض لضرب الأنفاق والمستودعات. وللإسرائيليين نصيبهم من التكتيكات الخداعية، حيث يقوم مسؤولو الاستخبارات الإسرائيليون بالاتصال بالمواطنين في غزة، ويتحدثون بلغة عربية سليمة، ويتظاهرون بأنهم متعاطفون مصريون وسعوديون وأردنيون وليبيون، حسب ما يقوله مواطنون في غزة، وأكدت إسرائيل ذلك. وبعد التعبير عن فزعهم من الحرب الإسرائيلية والسؤال عن أحوال الأسرة، يسأل المتصلون عن الأوضاع المحلية، وما إذا كانت العائلة تدعم حماس وما إذا كان ثمة مقاتلون في المبنى أو في المنطقة. ويقول كريم أبو شعبان، الذي يبلغ من العمر 21 عاما ويعيش في مدينة غزة، إنه وجيرانه تصلهم هذه الاتصالات. كان أول متصل له لكنة مصرية، وقال في البداية: «الله في عونكم، الله معكم». ويضيف أبو شعبان: «بدأت (المكالمة) بدعم كبير» ثم بعد ذلك بدأت الأسئلة. وكانت المكالمة الثانية بعد الأولى بخمس دقائق، كان المتحدث له لكنة جزائرية وسأل ما إذا كان يتحدث إلى أحد في غزة. يقول أبو شعبان إنه أجاب: «لا، تل أبيب»، ثم أبقى الخط مفتوحا. وأظهرت مقابلات أجريت خلال الأسبوع الماضي مع مسؤولين بارزين في الاستخبارات والجيش الإسرائيلي، بعضهم ما زال يعمل والبعض تقاعد، بالإضافة إلى مقابلات مع خبراء عسكريين ومواطنين في غزة نفسها، أن المعركة تسير في الوقت الحالي بوتيرة بطيئة وأنها أصبحت بها أضرار حيث تتضمن أنماطا حربية حضرية غير متساوقة. وبات مواطنو غزة، الذين لا يستطيعون النزوح حيث أن الحدود مغلقة مثل «اللحم في ساندويتش»، على حد وصف عامل تابع للأمم المتحدة، طلب عدم ذكر اسمه. ومن الواضح أيضا أن كلا من الطرفين طوّر تكتيكات للميدان المقبل، ويغيرها سريعا. ولهذا، تقوم الاستخبارات الإسرائيلية باعتقال أعداد كبيرة من الرجال الشباب في غزة لاستجوابهم وسؤالهم عن تكتيكات حماس. وخلال الأسبوع الماضي، أمسكت إسرائيل بخريطة لحماس مرسومة باليد في منزل بالقرب من بيت لاهيا، وأظهرت الخطة أماكن دفاعية في المنطقة وأماكن ألغام وشرك، من بينها محطة بنزين، وأوامر للقناصة بإطلاق النيران بجانب مسجد. كما كانت هناك علامات تدل على العديد من الأنفاق. واُبتكر سلاح إسرائيلي جديد لمواجهة تكتيك حماس الذي يدعو المدنيين إلى الوقوف على سقف المنازل حتى لا يقوم الطيارون الإسرائيليون بإلقاء القنابل عليها، حيث يجرب الإسرائيليون صاروخا مصمما كي لا ينفجر، ويطلقوا الصواريخ على أماكن خالية من الأسقف لإخافة السكان ودفعهم إلى مغادرة المبنى، ويطلق على هذا التكتيك «طرقة على السقف». وتلقى منشورات لتحذير المدنيين، كما يطلب منهم عبر مكبرات الصوت والمكالمات الهاتفية مغادرة أماكن القتال، ولكن الأوامر التي يحملها الجنود هي حماية أنفسهم أولا والمدنيين ثانيا. ويقول ضبّاط إن ذلك يعني أن وحدات المشاة الإسرائيلية سوف تكون «ثقيلة»، فإذا أطلقت عليهم النار، يردون عليها بنيران مكثفة، وإذا طلب منهم الوصول إلى هدف، يطلبوا أولا استخدام سلاح المدفعية أو الضربات الجوية ويستخدموا الدبابات. وبعد ذلك يتحركون، ولكن خلف الدبابات أو الرافعات المصفحة، ويركبون ناقلات أفراد مصفحة ويقضون أقل وقت ممكن في الخارج. وكما قال قائد وحدة النخبة الهندسية القتالية بالجيش في حديثه للصحافة الإسرائيلية يوم الأربعاء: «نحن عنيفون جدا، ولا نتورع عن القيام بأي شيء لحماية أرواح جنودنا».ويقول جوناثان فيغيل، من المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب بإسرائيل: «تعد الحرب في المناطق الحضرية أصعب ميادين القتال، ويكون لدى حماس والجهاد الإسلامي ميزة نسبية، حيث لهم معرفة بالمكان ومواقع مجهزة». ويضيف: «حماس لها عقيدة، ونحن لسنا مثل رامبو. وعلى الجيش الإسرائيلي أن يعثر على الثغرات، وكيف يمكنه الوصول إلى توازن وتحقيق المفاجأة». وتتحرك القوات الإسرائيلية ببطء، ويتمنون ألا يبقوا في مكان واحد لوقت طويل لكيلا يغروا مقاتلي حماس «بالخروج ومواجهتهم»، حسب ما يقوله فيغيل. ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يتبعون قواعد الحرب ويحاولون بجد عدم الإضرار بغير المقاتلين، ولكن تستخدم حماس المدنيين كدروع بشرية متوقعين أن إسرائيل ستحاول تجنب قتلهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»