مسؤولون أميركيون: بوش رفض طلبا إسرائيليا بقصف إيران عام 2008.. وفضل «حرب تخريب» للمواقع النووية لطهران

غيتس أقنع الرئيس الأميركي بأضرار الهجوم على إيران * إسرائيل ترفض التعليق

TT

قال مسؤولون أميركيون وأجانب، إن الرئيس الأميركي جورج بوش رفض العام الماضي 2008، طلبا سريا إسرائيليا بالحصول على قنابل خارقة للتحصينات، طلبتها تل ابيب لقصف المنشأة النووية الإيرانية الرئيسة ناتانز، غير أنه بالمقابل قال للإسرائيليين إنه أعطى تفويضا للقيام بعمل سري يهدف إلى تخريب الجهود الإيرانية الرامية إلى تطوير أسلحة نووية. وقال المسؤولون الأميركيون إن البيت الأبيض رفض الطلب الاسرائيلي على الفور، فسحب الإسرائيليون خططهم ولو لفترة مؤقتة على الأقل، لكن التغيرات المتسارعة دفعت البيت الأبيض إلى مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، وإطلاع المسؤولين الإسرائيليين على الجهود الأميركية الجديدة لتدمير البنية التحتية الإيرانية، التي باتت برنامجا سريا يوشك أن يسلمه بوش إلى الرئيس المنتخب باراك أوباما.

وتظهر هذه الروايات البرنامج السري الأميركي الموسع لضرب البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، وجهود بوش في إثناء إسرائيل عن توجيه ضربة عسكرية جوية إلى إيران، بعد مقابلات أجريت على مدار الـ 15 شهرا الماضية مع مسؤولين أميركيين وخبراء أجانب ومفتشين نوويين دوليين ومسؤولين أوروبيين وإسرائيليين، غير أن أيا منهم لم يتحدث عن ذلك بصورة رسمية بسبب السرية المحيطة بالاستخبارات الخاصة بإيران. وتشير اللقاءات أيضا إلى أنه على الرغم من إطلاع بوش على خيارات شن ضربة جوية علنية على المنشآت الإيرانية، لم يصدر أمر إلى وزارة الدفاع الاميركية بالتحرك قدما لما وراء الخطط الطارئة، حتى خلال العام الأخير من ولايته، على عكس ما اعتقده البعض من منتقديه. وتشير المقابلات أيضا إلى أن بوش أُقنع من قبل كبار مسؤولي الإدارة، يقودهم في ذلك روبرت غيتس وزير الدفاع، بان أي عمل عسكري صريح ضد إيران لن يؤتي الثمار المرجوة منه، وسيؤدي إلى طرد المفتشين الدوليين وتصبح الأنشطة النووية بعيدة عن مجال المراقبة. كما ناقش بوش وكبار مساعديه إمكانية أن يؤدي توجيه ضربة جوية إلى إشعال حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، يصبح فيها الجنود الأميركيون البالغ قوامهم 140000 مشتركين فيها بصورة حتمية. وأنه بسبب هذه المخاوف لجأ الرئيس الأميركي إلى تبني استخدام عمليات سرية مكثفة تستهدف إيران، وأظهرت المقابلات أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها فشلت في إحباط جهود تخصيب اليورانيوم، وسواء كانت هناك عمليات صريحة أم أن إسرائيل ستقرر القيام بعمل أقل من هجوم تقليدي على إيران، فإن ذلك يتطلب قرارات عاجلة وقوية من الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما.

ويشمل البرنامج السري الاميركي، الذي بدأ في أوائل عام 2008، جهودا أميركية جديدة لمحاولة التسلل إلى سلسلة الإمداد الإيرانية في الخارج، بالإضافة إلى الجهود الجديدة، التي لا يزال بعضها تجريبيا، الرامية إلى تقويض الأنظمة الكهربائية وأنظمة الحاسب والشبكات الأخرى، التي تعتمد عليها إيران كبنية تحتية ضرورية لبرنامجها النووي. ويهدف البرنامج السري الاميركي إلى تأجيل إنتاج إيران للوقود اللازم لصنع القنبلة النووية والتصميمات التي تحتاجها لإنتاج سلاح نووي.

وقد تم الحفاظ على المشروع السري الاميركي في طي الكتمان، غير أن بعض المسؤولين داخل إدارة الرئيس بوش أبدوا تشككهم من إمكانية فرص نجاحه، وقالوا إن الجهود السابقة التي سعت اليها واشنطن لتقويض البرنامج النووي الإيراني تم كشفها من قبل الإيرانيين ولم تنجح في تعطيل البرنامج أو خروجه عن مساره ليوم واحد.

ورفض المسؤولون الأميركيون التحدث بشكل واضح عن طريقة التعامل مع إيران، حيث نفى أحد مسؤولي الإدارة الاميركية إمكانية القيام بضربات عسكرية صريحة ضد إيران «كتجربة عملية»، بيد أن أحد مسؤولي الاستخبارات أشار إلى أن بوش يستعد لمغادرة منصبه والإيرانيون على مرمى حجر من تحقيق القدرة النووية، التي سيكون من الصعوبة بمكان إيقافها بعد ذلك، فيما أشار البعض الآخر إلى أن إسرائيل لن تتوانى عن شن ضربة جوية إذا ما فشلت الجهود الأميركية. وفي أعقاب فوز أوباما في انتخابات الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، تم إطلاعه على الأعمال الأميركية في إيران، غير أن مساعديه في الفريق الانتقالي رفضوا التعليق على الأمر. وجاءت الجهود الإسرائيلية الحثيثة الساعية لزيادة قدراتها وطلب استخدام المجال الجوي العراقي لضرب إيران نتيجة لغضبها المتزايد وعدم إيمانها بتقييم الاستخبارات الأميركية، الذي صدر عام 2007، والذي توصل إلى أن إيران توقفت عن تخصيب اليورانيوم منذ 4 سنوات مضت. وقد أدهشت تلك النتيجة فريق الرئيس بوش للأمن القومي، ودفع الرئيس بوش ذاته إلى التشكك في نتائج التقرير، وذلك بحسب المسؤولين الذين ناقشوا الأمر معه. ويعتمد تقرير تقييم الاستخبارات الوطنية على عدد من الوثائق السرية الإيرانية، التي تم الحصول عليها عبر اختراق شبكات الحاسب الإيرانية. وتشير تلك التقارير إلى أن المهندسين الإيرانيين أُمروا بوقف تطوير الرؤوس الحربية النووية في عام 2003، على الرغم من سعيهم في ذلك الوقت إلى الإسراع في عملية تخصيب اليورانيوم، الذي يعد العقبة الأصعب في صنع السلاح النووي. وكان الرد الإسرائيلي على التقرير غاضبا، وعنفت وكالات الاستخبارات الاميركية بسببه، كما قدمت أدلة لمسؤولي الاستخبارات الأميركية والأدميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة، تشير إلى أن الإيرانيين لا يزالون يعملون على تطوير الأسلحة.

وعلى الرغم من أن الأميركيين لم يبدوا اقتناعهم باستمرار تطوير إيران للأسلحة، لم يكن الإسرائيليون هم الوحيدين الذين انتقدوا التقرير الأميركي، حيث قال روبرت غيتس وزير الدفاع الحالي، الذي شغل منصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، إن التقرير قدم أدلة واهية وقلل من نشاط التخصيب الإيراني وبالغ في الشكوك في جهود تصميم الأسلحة التي يمكن أن تتحول إلى أسلحة نووية.

وأشار غيتس في مقابلة إلى أنه لم ير في حياته العملية «تقييما للاستخبارات الوطنية، كان له مثل هذا التأثير على الدبلوماسية الأميركية، لأن القوم علموا أن الخيار العسكري غير مطروح على الطاولة في الوقت الحالي».

في بداية عام 2008 أشارت إسرائيل إلى إمكانية أن تضطلع بالأمر بنفسها، وخلال عدة لقاءات طلبت إسرائيل من واشنطن جيلا جديدا من القنابل الخارقة للتحصينات القوية القادرة على نسف المنشآت تحت الأرض أكثر من الأسلحة التقليدية في الترسانة الحربية الإسرائيلية، كما طلبوا إعادة تزويدهم بالمعدات القادرة على تمكين طائراتهم من الوصول إلى إيران والعودة إلى إسرائيل، إضافة إلى الإذن باستخدام المجال الجوي العراقي. وقال أحد مساعدي بوش، إن الرئيس رفض المطلبين الأولين، محاولا وأد الفكرة وقال، «لقد قلنا لا للطيران عبر الأجواء العراقية»، وسرت شائعات بانتشار القلق في البيت الأبيض والبنتاغون من الصخب السياسي الذي يمكن أن يحدث في العراق، إذا ما استخدم المجال الجوي العراقي الذي تسيطر عليه القوات الأميركية، بأن ذلك يمكن أن يتسبب في طرد القوات الأميركية من العراق. ورفض سالاي ميريدور السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة عدة طلبات خلال الأسابيع الأربعة الماضية للقائه لمناقشته بشأن الجهود الإسرائيلية الهادفة إلى الحصول على أسلحة من واشنطن.

وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي قام الطيران الحربي الإسرائيلي بعدد من التدريبات فوق البحر الأبيض المتوسط، بدت وكأنها تدريب لقصف منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم، وعندما تم تحليل تلك التدريبات العسكرية الإسرائيلية أشار المسؤولون في البنتاغون إلى أن المسافة التي قطعتها الطائرات الإسرائيلية هي ذات المسافة بين إسرائيل وناتانز.

وقال أحد مسؤولي البيت الأبيض، «لقد أدهش ذلك الكثير من الأفراد»، وقد ناقش المسؤولون في البيت الأبيض إمكانية قيام إسرائيل باستخدام الأجواء العراقية من دون إذن من الولايات المتحدة، فهل ستصدر الولايات المتحدة أمرا بإسقاط تلك الطائرات، وإن لم توقف الولايات المتحدة الهجوم الإسرائيلي فهل ستتهم بالتواطؤ معها؟ وقال مسؤول مطلع على الأحداث أن مولن سافر في بداية يوليو (تموز) في رحلة تم الإعداد لها بصورة مسبقة ليستفسر من القادة الإسرائيليين عن نواياهم، فأوضح نظيره الإسرائيلي جابي أشكينازي أن الضربة الجوية يمكن أن تعيق البرنامج النووي لعامين أو ثلاثة. وخلال زيارة مولن أدرك القادة الإسرائيليون أنهم لن يتمكنوا، من دون مساعدة الولايات المتحدة، من إصابة الأهداف الإيرانية بصورة فعالة توقف البرنامج النووي الإيراني.

وعبر جيوف مويل المتحدث باسم وزير الدفاع، بان الضربة الجوية المحتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية عمل لا نسعى وراءه نحن ولا أي أحد آخر في الفترة الراهنة.

وكانت إدارة الرئيس بوش قد أصرت على خطتها في التعامل مع الإيرانيين، عبر فرض ضغوط مالية كبيرة على طهران للتخلي عن برنامجها النووي، حيث قامت شركات عالمية، مثل شركة توتال الفرنسية بالانسحاب من مشروعاتها النفطية هناك، كما أوقف البنك الأوروبي تمويلاته وتم تضييق الائتمان التجاري.

غير أن الإيرانيين كانوا أسرع في تخصيب اليورانيوم من العقوبات، وقد أدرك بوش أن العقوبات التي تم اللجوء إليها أثبتت عدم كفاءتها وأن الخيار العسكري لا يمكن تبريره، ومن ثم اتجه إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأمله في ذلك.

وكان الهدف من برنامج بوش السري إعاقة التقدم في ناتانز والمنشآت الأخرى، التي يشتبه في كونها منشآت نووية، والحفاظ على الضغط على العالم الإيراني المعروف محسن فخري زادة، الذي وصف في التقارير السرية الأميركية بأنه متورط في تصميم رؤوس حربية نووية إيرانية. اما البرنامج الذي أعطى به بوش تفويضا وأخبر به عددا قليلاً من قادة الكونغرس فكان أشمل، اذ يعمل على استهداف البنية التحتية الصناعية التي تدعم البرنامج النووي الإيراني، مع جهود لتخريب عمل أجهزة الطرد المركزي، وقد حجبت التفاصيل من قبل المسؤولين الأميركيين لأسباب واضحة. غير أن أحد المسؤولين قال، «تمكنا العام الماضي من الحصول على أفكار تصورية حول ما يمكن القيام به من أجل إفشال النظام». وحذر من «أن أيا من تلك الجهود لن تكون مغيرة للعبة»، بمعنى أن تلك الجهود لن تعيق بالضرورة البرنامج النووي الإيراني، بينما عارض آخرون في الإدارة ذلك بشدة.

وفي النهاية ربما يرجع النجاح أو الفشل إلى كيف يمكن إلقاء المزيد من الضغوط على فخري زاده، الذي وصفه تقرير الاستخبارات الوطنية عام 2007 في قسم سري بأنه مدير مشروع 110 و111. ووفق التقديم الذي عرضه كبير المفتشين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن 110 و111 اسمان لمشروعين إيرانيين يبدو أنهما مخصصان لصناعة رؤوس حربية وتحميلها على الصواريخ الإيرانية. ويقول المسؤولون الإيرانيون أن تلك المشاريع وهم من نسج خيال الولايات المتحدة. وعلى الرغم من إشارة المفتشين الدوليين إلى أن الأدلة بشأن هذين المشروعين لا تزال غامضة، إلا أن إحدى الوثائق السرية، التي عرضت في اجتماع الدول الأعضاء في الوكالة في فيينا العام الماضي عن مشروعات فخري زاده، أظهرت مجموعة من الصواريخ التي تطلق وتحمل رؤوسا حربية تنفجر على بعد 650 ياردة من الأرض، وهو ذات الارتفاع الذي سقطت منه القنبلة على هيروشيما وناجازاكي.

والصفة الواضحة لمشروع فخري زاده لا تزال غير واضحة، وقد أوضح تقييم الاستخبارات الوطنية أن العمل في برنامجي 110 و111 قد توقفا، لكن القلق يسيطر على الوكالات الاستخباراتية حول إمكانية علمها بما إذا كانت مشروعات تصميم الأسلحة قد عادت إلى العمل.

*خدمة «نيويورك تايمز»

* ديفيد سانجر كبير مراسلي «نيويورك تايمز» في واشنطن، أعد هذا المقال في سياق كتاب يعده بعنوان «الميراث: العالم الذي سيواجهه أوباما والتحديات أمام القوة الأميركية».