خان الشيلان في النجف يخلد ثورة العشرين.. وذكريات البريطانيين

دعوات لتحويله إلى متحف.. والجنود الأسرى كتبوا يومياتهم على جدرانه

جانب من بقايا خان الشيلان في مدينة النجف («الشرق الأوسط»)
TT

خان الشيلان، الذي يتوسط مدينة النجف القديمة، وعمره تجاوز مائتي سنة، يحمل ذكريات الجنود والأسرى البريطانيين أثناء احتلالهم العراق في عام 1914. ويتألف الخان، الذي بني على أرض مساحتها 1500 متر مربع، من سرداب وطابقين علويين بغرف كثيرة ومتداخلة، تتقدمها أواوين مقوسة، بنيت بأسلوب معماري جميل، وعلى الجدران نقوش وزخارف إسلامية، أما السقوف، فمبنية على شكل أقواس من الطابوق والآجر. ويقول الباحث التاريخي، الدكتور حسن الحكيم، إن «تاريخ خان الشيلان يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، وكان الهدف من بنائه هو إيواء وسكن وإطعام  للزائرين الوافدين لمدينة النجف». وأضاف الحكيم لـ «الشرق الأوسط»، «يبدو أن وقفية الخان لم تنفذ بالشكل المرسوم لها، إذ استطاعت الدولة العثمانية، خلال حكمها في العراق، أن تهيمن على هذا الخان، وتجعل منه إدارة عثمانية تحكم النجف، من خلال هذه  الإدارة». وأضاف الحكيم «أنشأ  في الخان ثكنة عسكرية تابعة إلى الحكومة العثمانية، في الحرب العالمية الأولى، وقد انهزم العثمانيون في معركة الشعيبة في البصرة»، مشيرًا «حينها استغل النجفيون فترة الضعف العثماني والهزيمة العسكرية التي لحقت بهم، فسيطر النجفيون على الخان، وطردوا السلطة العثمانية منه، وأقاموا حكومة أهلية امتدت لسنتين، من عام 1915، حتى 1917، وفي هذه السنة سيطر الإنجليز على العراق بشكل كامل». وأضاف الحكيم أنه «عندما دخل الجنرال البريطاني مود إلى بغداد، قام بإرسال قوة عسكرية للنجف، وسيطرت على خان الشيلان، عندها انتهت الحكومة الأهلية وأصبحت الحكومة بريطانية». وتابع الحكيم يقول «في عام 1918 قامت أول حركة ثورية ضد البريطانيين، وقتل فيها الحاكم البريطاني، الكابتن مارشال، فقامت القوات البريطانية بتطويق المدينة لمدة 40 يوما، ومن بعدها هيمن الإنجليز على المدينة، وأعادوا خان الشيلان إلى حظيرة السلطة البريطانية». وطالب حسن الحكيم المسؤولين في النجف «الحفاظ على الأثر، ويمكن أن يتحول إلى متحف أثري لثورة العشرين، تجمع فيه الأسلحة والرايات والكتابات وكل ما يتعلق بثورة العشرين، ويمكن أن يتحول إلى معلم تاريخي يعيد الحياة إلى الخان المهم». ومن جهته، قال المؤرخ التاريخي، علي عباس، إن «خان الشيلان شهد عند اندلاع ثورة العشرين 1920 (ضد الإنجليز) حدثا كبيرا، إذ أودع فيه العديد من الضباط البريطانيين والجنود الإنجليز والهنود ممن وقعوا أسرى بيد الثوار في معركة الرارنجية شمال شرق مدينة النجف». وأضاف عباس  لـ «الشرق الأوسط» أن «80  من الأسرى كانوا بريطانيين، بينهم ضابطان، فضلا عن 66 هنديًّا بين مسلم، ووثني، وسِيخِيّ» مضيفًا أن «عدد الأسرى وصل إلى 167 أسيرًا، بعد أن أضيف لهم أسري آخرون». وتابع عباس يقول "«تم تشكيل لجنة خاصة لرعاية الأسرى من قبل مكاتب المرجعيات الدينية في النجف»، مضيفًا أن «وجبة الأرزاق التي توزع على الأسرى تضمنت الخبز والتمر والخيار والسكر والشاي والتبغ والكبريت وظروف رسائل، كي يكتب الأسرى رسائل إلى أهلهم»، مشيرًا إلى أن «مدة مكوث الأسرى في الخان كانت قرابة الأربعة أشهر، سلموا بعدها إلى ممثل الحكومة البريطانية». وأوضح عباس أن «جدران خان الشيلان لازالت تحتفظ بكتابات الأسرى الإنجليز، ومذكراتهم ورسومهم ومنها «سننال الحياة بمعنى الحرية»، «والصبر فضيلة»، إضافة إلى نحت على الجدران بآلة حادة، عبارة عن جدول أشاروا فيه إلى التواريخ، حيث يبدأ بيوم الأحد 25 يوليو (تموز) 1920 وينتهي بأكتوبر (تشرين الأول)، وبالتحديد عند يوم الاثنين الرابع من أكتوبر، فلم يؤشر ذلك التاريخ حيث كان موعدا لإطلاق سراحهم». وأكد عباس أن «على الجدران أيضا خطت أسماء الأسرى، وأرقام ورموز بعض القطع العسكرية، ورسوم تخطيطية، منها صور لحماية عسكرية يحرسها أحد الجنود، وصورة جندي هندي من السيخ بلحيته الطويلة، وأخرى ترمز إلى مدينة النجف، ومرقد الإمام علي، إذ هي عبارة عن قبة وأمامها بوابة، وصورة طائرة وهي تحلق في سماء النجف، وتحت أحد الشجرات صاحب بندقية، وهو يرمي على الطائرة، وكذلك صورة كابتن بريطاني بقبعته العسكرية». وتابع عباس يقول إن «الطريف ما كتبه أسرى على الجدران، ومنها رسالة حب كتبها أحد الأسرى إلى خطيبته يقول «مع كل تمنياتي للوطن .. أنتهز الفرصة مع أصدقائي وبين هول الموت من الغرفة الصغيرة لأبعث بويلاتي لعروستي المفضلة، وإني الآن في مصير مجهول، ولا أدري هل يتم اللقاء بيني وبينك. أنا الآن في وضع لا أعلم منه ماذا سيحدث لي».