تزايد القلق في باريس من انعكاسات حرب غزة على التعايش بين المسلمين واليهود

30 حادثة تعرضت لها المؤسسات اليهودية في فرنسا منذ 27 ديسمبر

TT

تزايدت مخاوف المسؤولين الفرنسيين من انعكاسات الحرب في غزة على التعايش بين الجاليتين المسلمة واليهودية في فرنسا مع استمرار سيل صور الحرب وازدياد التعبئة ضدها، الأمر الذي يعكسه تكاثر المظاهرات المنددة بالحرب الإسرائيلية واصطفاف المنظمات اليهودية بشكل شبه كامل وراء الجيش الإسرائيلي.

وجاء الاعتداء على كنيس يهودي ليل الأحد / الاثنين في ضاحية سان دوني الواقعة شمال باريس ليفاقم مخاوف المسؤولين الحكوميين والأمنيين فيما حذرت تقارير أمنية من تدهور العلاقات في المناطق المختلطة بين اليهود والمسلمين.

وكانت قنبلتا مولوتوف حارقتان قد ألقيتا على الكنيس الذي لم يصب باضرار بينما أصيب مطعم يهودي مجاور له بأضرار طفيفة. وتعتبر سان دوني من الضواحي «الحساسة» والفقيرة بسبب النسبة العالية من الأجانب أو المتحدرين من أصول أجنبية (أفريقية وعربية). واشتهرت سان دوني خريف عام 2005 بأعمال الشغب والعنف التي اجتاحت الضواحي الفرنسية بعد موت مراهقين داخل محول كهربائي وهما يحاولان الفرار من الشرطة. وتقع سان دوني قريبا من ضاحية كليشي سو بوا التي انطلقت منها شرارة اعمال الشغب التي ادت الى إحراق آلاف السيارات ومئات المباني البلدية والحكومية وإلقاء القبض على مئات الشبان. وقد اضطرت الحكومة الى إعلان حال الطوارئ في البلاد لاحتواء الموقف وإعادة الهدوء.

وكانت هنالك حوادث إضافية أخرى ضد مؤسسات يهودية إحداها استهدفت قاعة صلاة في مدينة شليتيغهيم (شرق فرنسا قريبا من مدينة ستراسبورغ) حيث ألقيت عليها قنبلة حارقة ولكن من غير وقوع أضرار تذكر. وقبل ايام كتبت شعارات معادية للسامية على مبنى آخر في مدينة مجاورة (لينغولشهيم). واكتشفت صباح أمس كتابات مماثلة وأخرى مؤيدة للفلسطينيين على جدران مركز رعاية اجتماعي يهودي في مدينة بوي اون فوليه (منطقة هوت لوار، جنوب غرب فرنسا) ويقع المركز اليهودي إلى جانب مسجد المدينة. وبحسب اتحاد الطلاب اليهود الفرنسيين، فإن الأحداث المعادية لليهود تزايدت بحدة ووصلت إلى 30 حادثا منذ 27 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يوم بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة. وككل مرة وبعد ان استهدف كنيس يهودي في مدينة تولوز (جنوب فرنسا) بسيارة محترقة سارعت السلطات الحكومية إلى إدانة هذه الأعمال. ووصفت وزيرة الداخلية ميشال أليو ماري هذه الأحداث بـ«الأعمال المشينة وغير المقبولة». ووعدت أليو ماري التي يعود اليها أمر الإشراف على شؤون العبادة بـ«العثور على المعتدين وسوقهم أمام القضاء». وقال برونو لو مير وزير الدولة للشؤون الأوروبية إن ما حصل «لا يمكن قبوله وهي أعمال لا تليق بفرنسا». ونبه الوزير الفرنسي على أن نزاعات الشرق الأوسط «لا يجب بأي حال أن تنتقل الى الأراضي الفرنسية». وفيما دعا الناطق باسم الحزب الاشتراكي بونوا هامون إلى «المحافظة على الهدوء». كما نبه برتراند دولانويه، عمدة باريس وأحد أركان الحزب الاشتراكي الى أن «الوضع المأساوي في غزة لا يمكن أن يبرر التعرض لمجموعة أو اللجوء الى العنف في فرنسا». ونددت جمعية محاربة العنصرية من الذين يريدون أن يصبغوا على النزاع السياسي في الشرق الأوسط «طابعا إثنيا ــ دينيا» داعية الجميع الى «عدم صب الزيت على النار». وقالت وزيرة شؤون الانسجام الاجتماعي فاضلة عمارة وهي من أصل جزائري وناشطة سابقة في حقل العمل الاجتماعي في الضواحي الحساسة إنه «لا يجوز تبرير الأعمال المعادية للسامية في بلدنا بحجة تحدث أمور رهيبة في غزة». ودعت عمارة الجمعيات العاملة في المناطق الحساسة أمس الى اجتماع لتدارس الوضع وتدارك تدهوره.

ومن جانبه، طلب مسجد باريس الكبير في بيان وزعه أمس من المسلمين «عدم الانجرار وراء أية أعمال استفزازية» والمحافظة على هدوئهم، مدينا في الوقت نفسه التعرض لكنيس سان دوني ولكل أماكن العبادة في فرنسا. وأظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة «لو باريزيان» أمس أن 23% من الفرنسيين يحملون حماس مسؤولية الوضع في غزة و18% يعتبرون إسرائيل مسؤولة عنه بينما يرى 28% أن المسؤولية «مشتركة».

أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد رأى وزير الخارجية برنار كوشنير أن ثمة حاجة لمراقبين أوروبيين عسكريين للإشراف على وقف النار بين إسرائيل وحماس. لكنه أشار الى رفض مصر وإسرائيل «في الوقت الحاضر» لوجود مراقبين على أراضيهما. ودعا كوشنير مجددا إلى وقف «فوري» لإطلاق النار «مثلما يريد ذلك المتظاهرون عبر العالم».

وفي نفس الوقت تستمر باريس باتصالاتها الدبلوماسية مع إسرائيل ومصر وتركيا وقطر وسورية وغيرها من الجهات الدولية من أجل تسهيل تطبيق الخطة المصرية لوقف النار.