معرض للوحات مسروقة تمت استعادتها في بغداد

فنان عراقي لـ«الشرق الأوسط»: آلاف الأعمال سرقت وتم تهريبها إلى خارج العراق.. والدولة هي المسؤولة

عراقيتان تشاهدان الأعمال التي أعيدت إلى مركز الفنون ببغداد أمس (ا.ف.ب)
TT

كشف الفنان التشكيلي العراقي قاسم سبتي، نائب رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين والأمين العام للمنظمات الثقافية، عن اختفاء أكثر من خمسة آلاف عمل فني بينها 860 عملا فنيا متحفيا لفنانين عراقيين مهمين وراحلين.

وقال سبتي لـ «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من صالة عرض (حوار) التي يمتلكها ببغداد، أمس، إن «من بين الأعمال التي اختفت أعمالا تعود لفنانين من فترة الرواد وفترتي الخمسينات والستينات أمثال جواد سليم وفائق حسن وشاكر حسن آل سعيد وعلاء بشير وليلى العطار وحافظ الدروبي، وغيرهم».

يأتي ذلك في وقت نظمت فيه دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة العراقية معرضا بعنوان «عودة الكنز المفقود» ويضم 58 لوحة لفنانين عراقيين وعرب كانت سرقت قبل أكثر من خمسة أعوام من قاعة متحف الفن الحديث وتمت استعادتها مؤخرا.

وقال مدير عام دائرة الفنون التشكيلية محمود اسود لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هذه الأعمال الفنية المستعادة تعبر عن فترة مهمة من تاريخ الفن العراقي الحديث وتعكس حجم تجربة الإبداع لنخبة من الأسماء البارزة في الفن التشكيلي». مشيرا إلى أن «استعادتها إثراء للإرث الفني الذي يعكس تاريخ الشعوب».

وأضاف اسود «تمت إعادة اللوحات إثر جهود بذلتها مجموعة من العراقيين الغيارى الذين واصلوا بحثهم لاستعادتها بعد أن ظلت مفقودة طيلة السنوات التي تلت عام2003».

من جهته اتهم سبتي وزارة الثقافة العراقية «بعدم اهتمامها بإعادة الأعمال المسروقة التي من الصعب جدا تعويضها أو تقديرها بثمن، لكونها تمثل روعة التراث التشكيلي العراقي وخلاصة تاريخه»، مشيرا إلى أنه «كان ضمن لجنة تتكون من 45 مثقفا وفنانا عراقيا لاستعادة الأعمال المسروقة لكن هذه اللجنة لم تتوصل إلى أي نتيجة ولم تخصص أي مبلغ لاستعادة الأعمال المسروقة ولم تصدر أي تعليمات لاستصدار قانون يشابه قانون استعادة الآثار لهذا فإن غالبية من الأعمال المسروقة تباع في المزادات الفنية العالمية بأسعار عالية».

وأوضح نائب رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين أن «قائمة بأسماء 126 لوحة كانت قد وصلتني من أحد اللصوص، وهي من أعمال خيرة الفنانين التشكيليين بينهم جواد سليم وشاكر حسن آل سعيد وفائق حسن وإسماعيل الشيخلي، وطلب مني مبلغ 35 ألف دولار لإعادة هذه الأعمال، وقد رفضت وزارة الثقافة صرف المبلغ بينما سعر أي لوحة من هذه اللوحات هو أكثر من المبلغ الذي كان مطلوبا لـ 126 لوحة، ووقت ذاك كان هناك خبير إيطالي مشرف على أعمال وزارة الثقافة حيث قال لي إننا لا نشجع اللصوص ولا نشتري منهم أعمالا هي بالأصل عائدة إلى الدولة، بينما أكد لي الخبير الأميركي في الوزارة أن في العراق فنانين كثر وبإمكاننا تعويض ما تمت سرقته وإقامة معارض في أميركا لهم»، مشيرا إلى أن «إحدى هذه اللوحات بيعت في مزاد كريستي بخمسين ألف دولار».

وأضاف سبتي قائلا «لقد طلبت من وزارة الثقافة مبلغ 50 ألف دولار لاستعادة 500 لوحة مسروقة، أي بواقع 100 دولار للوحة الواحدة، ورفضت تجهيزنا بالمبلغ، كما أن الدولة لم تصدر حتى الآن قوانين رادعة من أجل عدم تهريب هذه الأعمال المتحفية أو استعادتها»، منوها بأن «غالبية هذه اللوحات تم تهريبها إلى الأردن وقطر وبقية دول الخليج العربي وبيعت هناك بآلاف الدولارات».

وأوضح سبتي قائلا «إن مركز الفنون والمتحف الوطني للفن الحديث تعرضا، كما المتحف العراقي، لهجوم الغوغاء في 2003 وهناك من يعرف قيمة هذه اللوحات فسرقها، وهناك من مزق أو أحرق غالبية الأعمال بلا أي سبب»، مشددا على أن «العراق بحاجة إلى قوانين رادعة لغرض استعادة هذه الأعمال». ومن اللوحات التي تمت استعادتها واحدة رسمت بالألوان المائية للفنان منذر جميل حافظ تعود عام 1962 وأخرى لحميد المحل أنجزها عام 1963 وثلاث لوحات للراحل كاظم حيدر يعود تاريخها إلى ثمانينات القرن الماضي.

كما توجد لوحات للفنان سامي حقي رسمها عام 1972، وسعد الطائي تعود لعام 1952.

لوحة الأخير، وهي تخطيط بقلم الرصاص، امرأة شغلت رمزيتها مخيلة الفنان.

يذكر أن الطائي المولود في الحلة (جنوب بغداد) عام 1935 الذي أكمل دراسته في روما رصد عبر لوحاته حياة الجنوب والأهواز وعالم الريف والفلاحين وأكواخهم كما شغلت المرأة جزءا من اهتماماته عكسها في أكثر من عمل.

ومن أعماله في المعرض لوحة كبيرة لعدة وجوه نسائية خلف أسلاك شائكة رسمها بألوان زيتية على القماش تبرز فيها حرية المرأة المسلوبة.

وتعكس اللوحات فترة متوهجة من تاريخ الفن العراقي عندما قدم الفنانون صورا إبداعية والتقاطات وظفت عبر خيال وتقنية مميزة من حيث استخدام اللون وكيفية إسقاطه على اللوحة.

ويضم المعرض لوحات تمت استعادتها للفنانين شوكت الربيعي وخالد النائب وسعاد العطار وفهمي عمر ونوري مصطفى بهجت وغيرهم.

وتصدرت المعرض المقام في مقر وزارة الثقافة ويستمر 30 يوما، لوحة غرافيك للفنان الراحل إسماعيل فتاح الترك أطلق عليها «وجه من بيروت» رسمها عام 1977.

ومن الأعمال المستردة لوحة للفنان ضياء العزاوي الذي تميز أسلوبه بالبحث عن الرموز الشعبية وأشكال تتسم بالزخرفة متأثرا بدراسته للآثار في كلية الآداب في جامعة بغداد حيث تخرج عام 1962.

وفي المعرض أربع لوحات مستردة للفنان السوري باسم الدويك الذي أهداها للمتحف العراقي للفن الحديث منتصف الثمانينات، ولوحة للفنان الجزائري رشيد القريشي وأخرى للفنان الأردني رفيق اللحام.

وكشف مدير المعارض في دائرة الفنون التشكيلية شاكر خالد أن «فترة استعادة هذه الأعمال استغرقت أربع سنوات بمساهمة جهات حكومية وواجهنا خلالها مخاطر كثيرة لكي نتمكن من إقناع الذين كانت بحوزتهم بضرورة إعادتها».

وأضاف «نعمل حاليا لاستعادة 37 لوحة عرفنا مكانها».

وحض هؤلاء الأشخاص على إعادة الأعمال سريعا لأنها جزء من تاريخ الفن العراقي الحديث توثق مسيرته لا سيما أنها تعود لأسماء لامعة.

ومن الذين شاركوا في استعادة اللوحات: علي مهدي القيسي الذي قضي العام الماضي نتيجة تفجير في بغداد، ووميض أمان علي، وخالد فلاح المحنه.