تل أبيب تلوم حماس.. وجمعيات حقوق الإنسان تتهمهما بتكتيكات لزيادة أعداد القتلى

مئات المدنيين القتلى موضع جدل بين إسرائيل وحماس

TT

دار نقاش مرير بشأن الحرب التي بدأت قبل ثلاثة أسابيع في الأقل في محاولة من إسرائيل لإيقاف إطلاق صواريخ حماس على المستوطنات الإسرائيلية، والتي تودي بحياة المدنيين الإسرائيليين. ودار رحى النقاش حول المسؤول عن مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أعداد القتلى بين الفلسطينيين إلى أكثر من 1000 قتيل، صرحت مصادر طبية ومنظمات مساعدة، بأن المدنيين يمثلون نصف تلك الحصيلة على أقل تقدير. علاوة على ذلك، تجاوز عدد الجرحى الفلسطينيين 4700 مصاب. ويلقي الجيش الإسرائيلي باللوم على حماس، إذ يعتبر أن حماس تستخدم أهالي غزة كدروع بشرية، فضلاً عن أنهم ينسحبون إلى المناطق المأهولة بالسكان خلال القتال. في المقابل، يقول الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان إن إسرائيل لا تتروى، وأنها في إطار ملاحقتها للحمساويين، باتت تستخدم تكتيكات أدت إلى زيادة أعداد القتلى والضحايا بين صفوف المدنيين من غير حاجة إلى ذلك. وكانت مجموعة من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية قد أعلنت قبل ايام أن السلوك الإسرائيلي في قطاع غزة يمثل «انتهاكًا صارخًا لقوانين الحرب، ويزيد الشكوك ـ التي نطالب بالتحقيق فيها ـ في لجنة جرائم الحرب». من جانبها، تقول إسرائيل إنها تفعل كل ما تستطيع للحيلولة دون وقوع إصابات وضحايا بين المدنيين، وقالت الميجور أفيتال ليبوفيتش ـ الناطقة باسم جيش الدفاع الإسرائيلي: «اتخذنا الكثير من الاحتياطات، ومنها إسقاط المنشورات. كما أن طيارينا يتراجعون عندما يرون مدنيين بالقرب من أهدافهم». وتؤكد تلك النقاشات المحتدمة على عدم توازي فريقي النزاع. فمن ناحية، تمتلك إسرائيل جيشًا حديثًا كامل العتاد ـ وهو الأقوى في الشرق الأوسط ـ لديه ذخيرة مهولة وهدف معلن يقوم بتجنب المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين بقدر الإمكان وحماية الإسرائيليين عبر القضاء على حماس في الوقت نفسه. وعلى الجانب الآخر، نرى حماس ـ وهي حركة إسلامية تملك جناحا مسلحا، أضعف على نحو كبير جراء العدوان الإسرائيلي، إلا أنها مستمرة في إطلاق الصواريخ دون تمييز على مناطق مدنية إسرائيلية، كما دأبت على ذلك على مدار 8 أعوام. وتشن الحركة عملياتها من عمق المدن المزدحمة بالسكان، ومن معسكرات اللاجئين. وبين الجانبين، يحاصر غالبية سكان قطاع غزة البالغ تعدادهم مليون ونصف المليون نسمة، وهم مقيمون على امتداد قطاع ساحلي ضيق، ولديهم إمكانية محدودة للوصول إلى الغذاء، والمياه، والكهرباء في الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب من حولهم. ومنذ أن شنت إسرائيل هجومها الجوي المباغت على القطاع في 27 ديسمبر(كانون الأول) تكابد المستشفيات غير المزودة بالمعدات واللوازم الطبية الضرورية من أجل الصمود أمام التدفق المهول من الجرحى ذوي الإصابات البالغة، والذين يصلون إلى المستشفيات محمولين على أيدي أقاربهم أو على نقالات طبية مؤقتة. وقال جواد حرب الذي يدير مشروعًا تابعا لمؤسسة المساعدة الدولية «كير»، وهو مشروع يركز على تحسين أحوال المرأة في غزة، إنه بالنسبة لابن عمه، 14 عامًا، لم تكن هناك حاجة لحمله إلى المستشفى، وأضاف: «كان واقفًا في الشرفة، ينظر إلى القنابل. وفي تلك الأثناء اخترقت شظية كبيرة رأسه. وقتل على الفور». وفي وقت لاحق من الاسبوع، وقف حرب في أحد شوارع جنوب مدينة رفح مع زوجته وأطفاله الستة. وكان ينظر إلى الضاحية التي يقطن فيها وقد تحولت إلى أنقاض. وأضاف أنه تم تحذير عائلته لمغادرة المنزل، ولكن ليس هناك مكان يمكن الذهاب إليه في غزة. ويبدو أن الشارع هو أكثر الأماكن أمنًا لتفادي الغارات الجوية التي ترج الأرض كزلزال مروِّع كل 5 دقائق. ومع كل قذيفة تتطاير الشظايا والحطام في السماء من الموقع السابق لمنزلهم. وأقر حرب بأن بعض المنازل تخفي تحتها أنفاقا تستخدمها حماس لتهريب الأسلحة من مصر، إلا أن الكثير منها ليس كذلك. ويقول حرب، 44 عامًا، «دأبوا على تدمير كل المنازل، وإذا مكثت في بيتك، فستموت فيه». وتشير مارثا مايرز ـ مديرة منظمة كير الدولية في الضفة ‏الغربية وقطاع غزة ـ إلى أن إسرائيل تعرف أن وقوع قتلى أمر حتمي عندما تطلق نيرانها الكثيفة على المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة، والتي لا يتجاوز عمر نصف سكانه 19 عاما. وتقول «تشبه غزة غرفة مكتظة بالأطفال». وتنص اتفاقيات جنيف، وهي المعاهدة الدولية الخاصة بالحرب على وجوب السماح للمدنيين بالفرار من دائرة القتال، ولكن تقول مايرز: «أنه غير مسموح لسكان غزة بالفرار. وهذه مشكلة كبرى». فلا يوجد أي معبر مفتوح، كما أنه لا يوجد أي جزء من القطاع البالغ مساحته 25 ميلاً طولاً، و5 أميال عرضًا بمعزل عن العمليات القتالية. وحسب ما أفاد مسؤولو الأمم المتحدة، فإن عدم وجود مخرج من القطاع أجبر عشرات الآلاف من السكان على الفرار من منازلهم، واللجوء إلى أماكن أخرى داخل القطاع. وأنشأت الأمم المتحدة عشرات المراكز العشوائية لاستقبال اللاجئين في مبان مستخدمة كمدارس في المعتاد.

ومع ذلك، فإن تلك الأماكن ليست بمأمن تمامًا. ففي الأسبوع الماضي، قصفت القوات الإسرائيلية مدرسة بمعسكر جباليا للاجئين قتلت فيها 42 شخصًا. وأوضح الأطباء أن أغلب الضحايا كانوا من النساء والأطفال. وصرح الجيش الإسرائيلي أنه كان يرد على عملية إطلاق لقذائف الهاون من المبنى، وهو ما نفته الأمم المتحدة. وفي هذه الأثناء، صرحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن إسرائيل منعت عمال الطوارئ التابعين لها من الوصول إلى عشرات المصابين، والقتلى الفلسطينيين في حي الزيتون جنوب مدينة غزة. وتم العثور على الأطفال الجرحى والجوعى، وهم يبكون إلى جانب أمهاتهم اللائي قتلن. وأوضحت إسرائيل أنها تحقق في ذلك الأمر. وأنكرت إسرائيل أنها منعت عن عمد وصول المساعدات للمدنيين، واتهمت حماس بالقيام بذلك حتى تتفاقم حصيلة الضحايا بين المدنيين وتستخدمها في أغراض دعائية. وتعتبر اسرائيل أن حماس لا تأبه لمواطنيها وأنها تضع الأطفال على أسطح المنازل التي تعلم أنها مستهدفة، فضلاً عن أنها تمنع المدنيين من الهروب من المناطق المحفوفة بالمخاطر. كما أنها تقوم بتفخيخ المدارس، وتحاول جر القوات الإسرائيلية إلى استهداف مناطق مدنية تعلم الحركة جيدًا أنها ستسفر عن معدلات ضحايا مرتفعة بين صفوف المدنيين. وجدير بالذكر أنه ليست هناك أي كهوف داخل مرتفعات صخرية أو حتى غابات لا يمكن اختراقها تتيح لحماس الاختباء بها، كما لا توجد حتى قواعد عسكرية يمكن شن هجماتها منها. وغالبية المناطق المأهولة بالسكان بالقطاع هي عبارة عن مزارع مفتوحة يغطيها القليل من الأشجار. وكانت حماس تستخدم تلك المزارع لإطلاق صواريخها على الجنوب الإسرائيلي، قبل أن يرسل الجيش الإسرائيلي قواته البرية إلى هناك قبل أسبوعين تقريبًا. ومع هجوم القوات الإسرائيلية، تراجعت حماس إلى التحصينات الخراسانية المختبئة تحت الأرض في المدن والمعسكرات بغزة. أما بالنسبة لمسلحي الحركة، فيختبئون في المراكز الحضرية باعتبارها أفضل وسيلة للبقاء على قيد الحياة.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»