خبراء ضلوا وأضلوا

سـعود الأحمد

TT

أضم صوتي إلى صوت الزميل الدكتور محمد الكثيري، في مقاله (الساخر) بالزميلة «الرياض» السعودية في الثامن من يناير (كانون الثاني) الحالي بعنوان «هل يقول الخبراء مثل هذا؟»، الذي ينتقد فيه رأيا لأحد الخبراء، يقول فيه، إن الأزمة المالية العالمية لن تضر بمصلحة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المحلية، ويرجع (الخبير) السبب في ذلك إلى أنها مشاريع مدعومة من الدولة والبنوك، بالإضافة إلى بعض الصناديق والشركات الكبرى. ولست هنا بصدد نقد رأي الأخ الكاتب، كما لست بصدد نقد الفكرة في مجملها، لأن لكل صاحب فكر رأيا. لكن مبعث تأييدي للزميل الكثيري، خاصة في مسألة الجزم والتعميم بالحكم في الآراء الشخصية في المسائل الاقتصادية، حيث من البديهي أنه لا يمكن القول، بأن جميع المنشآت المتوسطة والصغيرة لن تتأثر بالأزمة المالية. كما لا يمكن حصر سبب حصانة هذه المنشآت (إذا افترضنا بأنها محصنة)، بكونها مدعومة من الدولة والبنوك! وخطورة هذا الأمر... تكمن في أن بعض أفراد المجتمع لديه ثقة عمياء فيما يُنشر في الصحف اليومية والمجلات الدورية، وما يُبث عبر القنوات الفضائية، خصوصاً إذا قيل له أن الرأي منشور في صحيفة متخصصة بالاقتصاد أو بالصفحات الاقتصادية أو على شاشة قناة فضائية متخصصة في الشؤون الاقتصادية. وهناك من البسطاء (من أصحاب رؤوس الأموال) من يبني على ذلك قناعاته ويرتب عليها قراراته الاستثمارية، معتقداً بأن الصحيفة أو القناة الفضائية، لن تسمح بأن يتحدث فيها إلا من هو أهل للإدلاء برأي ينفع العامة! وبهذا الصدد لعلنا نتذكر آراء وتحليلات بعض من كانوا ينظرون للعامة عن مستقبل سوق الأوراق المالية السعودي، من دون أن يبنوا ذلك على أسس منطقية. وكيف كانوا يصرحون بتوقعاتهم لمؤشر سوق الأسهم بأنه سيتخطى الخمسة والعشرين ألف نقطة، وبعضهم زاد في تفاؤله وتوقع له أن يرتفع فوق الثلاثين والخمسة والثلاثين ألف نقطة. وملاحظتي على ذلك أن بعضهم لم يتحفظ على توقعاته ولم يبن توقعاته على أسس منطقية يمكن بناء الآراء عليها. واليوم نراهم نسوا أو تناسوا ما قالوا (وكأنهم لم يفعلوا شيئاً)! لكنني أذكرهم بحقيقة يجب ألا تنسى، وهي أن هناك من تضرر من آرائهم. فبعض التحليلات تسببت في كوارث مالية واجتماعية لبعض المستثمرين والمضاربين ودمرت مستقبل أسر بأكملها. فكم من مضارب استند إلى تحليلاتهم ونتائج دراساتهم، وبنى عليها قراراته وخسر ثروته بسبب ذلك. وكم من وسيلة إعلامية أعطت لهؤلاء الفرصة ليضللوا قرارات المستثمرين. وهذا الموضوع سبق لي الكتابة عنه في هذه الزاوية في مقال بتاريخ 10 يوليو 2006 بعنوان «القنوات الفضائية.. لئلا يضلل الرأي العام». وآخر بتاريخ 15 مايو 2006 بعنوان «بعض المحللين يكذب ويصدق كذبته». وتحدثت عن بعض المحللين الذين كانوا يكذبون على الناس.. ومع الوقت البعض صدق نفسه بأنه خبير! وذكرت بذلك قصة طريفة، حيث يحكى أن جحا العطار قال لغلمان الحي ذات يوم، إن في بيت آل فلان وليمة، فصدقه الصبية وانصرفوا لذلك البيت لينعموا بالمشاركة في الوليمة. وبعد أن انصرفوا بقي جحا وحيداً ينتظر عودتهم، وعندما تأخروا، أخذ جحا يفكر، ثم قال في نفسه ربما أكون صادقاً، وأنه بالفعل هناك وليمة فركب جحا حماره ولحق بالصبية.

وختاماً... فلو نظرنا لما ينشر في الكتب والمقررات، لوجدنا عليها الكثير من القيود الرقابية والتدقيق والتمحيص، مما يؤكد أهمية ألا يقاد الفكر إلى غير هدى (وهذا هو الأصل). هذا على الرغم من أن قراء الكتب يكونون عادة من المتخصصين الذين يستطيعون التمييز بين الغث والسمين. وأنه يمكن للمؤلف أن يتدارك ما فاته وما وقع فيه من أخطاء في الطبعات اللاحقة. بينما نجد المقالات والتحليلات الاقتصادية الصحافية، التي تبث عبر القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، الأمر ميسر. كل يتحدث في ما يشاء (مما يعلم ولا يعلم) بلا رقيب ولا حسيب!

* كاتب ومحلل مالي [email protected]