الفلسطينيون ينتشلون حوالي 100 جثة من بين ركام المنازل

جثث متحللة ودمار في كل مكان في المناطق السكنية والزراعية وفي البنى التحتية

فلسطينية تحمل طفلها عبر الانقاض في رفح امس (ا ب)
TT

برفق شديد حاول المسعفان رفع بعض الحجارة الصغيرة، التي كانت على الجثة، وعندما أرادا رفعها من بين الأنقاض طلبا مساعدة شخص ثالث تحسباً لإمكانية تفتتها بسبب التحلل، لكن ما أن رفع الثلاثة الجثة وسارا بها مسافة ثلاثة أمتار تقريباً حتى تفتت معظم الجثة، وبقي في يد كل واحد من الثلاثة جزء منها. هذا المشهد تكرر أكثر من مرة عند ركام منزل عائلة السموني، جنوب غرب حي الزيتون، جنوب مدينة غزة صباح أمس الأحد، حيث اتجه المسعفون والكثير من الأهالي لانتشال جثث افراد هذه العائلة من المنزل الذي قامت الدبابات الإسرائيلية بقصفه في اليوم الثالث للعملية البرية على القطاع، حيث كان يتجمع فيه أكثر من مائة من أفراد العائلة، فقتل وجرح العشرات. وعلى مدى خمس ساعات انتشل الأهالي 15 جثة من جثث أفراد العائلة الذين قضوا في المذبحة، التي نفذها الجيش الإسرائيلي ضدهم، مع العلم أن 21 جثة نقلت اثناء وجود الجيش الإسرائيلي. في صباح اليوم التالي لإعلان إسرائيل وقف اطلاق النار، انشغل الفلسطينيون بشكل خاص بالبحث عن جثث قتلاهم، الذين دمر الجيش الإسرائيلي منازلهم فوق رؤوسهم ومنع اخلاءها. وأكدت المصادر الطبية الفلسطينية أنه قد تم انتشال حوالي 100 جثة، من بين انقاض وركام المنازل المدمرة. وبذلك يصل عدد الضحايا منذ بدء الحرب قبل 22 يوما، وحتى الان اكثر من 1300، معظمهم من الاطفال والنساء والمسنين وعدد الجرحى يزيد عن 5300.

وفي كل منطقة تعرضت للتوغل والقصف من قبل الجيش الاسرائيلي عملت أطقم من المسعفين ورجال الدفاع المدني يدعمهم المئات من المتطوعين، من دون أدوات وآلات، اذ كانت هذه الأطقم تعمل تحت افتراض أن معظم الجثث تعرضت للتحلل، وبالتالي، فانه يتوجب استخدام الأيدي فقط في البحث حتى لا تتفتت هذه الجثث الى اشلاء يصعب جمعها.

في محيط ركام كل منزل مدمر تجد اقارب القتلى يجلسون بصمت، بعضهم يرخي نظره في الفضاء، بينما الدموع تجري من مآقيه، والبعض الآخر لا يملك نفسه فينتحب بصوت عال، وهذا هو الصوت الوحيد الذي يكسر الصمت المخيم على هذه الأمكنة، حيث أن الناس الذين يتولون مهمة انتشال الجثث يتحدثون بهمس فقط.

وبدت المناطق التي تعرضت للقصف والتوغل في اقصى شمال وشمال غرب قطاع غزة وشرق مدينة غزة وجنوبها، وفي قلبها وأطرافها، وكأنها تعرضت لزلزال عظيم، وقد تغيرت معالمها بشكل كبير، فالركام يغلق الشوارع، التي حرص الجيش الاسرائيلي على قصفها بقنابل تزن طناً من المتفجرات، وذلك لتفجير عبوات ناسفة افترض الجيش أن المقاومة قامت بزرعها اسفل هذه الشوارع. وتتدفق مياه الصرف الصحي على الشوارع وعلى جنباتها بعد أن تم تدمير أنابيب الصرف الصحي. وأما شبكات الكهرباء والهواتف فقد دمرت، وتلفت أعمدة الهاتف والكهرباء بل تم تفتيتها بفعل الجرافات الضخمة ودبابات الميركفاة التي داستها ذهاباً وإياباً. والى جانب المذابح التي تعرض لها البشر، فإن الحيوانات تعرضت لمذابح. جنوب شرق حي الزيتون، منطقة تكثر فيها حظائر البقر والأغنام. وقتل الجنود الاسرائيليون الذين توغلوا في المنطقة الكثير من هذه الدواب، حيث تبدو الكثير من جثث الحيوانات وقد لاحقها الرصاص حتى عندما حاولت الفرار. وفي قلب مدينة غزة بدا المشهد أكثر مأساوية، حيث بدت الكثير من الشوارع الكبيرة في المدينة وكأنها أطلال. مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية، بدت مجرد مساحات شاسعة من الركام غير المتناهي.

من ناحية ثانية كانت مأساة آلاف الفلسطينيين الذين فروا من منازلهم مع بدء العملية البرية كبيرة، عندما عادوا صباح امس اليها، ليجدوها إما دمرت بالكامل أو بشكل جزئي. المنازل التي كانت تنتظم شرق حي الشجاعية والتفاح قبالة الخط الفاصل مع إسرائيل تحولت الى ركام ايضاً، الكثير من الأهالي الذين عادوا الى منازلهم أجهشوا بالبكاء لما رأوه من دمار وخراب كبيرين.

ولكن أكثر ما أثار حفيظة الفلسطينيين هو ما حل بالمساجد التي كانت عامرة بالمصلين. أحد الأشخاص صرخ بأعلى صوته عندما شاهد ركام مسجد القعقاع بن عمرو، شرق حي التفاح، حيث اختلط الركام بصفحات من القرآن الكريم، التي تناثرت اوراقه في كل مكان. وما حل بالأراضي الزراعية لا يقل بشاعة عما حل ببقية الأماكن.