اللون قسّم الولايات المتحدة.. واليوم يوحّدها

أوباما بالنسبة للأميركيين أول رئيس يمثل المصالحة بين البيض والسود ويطوي صفحة مخجلة من تاريخ البلاد

TT

الحديث عن تاريخية حفل تنصيب الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما يتردد في كل مكان. حتى حفل التنصيب نفسه سيكون حفلا تاريخيا بأعداد الجماهير المتوقع ان تحضر الحفل والذي قد يبلغ المليوني شخص، ليس فقط من أميركيين بل ومن قادمين من أوروبا وافريقيا وانحاء العالم. تاريخية هذا الحدث الذي يحمل شعار «ولادة جديدة للحرية»، وهو شعار استوحاه أوباما من احد خطابات الرئيس الاميركي ابراهام لينكولن الذي أنهى الحرب الأهلية الاميركية والعبودية، سببه باختصار لون اوباما. هذا السبب الذي يوحّد الاميركيين اليوم، هو نفسه الذي قسمهم منذ عشرات السنين.

قد يكون الشعور بالذنب عن سنوات العبودية والتمييز العنصري الذي مورس ضد السود في الولايات المتحدة، هو الذي يجعل الاميركيين البيض يصطفون خلف أوباما. وقد يكون سبب انجذاب البيض اليه بهذه الطريقة، أنه يجمع بين والده الاسود ووالدته البيضاء، وهو بالتالي يجسد أحلى ما في الوحدة الاميركية: التصالح بين البيض والسود. وقد يكون انجذاب الاميركيين الذين يشكلون أقلية، من غير البيض والسود، اليه، سببه أنه يجسد الامل بكل أبعاده. الامل بأنهم هم أيضا بامكانهم ان يحققوا ما حققه رجل أسود في بلد كان أمثاله يعتبرون أقل شأنا من البيض. أما السود الذين ينظرون اليه اليوم على أنه بطل بطريقة ما، فهم يعتبرون ان وصوله الى البيت الابيض هو انتصار لقضيتهم التي ناضلوا لأجلها لعشرات السنين. أخيرا أصبحوا جزءا من النسيج الاميركي. وأخيرا تقبلهم البيض على انهم مساوون لهم.

أهمية لون أوباما رافقته طوال هذه الانتخابات منذ بدايتها، رغم عدم الحديث مباشرة عنها من قبل المرشحين انفسهم الذي خاضوا المعركة الى جانب اوباما. وتفاعل الصحافيون مع قضية اللون وتحدثوا عنها بطريقة تعكس آراء الاميركيين البيض والسود منهم. فقد كتب يوجين روبنسون، وهو صحافي من الاميركيين الافارقة يعمل في صحيفة الـ«واشنطن بوست»: «منذ ايام الحملة الانتخابية، وتعليقات السناتور جون ماكين، مرشح الحزب الجمهوري، ومساعديه ومستشاريه، كان واضحا ان البيض لا يريدون ان يقولوا علنا ما يقولونه بين بعضهم. كان واضحا، ولا يزال، ان البيض يضعون اعتبارا كبيرا للون أوباما. باختصار، يعني هذا انه ليس واحدا منهم، لكنه واحد منا». وأضاف: «لكن ايضا صار واضحا ان اغلبية البيض يضعون اعتبارا خاصا لأوباما لأن والدته بيضاء، ولأن جدته البيضاء هي التي ربته، ولأنه هو نفسه قال انها «الصخرة التي اعتمد عليها وهو في سن مبكرة. يعني هذا ان البيض ينظرون الى أوباما نظرة خاصة، لكنه في نهاية المطاف، ليس واحدا منهم، واحدا كاملا، ابيض كاملا».

في الجانب الآخر، كتب الصحافي واي جي ديون، وهو أبيض يعمل في الصحيفة نفسها: «اوباما ليس مثل بقية السود، وقول هذا لا يعني أي شيء ضده أو معه، لأن الحقيقة هي ان هذا الرجل غير عادي: والده اسود من كينيا، ووالدته بيضاء من كنساس. وولد وتربي في هاواي وعاش سنوات في اندونيسيا، ودرس في جامعتي كولمبيا وهارفارد. انه شخص غير عادي، حتى اذا كان ابيض».

وهكذا، يبدو واضحا ان هذين الصحافيين في جريدة «واشنطن بوست»، رغم ليبراليتهما، ورغم عملهما في صحيفة ليبرالية، ينظران الى اوباما من منظارين مختلفين: اسود وابيض. وبالطريقة نفسها يقسم الشعب الاميركي نفسه ألوانا وأشكالا وأعراقا. لكنه مثل أي شعب آخر، يفضل ان يكون، في نهاية المطاف، شعبا واحدا متحدا، رغم هذه الاختلافات. وأوباما أصبح رمزا لشيء ثالث، غير البياض والسواد، فهو رمز يجمع الاثنين معا. تمثل هذا الاتجاه ماريا ارانا، وهي ايضا صحافية في صحيفة الـ«واشنطن بوست». ليست سوداء ولا بيضاء، ولكنها سمراء هاجرت قبل ثلاثين عاما الى اميركا من بيرو. تتكلم الاسبانية، ولا تفرق كثيرا بين ابيض واسود. كتبت: «من قال ان اوباما اسود؟ انه ليس اسود. نعم، هو يقول ذلك، ونحن نقول ذلك. لكن، الحقيقة هي ان نصفه ابيض ونصفه اسود». واضافت: «لكن ليس سهلا ان نقول ذلك، وان يقول هو ذلك، لان تراث مائتي سنة من تجارة الرقيق، وتراث مائة سنة من التفرقة العنصرية الرسمية، جعلتنا كلنا نتصرف بهذه الطريقة».

وقالت ان البيض والسود في بيرو التي جاءت منها، لا يفرقون بين انفسهم مثلما يفعل الاميركيون، وذلك لأن نسبة البيض والسود قليلة، ولأن الدم الرئيسي في بيرو هو دم الهنود الحمر. ولأن الاعراق الثلاثة، بيض وسود وحمر اختلطت أكثر من اختلاط الشعب الاميركي. وقالت ان البرازيل تشكل مثالا أحسن من بيرو، حيث اختلط وتزاوج لمئات السنين، احفاد الهنود الحمر والرقيق السود والمهاجرين البيض من اسبانيا. وقالت ان البرازيل تنتخب رئيسا كل اربع سنوات، ولا يهتم البرازيليون بلونه كثيرا، ولا يقول احد ان رئيس البرازيل الحالي ابيض او اسود. وهو في الحقيقة اسمر انه خليط من الوان وأعراق كثيرة. وأضافت: «بالنسبة لي، اوباما ليس اول رئيس اسود. انه اول رئيس مختلط الاعراق والثقافات».

قد يكون أوباما بالنسبة للبعض أول رئيس اسود، وبالنسبة للآخرين أول رئيس مختلط الاعراق، ولكن المؤكد أنه أصبح بالنسبة للاميركيين، أول رئيس يمثل الوحدة بينهم بعد تفرقة استمرت عشرات السنوات، ويرمز الى المصالحة بين البيض والسود، ويطوي صفحة مؤلمة ومخجلة في تاريخ دولة تفاخر بأن أعزّ ما لديها.. ديمقراطيتها.