خبراء في جدة: مكافحة القرصنة ذريعة لخلق صراع عالمي للتدخل في البحر الأحمر

20 أسطولا بحريا يجوب المنطقة.. عدد من طاقم سفينة أوكرانية مختطفة سقطوا مرضى

TT

حذر خبراء أكاديميون من تداعيات أزمة القرصنة التي تقودها جماعات قراصنة صوماليين على سواحل البحر الأحمر على الدول المطلة على هذه السواحل، ودول المنطقة بشكل عام. فيما ذكرت تقارير ان بعض افراد طاقم سفينة وكرانية مختطفة قبالة الصومال وعلى متنها 33 دبابة سقطوا مرضى.

وخلص الخبراء خلال ندوة استضافتها جامعة الملك عبد العزيز بجدة أمس إلى أن تلك العمليات يمكن ان تجر المنطقة الي وجود قوات أجنبية بدعوى الحرب ضد القراصنة، بينما تضمر في داخلها مطامع أخرى، وتسهم في زيادة خطر الأطماع الإسرائيلية المتزايدة على منطقة البحر الأحمر، وتزيد من خطر ابتزاز الدول العربية باستخدام القرصنة في مواجهة البترول، إضافة الي الآثار الضارة للقرصنة على النقل البحري في قناة السويس.

وأشارت الندوة الي أن تلك العمليات ستحول المنطقة من منطقة عربية الي منطقة دولية لتجمع القوى العالمية وفرض المصالح الضيقة لكل منها، خصوصا مع دخول القوى العالمية الجديدة مثل الصين والهند والتي تنتظر مثل هذه الفرص لتثبت للأميركيين انتهاء الهيمنة الأميركية وبروز قوى عظمى جديدة، وهو ما بدأ فعليا مع دخول نحو20 أسطولا بحريا الي سواحل قريبه من المنطقة بزعم التصدي لظاهرة القرصنة.

واعتبر الدكتور عبد الرزاق أبو داود، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة الملك عبد العزيز، أن إسرائيل هي من اكبر مهددات منطقة البحر الأحمر. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل هي المسؤول الرئيسي عما يحدث في البحر الأحمر، مشيرا إلى سعيها المحموم لإقامة قواعد عسكرية بذريعة حماية المنطقة، فيما تحمل في حقيقتها نوايا غامضة تعرفها معظم دول المنطقة. ودلل على ذلك بكون عمليات القرصنة لم تستهدف أيا من السفن الإسرائيلية، بل ظلت تستهدف الدول العربية والإسلامية، وأضاف أن هناك دولا بعينها تقوم بعمليات قرصنة في مناطق عديدة في العالم لم تعاقب ولم يشر الي عقوبات ضدها. ورغم إجماع المحاضرين على الأخطار السياسية والأضرار الاقتصادية التي ستحل بدول المنطقة بسبب تلك العمليات، إلا أن نقاشا قويا احتدم بين المشاركين حول الحلول الواجب القيام بها، فرأت نسبة من الأكاديميين ضرورة وجود قوات عربية لمراقبة المنطقة، بينما رأى آخرون ضرورة وجود قوات أجنبية. واعتبر أصحاب الرأي الأخير أن الواقع سيحول الشعوب العربية الى «دلافين» فيما اعتبرت الدول الأجنبية «قروشا». ففي الوقت الذي تحدث فيه الدكتور عبد الرزاق أبو داود عن أهمية البحر الأحمر كونه أهم ممر ملاحي نفطي، وكونه الممر والشريان الرئيس للنقل البحري بين أوروبا ودول العالم، إضافة الي اقتصاديات الجغرافيا التي يتمتع بها واحتوائه على ثلاثة مضائق مهمة، والعديد من الجزر الاستراتيجية، وما يتمتع به من ثروات نفطية ومعدنية تعد مطمعا لكثير من الدول المحرضة على القرصنة للاستيلاء على تلك المصالح، اتهم أبو داود دولا بعينها بتيسير عمليات القرصنة لعل أبرزها اسرائيل لتحقيق اهدافها بالدخول الى منطقة البحر الأحمر.

من جانبها شددت الدكتورة سهام بيومي على أن التحرك الاقتصادي والإعلامي الكبير الذي لازم عمليات القرصنة في منطقة البحر الأحمر يثبت أطماع بعض الدول في المنطقة، رغم أن عمليات القرصنة منتشرة في الكثير من الدول والمناطق في مختلف دول العالم، ورغم ارتفاع الحالات في منطقة خليج عدن والتي زادت من 24 حالة في العام 2003 إلى 61 حالة خلال العام الماضي، كما أشارات الي ارتفاع تكاليف النقل الي ما يقارب 50 في المائة. وشهدت المحاضرة التي ألقاها خبير الإعلام الاقتصادي، عبد المنعم مصطفى، عددا من المداخلات الساخنة والاعتراضات عقب دعوته للدول العربية بالتحول الى اسماك قرش تدفع عن شواطئها وألا تستكين كالدلافين المسالمة التي تحتمي بأسماك القرش الطامعة، ووصف تحرك اليمن السياسي في مشكلة القراصنة بأنه خوف على مصالح الوحدة اليمنية، خصوصا مع الجمود الاميركي تجاه القضية، وهو ما أثار اليمن سياسيا، وأوحى لصناع القرار فيه بالاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا تهمها المصالح اليمنية ولم تعد تكترث بها. وأضاف عبد المنعم بقوله «كما أن مصر خائفة على مصالحها الاقتصادية من جهة قناة السويس، كون العمليات ستقلل من الحركة الاقتصادية في المنطقة وستؤثر على الجانب الاقتصادي حتى على المواطنين في الدول العربية المحيطة جميعها بسبب قلة العائد الاقتصادي. الى ذلك قال رجل أعمال صومالي إن بعض أفراد طاقم سفينة أوكرانية مختطفة قبالة الصومال وعلى متنها 33 دبابة سقطوا مرضى. واختطفت السفينة «إم في فاينا»، وهي الأبرز من بين ما يزيد على عشر سفن احتجزت قبالة الصومال في سبتمبر (ايلول) مع طاقم مكون من عشرين فردا وشحنة دبابات من طراز «تي ـ 72» تعود للحقبة السوفياتية بالإضافة الى أسلحة. ويريد القراصنة خمسة ملايين دولار للإفراج عن السفينة وطاقمها الذي يتألف بشكل أساسي من روس وأوكرانيين. وتوفي احد أفراد الطاقم بعد أن شعر بالمرض في الأيام الأولى للاختطاف.

وقال رجل الأعمال عثمان فارح الذي لديه تعاملات مع القراصنة لـ«رويترز» أمس «إن سبعة من طاقم «إم. في فاينا» مرضوا، ونعتزم اخذ أطباء صوماليين لعلاجهم على السفينة». وأضاف «ظهر طفح جلدي على أجسامهم ويعانون من الإسهال. بعضهم ضغطه مرتفع. لا نعرف المرض تحديدا لكننا نعتقد أن المواد الكيماوية للأسلحة على السفينة أثرت عليهم».

وقال آندرو موانغورا، منسق برنامج مساعدة بحري بشرق أفريقيا ومقره كينيا، إنه سمع أيضا أن بعض أفراد الطاقم يشعرون بالمرض. وأضاف «أعتقد انه مجرد إجهاد بعد بقائهم هناك لفترة طويلة. من الطبيعي أن يسمح القراصنة للطاقم بالحصول على بعض الراحة مثل لعب الكرة والصيد. لكن مع وجود عتاد عسكري من هذا القبيل على السفينة فان الأمن مشدد جدا».