الشيخ صباح الأحمد: معطيات سلبية تراكمت وهمشت العالم العربي.. وما من خطر أعظم علينا من الفرقة والتناحر

قال إن المبادرة العربية تمثل الأساس لموقفنا العربي الواضح.. وإسرائيل تخطئ بتجاهل قوة الحق والاعتماد على حق القوة

صورة للقادة بعد الجلسة الافتتاحية لقمة الكويت الاقتصادية (إ.ب.أ)
TT

شدد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، في كلمته الافتتاحية لقمة الكويت أمس، على أن «المبادرة العربية للسلام التي اعتمدت، وتكرر التأكيد عليها في عدة مؤتمرات قمة، تمثل الأساس لموقفنا العربي الواضح». وطالب الشيح صباح الأحمد بـ«خطوات عملية لتثبيت وقف إطلاق النار» في غزة، وللتوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على أساس «الحقوق المشروعة» للشعب الفلسطيني. كما طالب بمواصلة الجهود العربية مع المجتمع الدولي حتى يتم تطبيق القرار 1860، بما يؤدي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة. وأكد أمير الكويت تبرع بلاده بمبلغ 34 مليون دولار لصالح وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وذلك لتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني. وهنا نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو قادة الدول العربية الشقيقة. فخامة الأخ الرئيس بشار الأسد رئيس القمة العربية. فخامة الرئيس عبد الله واد رئيس جمهورية السنغال الصديقة ورئيس منظمة المؤتمر الإسلامي. معالي بان كي مون السكرتير العام للأمم المتحدة. معالي عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية. أصحاب المعالي والسعادة الضيوف الكرام. السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحييكم تحية أخوية طيبة، وأعلن افتتاح هذا اللقاء التاريخي، مبتدئا بالترحيب الحار بكم جميعا في بلدكم الكويت، وأقرن هذا الترحيب بمشاعر الاعتزاز لقبولكم دعوتنا لحضور هذه القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، التي أسهم في تبنيها فخامة الأخ الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة.

وأثمن كثيرا تقديركم لأهمية ما سنبحثه في هذا الاجتماع، وأنوه بحرصكم على الوصول إلى الهدف الذي نرجوه من هذا اللقاء الخير، ويشاركني في هذا الترحيب شعب الكويت الذي لا يداني صدق مشاعره نحوكم، إلا عمق اليقين بأن يخرج هذا المؤتمر التاريخي بحصاد يحقق الآمال ويمنح المصداقية لمتانة الأفعال. ومن خارج هذه القاعة يتابع أبناء الأمة العربية إسهاماتنا للوصول إلى ما يتمنونه من هذا اللقاء غير المسبوق، ويأملون بأن تنسجم المكاسب مع قوة التحديات.

إننا جميعا نتطلع إلى هذه القمة كفاتحة خير في نهج جديد ومنظم، في العمل العربي المشترك، آملين أن تنصب فيها جهودنا المخلصة على مراجعة القضايا والتحديات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، التي تواجه دولنا وشعوبنا العربية، عاقدين العزم بإذن الله على تحقيق ما تصبو إليه من مشاريع وبرامج تنموية استراتيجية، غايتها الارتقاء بمستوى المعيشة وتوفير فرص العمل المنتجة لشعوبنا، والنهوض بالأداء الاقتصادي لدولنا، كي تلحق بالركب العالمي.

إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.. اسمحوا لي أن أستهل كلمتي هذه بالترحم على أرواح الشهداء الأبطال والأبرياء الذين سقطوا في غزة الباسلة، أن أحيي نضال وصمود الشعب الفلسطيني وهو يدافع ببسالة عن كرامته الإنسانية، متمسكا بحقه الطبيعي في إقامة دولته المستقلة، كي تتوفر له الحياة الآمنة والكريمة كسائر شعوب العالم، فأهلنا العزل في غزة يواجهون عدوانا إسرائيليا بشعا يستهدف الأبرياء ويدمر كل مقومات الحياة.

إن حجم هذا العدوان وضراوته، والأسلحة والقذائف المحرمة دوليا التي استُخدمت فيه، والمواقع التي استهدفها، وعدم الاكتراث بتضخم أعداد القتلى والجرحى والمشردين، والتدمير الكامل لكل مرافق الحياة في غزة، كل ذلك لا يتفق أبدا ولا يتناسب مع مزاعم إسرائيل التي ساغتها لشنها عدوانها.

إن هذا العدوان يعتبر بحق جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية، وهو من الجرائم التي تدينها وتحرمها القوانين الدولية، كما أنه يمثل انتهاكا صارخا لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، بالتالي فإنه يستوجب الوقف الفوري لهذا العدوان، ومحاسبة المسؤولين عنه.

إننا لا نستطيع، ونحن نجتمع اليوم وصدى ذلك العدوان الإسرائيلي يخيم علينا وأنات الشعب الفلسطيني وأطفاله في غزة ومشاهد القتل والدمار تغرق ضمائرنا، إلا أن نتدارس معا هذه المأساة بكل مسؤولية وأمانة، فواجبنا أن نتفق، كقادة مجتمعين، على خطوات عملية لتثبيت وقف إطلاق النار، الذي تم الاتفاق عليه وقفا دائما، ورفع المعاناة المستمرة عن الشعب الفلسطيني، والاستجابة لأهدافه المشروعة في إقامة دولته المستقلة، فمن دون ذلك لن يتحقق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة الذي ننشده جميعا.

وإنني أهيب بالإخوة القادة، بمواصلة الجهود التي بذلتها دولنا في إطار الجامعة العربية - وبالتعاون مع المجتمع الدولي - حتى نطمئن إلى التطبيق الفوري والشامل لقرار مجلس الأمن الأخير، والداعي إلى وقف القتال، تمهيدا للانسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المشروط، ورفع الحصار والمعاناة عن شعبنا في غزة. وإننا، في هذا المقام، نشيد بجهود فخامة الأخ الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، ومساعيه الرامية إلى وقف إطلاق النار، حقنا لدماء الأشقاء في غزة، كما نقدر دعوته إلى عقد قمة شرم الشيخ الدولية، التي أكدت على تثبيت وقف إطلاق النار، ورفع الحصار عن غزة، وفتح المعابر، واستكمال انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، من أجل تقديم المساعدات الإنسانية. والدعوة إلى عقد اجتماع دولي للدول المانحة في منتصف شهر فبراير القادم، لإعادة إعمار ما دمرته الآلة الحربية الإسرائيلية في غزة.

إننا نقدر الأفكار والمقترحات، ونثمن التحركات والجهود، التي قام بها وقدمها العديد من الإخوة القادة، في جهد مخلص لوقف تلك المأساة، التي تعرض لها أشقاؤنا في غزة، فلهم جميعا منا بالغ الشكر والتقدير.

إن مماطلة إسرائيل في تنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير - كعهدها في تجاهل قرارات الشرعية الدولية والالتزامات الثنائية والمتعددة الأطراف - تبرهن للعالم، المرة تلو الأخرى، على حقيقة النوايا الإسرائيلية، في الاعتماد على حق القوة، وتجاهل قوة الحق، لكنها - بكل تأكيد - مخطئة، إن ظنت أن منطق القوة كفيل بتحقيق الأمن والاستقرار. ولها في تاريخها شواهد كثيرة ومتتالية، فتجارب التاريخ برهنت على أن الحوار والمفاوضات والتفاهمات واحترام الالتزامات المبرمة وقرارات الشرعية الدولية، هي النهج الأمثل لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار. وأن القوة العسكرية والعدوان وسياسات قضم الأراضي والتشريد، تشحن النفوس وتؤجج الكراهية وتغذي التطرف.. ليس في أوساط الفلسطينيين فحسب، وإنما يتعداهم إلى شعوب العالمين، العربي والإسلامي، وسائر دول العالم المحبة للسلام والعدالة، فتتوسع دائرة العنف وترتد آثارها، وليذهب ضحيتها مزيد من الأبرياء.

إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..

إننا مطالبون اليوم أن نقف معا، وبكل صلابة، مع أشقائنا الفلسطينيين في غزة، وأن نواصل تقديم أشكال العون والإغاثة كافة لهم، والعمل على إعادة إعمار قطاع غزة، في إطار جهد دولي مشترك، ومن خلال مؤتمر دولي للدول المانحة.

وإن دولة الكويت ليسرها أن تلبي النداء الذي وجهته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بالتبرع الفوري لتغطية كامل احتياجاتها، والمقدرة بأربعة وثلاثين مليون دولار، إيمانا منها بالدور الإنساني لهذه الوكالة، ولمواجهة الحاجات العاجلة للأشقاء الفلسطينيين، كما أنها ستدعم الجهد الدولي للدول المانحة، وستشارك فيه.

إن تحقيق هذه الغايات ونجاح كل المساعي النبيلة يستلزمان، في المقام الأول، توحيد الصف، واتفاق الكلمة، وإزالة الفرقة بين الإخوة في فلسطين. وإنني من هذا المنبر - وباسمكم جميعا - أدعو القيادات الفلسطينية كافة، إلى الوحدة والتكاتف والتعاون. فما من خطر أعظم على إخوتنا في فلسطين - وعلينا جميعا كذلك - من الفرقة والتناحر بين الأشقاء. إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..

لم تكن القضية الفلسطينية بصفة عامة، والموقف العربي من مسلسل العدوان الإسرائيلي على شعبنا العربي في الأراضي العربية المحتلة، والذي يمثل العدوان المستمر على غزة أحد فصوله، بصفة خاصة، إلا مصدر توحيد في مواقفنا العربية، ومنبع دعم وتأييد مستمر لنضال أشقائنا وصدهم للعدوان. ولا نتصور، ولا نريد، أن يكون ذلك بأي حال من الأحوال مصدر انشقاق وفرقة وتمزُّق، في مواقف دولنا تجاه هذه القضية المصيرية.

إننا لا نستطيع، ولا نملك، سوى أن نكون متحدين في مواقفنا ومطالبنا، وإن اختلفت اجتهاداتنا وطرائق تعاملنا، فكلنا ننشد المصلحة العليا للشعب الفلسطيني في حقه في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية، التي لن تتحقق إلا بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ولعل المبادرة العربية للسلام، والتي اعتمدت، وتكرر التأكيد عليها في عدة مؤتمرات قمة لنا، تمثل الأساس لموقفنا العربي الواضح والصريح. نسأل الله القدير أن يرحم الشهداء الأبرار. ويحمي إخوتهم. ويجمع كلمتهم. ويوفقهم على طريق العزة والسداد. إنه سميع مجيب. إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..

إن واقع الحال، في غالبية دولنا، يشهد على تدنّ رهيب في مستويات المعيشة، وتراجع كبير في الدخل الفعلي للفرد، وارتفاع خطير في معدلات البطالة، وبخاصة بين الشباب. وواكب ذلك تخلف في نوعية الخدمات التعليمية اللازمة للتنمية الحديثة، وضيق في القدرات الاستيعابية لمؤسساتها، وغالبية شعوبنا لا تنعم إلا باليسير من مكونات الرعاية الصحية الحديثة، وتغذي هذه الاتجاهات السلبية ضغوط النمو السكاني. ولقد يسرت هذه الظروف - بكل أسف - هجرة العقول العربية ذات الخبرة والكفاءة، إلى الدول الأجنبية.

وأمام هذا الواقع المؤلم، ورغم ما حبا الله بلادنا من خيرات وطاقات، تخلفت قدرات دولنا على الإسهام في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، فتراجعت قيمة الصادرات التجارية للسلع والخدمات، بينما ارتفعت في المقابل فواتير الواردات، لتنهش المدخرات الوطنية ولتضعف قدرات اقتصاديات دولنا على النمو والتطور.

إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..

لقد تراكمت هذه المعطيات السلبية عبر السنوات الطويلة، حتى أصبح العديد من دولنا العربية الأكثر تهميشا وتراجعا على مستوى العالم، في معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية كافة، التي تقاس بها مكانة الدول ودرجات تقدمها، وأسهمت هذه الظروف الصعبة في تكريس اليأس عند شعوبنا، من القدرة على مواجهة التحديات، وعلى التطور واللحاق بالركب العالمي، وانتشر الشعور الواسع بالتهميش من التقدم الذي يشهده العالم، فتولدت البيئة الخصبة للتطرف والغلو والكراهية، واندفع الكثيرون من شبابنا إلى أعمال غير مشروعة للتعبير عن هذا الضيق، مما أثر سلبا على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في مجتمعاتنا، وأخذ يهدد أمن المنطقة ككل، وانتقل منها إلى بقية دول العالم. حتى كاد مجتمعنا العربي يوصم بمصدر للتوترات حول العالم.

فألقت هذه الظروف الصعبة بظلالها السلبية على وطننا العربي، فطغى الخلاف بيننا على التعاون والتردد على المبادرة، وحبست المصالح المشتركة في شراك الشك، فتعثرت جل مساعي دولنا ومنظماتنا العربية المتخصصة، الهادفة إلى وضع الخطط وتنفيذ مشاريع العمل المشترك.

ولقد أدى ذلك إلى تفويت الفرص المواتية لرفع معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي وتوفير سبل العمل المنتج لشعوبنا، ففاتت على شعوبنا الفرص الكثيرة والمواتية للحاق بركب الدول والمجموعات الإقليمية والدولية ذات التجارب الناجحة.

إن السبب الرئيسي في ذلك - في اعتقادي - يعود إلى تركيزنا على نقاط الاختلاف في رؤانا ومواقفنا تجاه المشكلات السياسية، والتي استنزفت معظم طاقات العمل العربي المشترك خلال العقود الأخيرة. ولقد تصلبت الخلافات العربية السياسية حتى حجبت جل آفاق التعاون الأخرى، وبخاصة في مجالات التنمية الاقتصادية الرحبة.

فانصرفت الأنظار والاهتمامات عن التحديات والمتغيرات الاقتصادية، والتي كان بوسعها أن تبدل واقع الحال. وتسهم في تخفيف الخلاف، وتكسر الجمود، وتفسح المجال لآفاق التعاون الإيجابي والمثمر.

ومن هذا المنطلق، ولاستعادة الفرص الضائعة، جاءت فكرة عقد هذه القمة الاقتصادية التنموية، وإننا على الأمل أن تسهم هذه القمة المتخصصة في خلق نهج جديد للتعاون العربي، وإلى تطوير أطر وآليات عمل مبتكرة في العمل التنموي المشترك، تعود بالنفع المباشر على الإنسان العربي، وتوفر له فرص العمل المنتج والحياة الكريمة، وتعزز من مكانة إقليمنا العربي على المستوى العالمي، كشريك فعال في التنمية والازدهار. كما نتطلع إلى أن تسهم هذه القمة في تحرير الإنسان العربي من الجوع والفقر والمرض، وأن تطلق ما في داخله من طاقات الإبداع والنبوغ والفكر الكامنة، وتكون منطلقا للتركيز على هذه القضايا الحيوية، لتحقيق ما ينشده المواطن العربي من ازدهار وارتقاء.  إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..

إن قمتنا هذه تنعقد في ظل ظروف اقتصادية غير عادية، فالاقتصاد العالمي يمر بأزمة غير مسبوقة تاريخيا في حجمها وشموليتها ووقعها، بدأت تهز أركان الفلسفة والمبادئ والأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العالمي الحديث، وامتدت آثارها السلبية على المؤسسات المالية والاقتصادية حول العالم، وبمختلف نشاطاتها، وتراجعت معها معدلات النمو الاقتصادي بشكل كبير، مما سيقود اقتصاديات الدول الكبيرة إلى مرحلة من الانكماش، الأمر الذي سيترتب عليه عواقب خطيرة على بقية دول العالم، مهما تواضعت اقتصادياتها، فلا يبدو أن أحدا في مأمن من مخاطر هذه الأزمة الطاحنة.

إلا أنه من أخطر تداعيات هذه الأزمة ارتفاع معدلات البطالة، وازدياد نسبة من هم تحت خط الفقر إلى مستويات غير مسبوقة - خصوصا في الدول النامية - مما ينذر بكارثة قد تهدد النسيج الاجتماعي والأمن الداخلي للدول المتضررة، وما قد تسببه من مخاطر وخيمة. ولقد ألقت تلك الأزمة بظلالها على اقتصاديات دولنا العربية، حيث لن تسلم أية دولة من تأثيراتها السلبية، وإن بدرجات متفاوتة. وكما تعلمون أيها الإخوة، فإن دعوتنا إلى هذه القمة، كانت قبل بدء الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، وفي ظل ظروف اقتصادية إقليمية وعالمية أفضل، وكنا نطمح إلى استغلال تلك الظروف المواتية لتحقيق ما نصبو إليه من تطلعات تنموية، تعوض عن الإخفاقات السابقة بنجاحات جديدة، وتؤسس لفكر تنموي حديث، يطور نظمنا الاقتصادية، ويسهم في بناء اقتصاد عربي متين ومتماسك، ويستند إلى آليات متطورة للعمل العربي الاقتصادي المشترك. إلا أننا نجد في هذه التطورات الاقتصادية الراهنة ما يضع على كاهلنا عبئا جديدا، ألا وهو تدارس تداعيات هذه الأزمة علينا كدول وشعوب في جهد حثيث. وعلينا أن نتدارس السبل الكفيلة بتقليص الآثار السلبية لهذه الأزمة، وأن نتحرك جميعا بشكل مدروس لتجنيب اقتصاديات دولنا المزيد من الانكماش والتراجع، وأن نسعى إلى تحصين اقتصادياتنا بسياسات وإجراءات توفر درجة مناسبة من النمو الاقتصادي في الفترة القادمة، وأن نحافظ على تدفق رؤوس الأموال العربية والأجنبية، ونواصل جهود المشروعات العربية المشتركة، ونحميها من تداعيات الأزمة الراهنة. كما نجد لزاما علينا أن نعمل وننسق معا لطرح رؤية عربية اقتصادية مشتركة، تسهم في الجهود الدولية القادمة لصياغة نظام عالمي اقتصادي جديد، وبما يرعى مصالحنا التنموية والاقتصادية والتجارية المشروعة، فالتخلف عن هذا الركب سيكون له آثار سلبية على اقتصادياتنا، ولسنوات طويلة قادمة.

 إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..

إن دولة الكويت تتطلع إلى هذا الاجتماع المبارك، كي يصبح نقطة انطلاق جديدة للعمل العربي المشترك، بغية تحقيق طموحات وتطلعات شعوبنا العربية في التنمية والاستقرار والرخاء، والركيزة الأولى لهذه الانطلاقة مبدأ هام وجديد يقوم على تحييد العمل الاقتصادي عن العمل السياسي، فلا تذهب فرص التعاون الاقتصادي بجريرة الاختلافات السياسية، فتضيع مصالح شعوبنا الحيوية، ولنا في تجارب المجموعات الإقليمية الدولية المختلفة خير مثال.

والركيزة الثانية هي عدم الإصرار على الإجماع في تنفيذ المشاريع الحيوية المشتركة، بل علينا تشجيع الراغبين والقادرين عليها، للمضي فيما بينهم لتعزيز الاندماج والتكامل، على أن ينضم إليهم الآخرون متى تبدلت ظروفهم.

وبهذه الآلية نكون قد فعلنا الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية وشجعنا مشاريع العمل العربي المشترك - وبخاصة المتصل منها بالبنية التحتية المشتركة التي ستزيد من حركة تبادل السلع والخدمات - لتتشابك المصالح وتتعاظم العوائد الاقتصادية لشعوبنا، على المدى المتوسط والطويل، ولقد برهنت جميع التجارب أن التشابك الاقتصادي أكثر ديمومة ووقعا من الاختلافات السياسية العابرة.

والركيزة الثالثة تتمثل في إشراك القطاع الخاص - لما يملكه من قدرات وإمكانيات فنية ومالية وبشرية - في تنفيذ برامج ومشاريع العمل الاقتصادي العربي المشترك. وعلينا العمل على تهيئة المناخ الملائم والسياسات الكفيلة في تعزيز فرص نجاحه وتوفير روافد التمويل الطويل الأجل واللازم لتنفيذ المشاريع الهادفة. كما علينا دعم وتشجيع مبادرات المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والقائمة على استغلال الموارد المحلية المتاحة من سلع وخدمات، نظرا إلى ما توفره من فرص عمل حقيقية للعمالة الوطنية في بيئة واثقة.

لذلك فإن دولة الكويت - وإسهاما منها في تمكين القطاع الخاص والأعمال الصغيرة والمتوسطة من القيام بدورها في شبكة التنمية الاقتصادية العربية - يسرها أن تعلن عن مبادرة تنموية تهدف إلى توفير الموارد المالية اللازمة لتمويل ودعم مثل هذه المشاريع، برأسمال قدره مليارا دولار، على أن توكل إدارة هذه المبادرة التنموية إلى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي - والذي يمثل إضاءة بارزة في العمل العربي المشترك - وذلك من خلال مجلس أمناء من الدول المسهمة في هذه المبادرة، وأن يتولى مجلس الأمناء المذكور رسم برامج المبادرة وتوفير أدوات التمويل اللازمة لها، وبما يضمن استدامة عملياتها ويحقق أهدافها المرجوة.

ويسرني من هذا المنبر أن أعلن عن إسهام دولة الكويت بمبلغ خمسمائة مليون دولار من رأسمالها، لتفعيل انطلاقة هذه المبادرة التنموية، متطلعين إلى دعم أصحاب الجلالة والفخامة والسمو لهذه المبادرة، والإسهام في تمويلها، آملين أن تكون رافدا حيويا لتعزيز العمل العربي الاقتصادي المشترك، والنهوض بدور القطاع الخاص العربي.

إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..

أجدد الترحيب بكم، متمنيا لكم طيب الإقامة في بلدكم الكويت، شاكرا كل من أسهم في الإعداد لهذا المؤتمر، وأغنى فرص نجاحه، وآخر دعوانا أن يكلل المولى عز وجل أعمال مؤتمرنا بالتوفيق والسداد، وأن تحقق مساعينا وقراراتنا الخير لشعوبنا وأمتنا العربية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.