الغزيون منقسمون حول تقييم نتائج العدوان على القطاع

هناك من يعتقد بأنها أخطأت بعدم الحفاظ على التهدئة وآخرون يرون أن إطلاق الصواريخ كان ضرورة بعدما رفض إسرائيل الالتزام

TT

بالنسبة لمعظمهم، كانت هذه أول مرة يخرجون فيها من مناطق سكناهم بعد إعلان وقف إطلاق النار الذي أنهى الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة قبل ثلاثة ايام. من هنا كان ركاب سيارة الأجرة التي انطلقت أمس من مدينة دير البلح، وسط القطاع، صوب مدينة غزة يولون اهتماماً بكل ما يرونه من آثار للدمار الذي لحق بالمؤسسات العامة والبيوت وحتى الشجر على جانبي شارع صلاح الدين الذي يربط شمال القطاع بجنوبه.

اكتفى ركاب السيارة خلال هذه الرحلة بمشاهدة آثار التدمير دون التعليق على ما يرون، لكن ما أن دخلت السيارة الطرف الجنوبي من حي الزيتون، وبدت مظاهر الدمار المروع الذي لحق بالمنطقة تتكشف على حقيقتها، حتى انفجر جدال صاخب بين ركاب السيارة. وافتتح النقاش السائق الذي قال وهو يشير إلى عدد من الأشخاص يبحثون بين أنقاض أحد المنازل عن جثث وأشلاء لأشخاص قتلوا في القصف الإسرائيلي «إن الفصائل الفلسطينية أخطأت عندما أعلنت عن عدم الالتزام بوقف العمل بالتهدئة وقيامها بإطلاق الصوارخ على المستوطنات اليهودية جنوب إسرائيل»، معتبراً أن هذا الإعلان كان متسرعاً وغير مدروس، وأنه ساهم في توفير المسوغات لإسرائيل للشروع في حملتها العسكرية غير المسبوقة ضد الفلسطينيين في القطاع. وأضاف «أعلم أن إسرائيل كيان مجرم وإرهابي، لكن كان يتوجب علينا أن نتعامل معه بشكل أكثر حكمة وذكاء». وما أن أنهى السائق جملته، حتى انفجر أحد الشخصين اللذين يجلسان بجواره، قائلاً «الإعلان عن وقف العمل بالتهدئة والشروع في إطلاق الصواريخ، كان ضرورة بعدما رفضت إسرائيل تنفيذ التزاماتها في اتفاق التهدئة» وأضاف «لماذا تنعم إسرائيل بالهدوء والأمان، في حين نعاني هنا نحن من الحصار». وعندما تساءل السائق عما اذا كان الحصار سيرفع في أعقاب هذه الحملة، اصر محاوره على أنه سيتم رفع الحصار وفتح المعابر، موضحاً أن إسرائيل والعالم باتوا يدركون أن الفلسطينيين لا يمكنهم التسليم بأن يموتوا بالحصار «وإن كان سيتم تخييرهم بين أشكال الموت، فإنهم سيفضلون الموت بنيران إسرائيل، لا بالجوع»، على حد تعبيره. وأعاد راكب ثالث الى الأذهان حقيقة أن هذا الجدل يمكن أن يكون سليماً لو كانت المقاومة هي التي قامت بخرق اتفاق التهدئة، مشيرا إلى أن إسرائيل هي التي خرقت التهدئة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما اقتحمت غزة وقتلت 20 من عناصر كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس.

هذا الجدال هو مثال للجدالات التي تنفجر حاليا بين الفلسطينيين بعدما صمتت المدافع. فهناك اختلاف بين الناس مثلاً حول حقيقة ما حققته المقاومة في عملياتها في القطاع. رضوان حمدان، أحد أصحاب البسطات المتنقلة الذي يعمل في محيط ميدان فلسطين، وسط مدينة غزة، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه متيقن من أن إسرائيل حاولت التغطية على حقيقة خسائرها في المواجهات، مشدداً على أن المقاومة قد نجحت في تكبيد خسائر كبيرة للجيش الإسرائيلي وأن التكتم عليها جاء لحفظ الروح المعنوية للجمهور الإسرائيلي. لكن غسان أبو سمحة، الذي يعمل مدرساً في المنطقة الوسطى من القطاع، لا يقبل هذا الزعم، ويجزم أنه حتى اعلان كتائب القسام عن قتل 48 من جنود الاسرائيليين يدلل على أن خسائر إسرائيل في هذه الحملة قليلة مقارنة بالخسائر الفلسطينية، مشيراً الى أن المجمتع الإسرائيلي لم يتكبد خسائر تجعله مستعدا للضغط على حكومته لاعادة تقييم سياستها تجاه غزة. وفي تصريحات لـ «الشرق الاوسط» يستدرك ابو سمحة قائلاً إنه لا يشك في بسالة المقاومة في الدفاع عن القطاع، لكنه يرى أن هناك مشكلة في القدرات التسليحية لفصائل المقاومة، مؤكداً أن حديث إسرائيل عن عمليات تهريب واسعة للسلاح الى قطاع غزة أصبح مشكوكا فيه لأنه باستنثاء الصواريخ التي ضربت العمق الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، فإن المواجهات داخل القطاع لم تظهر أن الفصائل قد حصلت على سلاح قادر على خرق ميزان القوى بين الجانبين.