نظرة أوباما للشرق الأوسط لا تزال غامضة.. بانتظار تعيين مبعوثيه للمنطقة

رشيد الخالدي لـ«الشرق الأوسط»: أوباما يتعاطف مع الفلسطينيين ولكنه لا ينقاد بعاطفته

TT

«أوباما يتعاطف مع القضية الفلسطينية بشكل واضح، وهذا بدا واضحا في تعليق له في العام الماضي على أن الشعب الفلسطيني يعاني أكثر من أي شعب آخر، ولكنه في النهاية سياسي ولا ينقاد بالعاطفة. لو كان كذلك لكان ركز على قضية العنصرية خلال حملته». هكذا باختصار يرى رشيد خالدي، الأكاديمي الفلسطيني الأميركي الذي تربطه علاقة صداقة بأوباما منذ أيام الدراسة، رؤية الرئيس الأميركي الجديد تجاه الشرق الأوسط. وعلى الرغم من علاقة الصداقة التي كانت تربط الخالدي بأوباما خلال الفترة التي قضاها الأخير في مجلس ولاية ايلينوي قبل ترشحه إلى مجلس الشيوخ الوطني، فإن خالدي يصر على أنه لا يعرف كيف يفكر أوباما بعمق فيما يتعلق برؤيته للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والقضايا في الشرق الأوسط. «كان يستمع إليّ، وهو نفسه اعترف بذلك، ولكنه كان يستمع إلى آخرين أيضا»، يقول خالدي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، لا يعرف أحد بعد كيف يفكر أوباما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ولا كيف سيتعاطى مع الملف الإسرائيلي الفلسطيني الذي فرض نفسه على قائمة الأولويات التي على الإدارة الجديدة أن تتعاطى معها منذ اليوم الأول. يقول غرام بنامان الذي كان يعمل سابقا كبير موظفي لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وخبيرا في السياسية الأميركية في الشرق الأوسط، إن التغييرات الواضحة التي ستطرأ على إدارة أوباما في موضوع الشرق الأوسط، هي تجربة خطوات دبلوماسية تجاه إيران وسورية. ويقول بنامان عن أوباما إنه رجل «مستمع»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يأتي الناس يتحدثون إليه يستمع إليهم، وما يقوله الناس له يؤثر على تفكيره». الأمر الذي يمكن لبنامان أن يؤكده، هو أن بايدن سيكون له دور كبير في تقرير السياسة الخارجية في المنطقة، ويقول: «هو له خبرة كبيرة في هذا المجال، وأنا أعرف أنه سيكون له دور في الشرق الأوسط إلى جانب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وبالطبع الفريق الخاص الذي سيعينه أوباما للشرق الأوسط». ولكن ما عدا ذلك، كل المتبقي يبقى ضبابا. وعلى الرغم من أن أوباما أجرى التعيينات الحكومية والرئيسية في إدارته الخاصة بالعلاقات الخارجية والأمن القومي، فإنه لم يعين بعد مبعوثيه ومندوبيه للشرق الأوسط. وترددت بعض الأسماء في هذا الصدد، كان آخرها اسم جورج ميتشل، السياسي الأميركي اللبناني الأصل الذي كان رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ، بعد أسابيع من الحديث عن عودة دينيس روس مبعوثا خاصا للمنطقة، وإمكانية تعيين دانيال كورتزر، السفير الأميركي السابق لإسرائيل وقبلها إلى مصر، ويتحدث العبرية بطلاقة، وهو يعتبر خيارا وسطيا مقارنة مع روس. وإلى حين إجراء هذه التعيينات، يبقى المنظار الذي سيعالج منه أوباما قضية الشرق الأوسط غير واضح المعالم. إلا أن خالدي وناشطا فلسطينيا أميركيا آخر هو علي أبو نعمة التقى أوباما نحو 10 مرات في تجمعات في ايلينوي وفي منازل أصدقاء مشتركين، تحدثا لـ«الشرق الأوسط» حول توقعاتهما من أوباما.

وفي حين يبدو خالدي أكثر تفهما لموقف أوباما وللقيود التي تلفه، يبدو أبو نعمة أكثر جزما حين يتحدث عن علاقة الرئيس الجديد بالقضية الفلسطينية. «أوباما قال إنه متعاطف مع الفلسطينيين ولكن لا أصدق ذلك... أعتقد أنه سياسي ولا أعتقد أنه متعاطف مع الفلسطينيين نظرا لمواقفه الأخيرة وأعماله. قال إنه متعاطف مع الفلسطينيين لأنه كان بحاجة لأصواتهم كي يتم انتخابه». تعود علاقة أبو نعمة وخالدي بأوباما إلى ما قبل عام 2004 حين كان أوباما نائبا محليا في مجلس ولاية ايلينوي، وكان حينها يلتقي بالناشطين الفلسطينيين والعرب في دائرته من باب التواصل مع ناخبيه. يقول أبو نعمة إنه بعد فوز أوباما بمقعد في مجلس الشيوخ الوطني، قطع علاقته بالأميركيين العرب الذين كان يتواصل معهم. ينظر أبو نعمة إلى أوباما على أنه «سياسي طموح»، ويقول عنه: « يدخل إلى الغرفة ويشعر الجميع أنه يشاركهم الرأي. كان يأتي إلى تجمعات يرفض السياسيون الآخرون الحضور إليها، ولكن أعتقد أنها كانت بهدف انتخابي. ما يفعله اليوم هو المشكلة، رفضه لكي يكون على علاقة بالعرب والمسلمين». ويضيف: «أعتقد أن هناك الكثير من التمنيات بأن يكون شخصا ليس عليه». ولكن خالدي يبدو أكثر تفهما لموقف أوباما، ولا يلقي اللوم بالكامل عليه كما يفعل أبو نعمة. خالدي رفض الخوض بالتفصيل في علاقته الشخصية بأوباما، ولكنه يقول عنه: «أوباما كان ممثلنا في مجلس الشيوخ في ولاية ايلينوي وكان جارنا وزميلي في الجامعة. كنا أصدقاء طبعا. إنما أنا تركت شيكاغو منذ ست سنوات عندما كان لا يزال في مجلس شيوخ الولاية، لم تنقطع علاقتنا ولكن لم أعد أراه. فأنا في نيويورك وهو في شيكاغو أو واشنطن». ويضيف عن طريقة تفكير أوباما حول الشرق الأوسط: «ليس لدي نظرة معمقة عن آرائه، فقد كان دائما شخصا يسمع، وبذكاء، ولكن لم يكن يبد رأيه في الكثير من المسائل. كان يسمع مني ومن غيري طبعا». يقول الخالدي إن أوباما سيضطر إلى العمل ضمن الخارطة السياسية الأميركية، «وهذه الخارطة رسمت على أساس قوة هائلة للوبي المؤيد لإسرائيل وضعف الطرف الآخر». يقول إن السبب عدم وجود لوبي أميركي عربي قوي. «ربما يكون هناك تعاطف، ولكنه مجبر على التعاطي مع هذا الواقع»، يقول خالدي: وبالنسبة إليه، فإن اللوم هنا لا يقع فقط على أوباما، فهو يحمل الانقسام العربي مسؤولية مساوية إن لم تكن أكبر. يقول: «هناك واقع العالم العربي، التمزق، الضعف، الخلافات العميقة جدا، والوضع الفلسطيني. تعاطف أوباما مع الفلسطينيين واضح، ولكن ترجمة ذلك إلى سياسة يتطلب ليس فقط إرادة منه أو قدرة على تغيير الخارطة السياسة في الولايات المتحدة، إنما أيضا يتطلب جهدا هائلا من الطرف العربي». ويضيف: «نحن دائما نتوقع من الخارج الخلاص والتغيير بينما الكثير من إمكانيات التغيير بين يدينا. توحيد الفلسطينيين وطرح استراتيجية واضحة سيؤثر بشكل هائل جدا على خيارات أوباما، بينما استمرار التمزق حتما سيؤدي إلى إضعاف احتمالات حصول تغيير في السياسة الأميركية». أوباما لم يتغير بالنسبة لخالدي، فهو لم يبدل مواقفه لأسباب انتخابية، ولكنه بدل خطابه عندما تبدل جمهوره. يقول: «عندما كان مندوبا عن منطقة تضم الكثير من العرب، كان يهتم بالناخبين في دائرته، ولكن عندما رشح نفسه لمجلس الشيوخ الوطني في 2004، طرح نفسه أمام جمهور مختلف تماما. إبداء اهتمام بالعرب عندما يكون الناخبون العرب يشكلون 2 في المائة من ناخبي ايلينوي لا معنى له». ويضيف: «فعلا تغيرت اهتماماته وطروحاته وبدأ يتكلم عن إسرائيل بطريقة كان يستحيل أن يتكلم عنها، وبعض العرب في شيكاغو أبدوا استياءهم من ذلك. ولكن من يفهم في السياسة الأميركية، يعرف أنه من دون أن يكون لدينا صوت قوي في الولايات المتحدة، لا يمكن أن نتوقع أن يستمع إلينا أحد». الجالية العربية في الولايات المتحدة، لا تزال يافعة، يقول الخالدي، ولهذا فهي لا تتمتع بلوبي قوي كباقي الجاليات، اليهودية والكوبية واليونانية والإيطالية... أن يختار أوباما ميتشل كمندوبه الخاص للشرق الأوسط، يكون أمرا إيجابيا جدا، يقول خالدي «لم يعين بعد الكثير من معاونيه بشأن السياسة الخارجية والأمن القومي، ولذلك من الصعب جدا أن نعرف كيف سيكون النهج الجديد من دون أن نرى من هم الذين سيتولون هذه المهام. ولكن مجيء ميتشل كمندوب خاص للشرق الأوسط، سيكون له دلائل إيجابية، ومجيء دينيس روس سيكون له معنى سلبي». ويضيف: «ميتشل هو من أصل لبناني، وتعاطى مع قضايا معقدة جدا عالميا، فهو مسؤول عن حل النزاع الايلندي، وكان رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ ورئيس وولت ديزني... وتولى مناصب هامة جدا في المجتمع الأميركي وفي الدبلوماسية الدولية، وهو له هيبة ومحترم من كل الجهات ويفهم في الشرق الأوسط». اختيار روس لا يقلق فقط الخالدي، إذ يقول مصدر في واشنطن رفض الكشف عن اسمه إن المتخصصين بقضايا الشرق الأوسط الذين يعملون في واشنطن، قلقون من اختيار روس على اعتبار أنه لم ينجح في مهمته عندما عينه بيل كلينتون مندوبا للشرق الأوسط، فلماذا سيتغير الأمر اليوم؟ وبانتظار تعيين المندوب الخاص للشرق الأوسط، يقول بنامان إن السؤال الأهم الذي يجب انتظار إجابة عنه، هو موقف الإدارة الجديدة من توحيد الفلسطينيين وما إذا كانت الإدارة الجديدة ستشجع على مصالحة بين فتح وحماس، وهذا سيكون مؤشرا للسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط.