السعودية: مراكز استشارات أسرية غير مؤهلة «تخرب البيوت»

مع تنامي أعدادها وغياب الرقابة.. وتشغيلها لأشخاص غير مؤهلين

TT

حذر عدد من العاملين في الجانب الاجتماعي، من خطورة ظاهرة تنامي أعداد مراكز الاستشارات الأسرية والاجتماعية من دون وجود مظلة وجهة تتابع وتراقب أداء هذه المراكز وكفاءة الموظفين فيها بشكل دقيق، لحفظ حقوق طالبي خدماتها المادية والمعنوية، والحد من مخاطر «الاستشارات الخاطئة».

مراكز ومكاتب الاستشارات الاجتماعية، الآخذة في الانتشار، تتقاضى في الغالب رسما على الاستشارة يتراوح من 100 ريال إلى 250 ريال، مع إمكانية المراجعة مرة واحدة خلال أسبوع من تاريخ الاستشارة، وبعضها يقدم خدماته مجانا من خلال المكاتب المباشرة، أو من خلال الاتصال الهاتفي، أو حتى من خلال مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت.

وتتركز خدماتها في تقديم الاستشارات لحل المشكلات الاجتماعية والتربوية والسلوكية، إلا أن انتشارها وعدم وجود آلية دقيقة لمتابعتها دفعت البعض إلى التخوف من مضار استخدام بعض هذه المكاتب لأشخاص غير مؤهلين التأهيل الكافي، ليقوموا بإسداء نصائح قد تتسبب في خراب البيوت بدلا من إعمارها كما تقول الدكتورة عفاف أحمد زقزوق، مستشارة العلاقات الزوجية والأسرية بمركز إيلاف للإستشارات، التي تؤكد أن جانبا إيجابيا يجب الاعتراف به؛ وهو بدء إدراك المجتمع لأهمية وقيمة الاستشارة في الإصلاح وتقريب وجهات النظر والحياة بصورة أفضل، وبالتالي إقبال الناس على هذا النوع من الخدمات، وإن كان هذا التقدم لا يزال في بدايته، وهو محدود نوعا ما، ويسعى المركز الذي تعمل فيه زقزوق، إلى جانب غيره، للعمل جاهدين لنشر هذا المفهوم وتوعية الناس بهذه الخدمة وأهميتها بشكل أكبر وأعمق.

وأشارت زقزوق إلى أن غالبية الاستشارات تتركز حاليا في جانبين؛ الأول هو جانب المشكلات الزوجية، والجانب الآخر هو اضطرابات السلوك لدى الأطفال، وبالتالي فإن شريحة المتزوجين تأتي في طليعة المستفيدين من خدمات مكاتب الاستشارات يليها الآباء الذين يحتاجون إلى مساعدة في تقويم وتوجيه سلوك أبنائهم.

وقالت زقزوق «بالتأكيد نرى في تصدي غير المتخصصين للاستشارات الأسرية والتربوية خطأ فادحا ومشكلة حقيقية يجدر التعامل معها بحكمة وحرص، ونحن في المركز نشترط بشكل أساسي التخصص العلمي إلى جانب الخبرة الملائمة، ولذلك فإن غالبية مستشارينا هم من القضاة، والمتخصصين، والأكاديميين من حملة الدكتوراة أو الماجستير، أو ممن تلقوا تعليما وتدريبا ملائما».

من جانبها أكدت المشرفة التربوية بتعليم جدة، ورئيسة الهيئة الإشرافية لجمعية الشقائق، ألماسة الهجن «أنه يجب على القائمين على هذه المكاتب توخي الحذر في اختيار مستشاريهم ليجمعوا بين العلم والقيم الدينية والأخلاقية، والحذر من التأهيل السطحي والدراسة غير المتخصصة عن طريق الدراسة عن بعد بشكل سريع من خلال بعض المكاتب، التي قد تؤثر على البنية الاجتماعية وتزيد من عملية التفكك الاجتماعي التي يفترض بالمكاتب الاستشارية العمل على حلها».

وتابعت «ندعو إلى الإكثار من المكاتب الاستشارية، لكن تحت إشراف ومظلة متخصصة تضمن حق المواطن الذي يستشير هذه الجهة ولذلك يجب عدم السماح لها إلا ضمن معايير مقننة بحيث يكون جميع القائمين عليها حاصلين على تخصصات أكاديمية ولهم تجارب لا تقل عن 10 سنوات في المجال الأكاديمي والاجتماعي على الأقل»، واقترحت الهجن «أن تكون كل من وزارة الصحة ممثلة بالشؤون الصحية، ووزارة الشؤون الاجتماعية، أكثر اطلاعا على أداء هذه المكاتب وعلى سير عملها».

مدير الشؤون الصحية بحائل حاليا، ومدير مستشفى الصحة النفسية بجدة سابقا، الدكتور نواف الحارثي، بدوره، أكد أن مشكلة المكاتب الاستشارية من هذا النوع، هي عدم وجود مرجعية واحدة لها، فالإشراف والرقابة عليها تتوزع بين جهات مختلفة، من بينها إدارة التربية والتعليم، والمعهد الفني للتدريب المهني، والغرفة التجارية والشؤون الصحية، وفي الوقت نفسه يشير الحارثي إلى أنه على الرغم من كون هذه المكاتب تمارس العمل نفسه تقريبا إلا أن أسماءها مختلفة تبعا للجهات التي ترخص لها، ولفت الحارثي إلى أن معايير وزارة الصحة في الترخيص وتقييم هذه المكاتب قاسية وتشترط شهادة من جامعة معترف بها، وخبرة، إضافة إلى استعانتها بالأطباء المتخصصين في مستشفيات الصحة النفسية للإشراف الفني على هذه المكاتب. ومن ناحية أخرى فإن بقية الجهات التي تتابع عمل هذه المكاتب أكثر مرونة، مما يدفع أصحاب هذه المكاتب إلى الحصول على تراخيصهم منها.

وأضاف «مع الكثرة الموجودة، ليست هناك مقاييس محددة لاعتماد المكاتب، والمسألة أصبحت شبيهة إلى حد ما بمسألة البرمجة اللغوية والعصبية التي انتشرت في فترة من الفترات، وبالتالي فإنه من المهم وضع معايير واضحة تماما ودقيقة، وتوحيد الجهة التي تتبع لها هذه المكاتب، وتقييم خدماتها بشكل علمي ودقيق ودوري، إضافة إلى توعية الناس بضرورة الحصول على الاستشارة من المؤهلين فقط».